بغداديون يعترضون على عزل مناطقهم وتطويقها فيما الإرهاب يتجول بحرية

وصفوا الخطط والإجراءات الأمنية الجديدة بالمعقدة والفاشلة

عائلة عراقية تحاول الوصول إلى بيتها متجاوزة حاجزا خرسانيا عازلا («الشرق الأوسط»)
TT

كلما اضطربت الأوضاع الأمنية في العاصمة بغداد، تنوعت طرق الحصار والتضييق على سكانها بشكل سلب معه حرياتهم في التجوال بين المناطق وزاد من معاناتهم بعد أن عزلت مناطق بالكامل عن بعضها بالحواجز الخرسانية، كان آخرها إلزام مواطنيها باستحصال بطاقات (الباجات) مسبقا قبل الدخول إليها، فيما تذرعت قيادة عمليات بغداد بـ«الدواعي الأمنية» لإجراءاتها المشددة لمواجهة تحديات الإرهاب والقتل الطائفي الذي ما زال يتجول بحرية وبإمكانات وصفها مراقبون بإمكانات «دولة» كاملة.

بغداديون عبروا في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط» عن استيائهم من حالة الإغلاق الكامل لمناطقهم، والذي تسبب بزيادة معاناتهم لدى دخولهم وخروجهم منها، وعزلهم عن الأهل، فيما فضل آخرون بيع دورهم والبحث عن مناطق أكثر سهولة في العيش، الأمر الذي انعكس على سوق العقارات فيها بطريقة طردية مع تصاعد حدة الإرهاب والاستهداف الطائفي في منطقة دون أخرى.

المواطن تيسير كاظم أحد سكان منطقة السيدية (جنوبي بغداد)، قال: «كل يوم نضيع طريقنا لأجل الوصول إلى بيوتنا بعد أن تبتكر الجهات الأمنية مداخل جديدة فيما تغلق أخرى، وفي الآونة الأخيرة قامت بفصل الأحياء السكنية عن بعضها بوضع الصبات والحواجز في الشوارع الداخلية مما شل حركة سكانها»، مؤكدا بقوله: «مع كل تلك الإجراءات لكن حوادث القتل العشوائي والإرهابيين يتجولون بحرية، مما سبب رعبا للسكان ورغبتهم بالبحث عن مناطق أخرى أكثر أمانا واستقرارا».

وبذل الطبيب فائز الحمداني جهودا وصفها بـ«المتعبة» لأجل إقناع نقاط السيطرة القريبة من مدخل منطقته بأنه أحد سكانها بعد أن طالبوه باستحصال استمارة الدخول التي تمنحه فيما بعد كارتا خاصا (باج) تبلغ قيمة إصداره لكل فرد يملك سيارة داخل المنطقة (15) ألف دينار نحو (12) دولارا. أما المواطنة (أم زيد)، والتي فضلت السير على أقدامها لمسافات بعيدة كي تجلب ابنتها من المدرسة بعد أن أغلقت المعابر الفرعية في الحي الذي تسكنه فقالت: «صرنا نتمنى العيش في القرى والأرياف على العيش في المدينة التي لا نعرف فيها الراحة ولا الأمان».

فيما اضطر سائق التاكسي (أبو إيمان)، من سكان منطقة العامرية التي أغلقت جميع معابرها، وأبقي على منفذ واحد للدخول إلى بيع أثاث بيته واستئجار بيت في منطقة بعيدة عن مركز العاصمة، لأجل مواصلة عمله الذي شح مع إجراءات القيادات الأمنية الأخيرة التي وصفها بالمرتجلة كلما حصل خرقا أمنيا، كونها تفتقر للدراسة وخبرة ذوي الشأن في تلك الأمور.

آمر لواء منطقة المنصور العقيد (مرتضى.أ)، أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «هدف وزارة الداخلية تخليص بغداد من الحواجز والصبات في حال تأمينها وضعا أمنيا كافيا لحماية السكان من المخربين والمجرمين الذين يتحينون الفرص لأجل بث الرعب ونشر ثقافة القتل العشوائي، مشددا على أنها تأتي تنفيذا لطلبات سكانها»!.

وحول استمرار تلك الاستهدافات وحوادث القتل المجهول مع تشديد الإجراءات الأمنية قال: «هناك خلايا نائمة سكنت المناطق السكنية وهي تسعى لنشر الرعب بين سكانها، ونحن نحاول الوصول إليهم وتفكيك عملهم، عبر خطط سريعة ومباغتة، لكن حجم الإرهاب أقوى من إمكاناتنا».

ووعدت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد إصدار بطاقات (باجات) خاصة بالمركبات في مناطق معينة من العاصمة، تحمل اسم حائزها ونوع السيارة ورقمها واسم السائق الذي يقودها وعنوان بيته كإجراء وقائي لمنع حدوث تفجيرات خلال شهر المحرم، وقال عضو اللجنة المحلية في مجلس محافظة بغداد فاضل الشويلي لـ«الشرق الأوسط»: «وصلتنا تهديدات بوجود محاولات لتفجير أي موكب عزاء يقام في شهر المحرم الحرام، لذلك فقد تم اتخاذ إجراءات وقائية سريعة باستخراج بطاقة (باج) تعريفية لكل مركبة في المناطق المهددة كمدينة الصدر والدورة والسيدية والزعفرانية وبعض مناطق شمال بغداد كالتاجي وأبو غريب». ويتبادل العراقيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معاناتهم بشكل من السخرية من الإجراءات الأمنية التي مضى عليها أكثر من عشر سنوات دون أن تخفف من وطأة الموت المتربص بهم. إذ أكد الشاب معين ناظم عبر صفحته الشخصية أن الحواجز الخرسانية التي نشرت في البلاد خلال عقد كامل من السنين بإمكانها بناء مجمعات سكنية وحتى أبراج وناطحات سحاب.

ويبلغ سعر الحاجز الخرساني الواحد 800 دولار، وشهدت أسعار الإسمنت ارتفاعا ملحوظا وصل إلى نحو 230 ألف دينار عراقي في حين كان قبل خمس سنوات لا يزيد عن 50 ألف دينار عراقي.