بوادر تصدع في تحالف الاتحاد من أجل تونس والترويكا الحاكمة

جلسات الحوار في تونس وراء تحالفات سياسية جديدة

TT

بات من شبه المستحيل عودة خريطة الأحزاب السياسية في تونس إلى نفس تركيبتها التي سبقت أولى جلسات الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة التي كانت يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

فقد تشكلت تحالفات جديدة وانفرط عقد بعض التحالفات الأخرى نتيجة مواقف سياسية أملتها جولات الحوار المعلقة منذ أربعة أيام.

ولم يعد تحالف الترويكا الحاكمة المكون من حركة النهضة وحزبي المؤتمر والتكتل يعمل بنفس درجة الانسجام في المواقف، وبدا أن «شبه طلاق سياسي» بدأت معالمه تنضج. فقد خالف حزب المؤتمر شريكيه في الحكم ولم يمض على وثيقة الحوار السياسي، كما خالف حزب التكتل الذي يرأسه مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) شريكيه في الحكم وانسحب نوابه من البرلمان (13 نائبا برلمانيا) احتجاجا على التعديلات التي أجريت منذ يومين على النظام الداخلي للمجلس التأسيسي وقلصت من صلاحيات رئيس المجلس.

وفي هذا الشأن صرح عماد الدايمي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» بأن التحالف الذي يجمع بين الائتلاف الثلاثي الحاكم يمس عمل الحكومة ولا يشمل بقية الأنشطة السياسية أو البرلمانية. وأضاف: «ليس لدينا تحالف مع حزبي حركة النهضة والتكتل داخل المجلس التأسيسي وإنما تحالفنا على مستوى الحكومة فحسب».

وبرزت عدة خلافات ذهبت إلى حد تهديد تحالف الترويكا الحاكمة بالصدع وذلك عند اتهام المنصف المرزوقي، الرئيس الشرفي لحزب المؤتمر، حركة النهضة بمحاولة السيطرة على مفاصل الدولة. كما كان لقرار مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي تعليق أنشطة المجلس في السادس في السادس من أغسطس (آب) الماضي، وقعا سلبيا على شريكيه في الحكم الذين قدرا أن القرار فردي ولم تسبقه مشاورات مع بقية مكونات الترويكا.

وبشأن الخلافات داخل الترويكا، قال محمد بنور المتحدث باسم حزب التكتل لـ«الشرق الأوسط»، إن العلاقات الرابطة حاليا بين الثلاثي الحاكم على درجة كبيرة من التوتر الذي قد ينذر بالتصدع، ومن الضروري مراجعة بعض الأسس التي تنظم تلك العلاقة. وأشار إلى وجود قلق وتخوفات جدية من تهديد التوازن داخل المؤسسة الدستورية الوحيدة التي انتخبها التونسيون، وهذا ما جعل حزب التكتل يسحب نوابه من البرلمان.

ومن ناحيتها، تقلل قيادات حركة النهضة من حدة ما يحدث من خلافات بين الترويكا الحاكمة وترى أن الاختلاف يمس مسائل جزئية معينة وهو ليس جذريا إلى درجة «الطلاق النهائي». وتصر على تواصل تجربة الحكم الثلاثي، وفي هذا السياق قال الحسين الجزيري القيادي في حركة النهضة، إن تجربة الترويكا ستتواصل خلال الفترة المقبلة، وقال إن حزب التكتل سحب نوابه من المجلس التأسيسي، ولكنه لم يبادر إلى سحب وزرائه وأعضائه من حكومة علي العريض.

من ناحية أخرى، مثل موقف الحزب الجمهوري المعارض «صدمة» حقيقية لقيادات الاتحاد من أجل تونس، وذلك بعد دعم ترشح أحمد المستيري لرئاسة الحكومة وهو نفس الاختيار الذي تدعمه حركة النهضة. ولم تجد جبهة الإنقاذ المكونة من أحزاب الاتحاد من أجل تونس وسبعة أحزاب سياسية أخرى معارضة، التفسير المناسب لموقف الحزب الجمهوري أحد الأحزاب المكونة للائتلاف السياسي الذي يجمع حركة نداء تونس وحزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي والحزب الجمهوري.

وتفسر مصادر سياسية معارضة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بأن الصراع بين الباجي قائد السبسي رئيس حركة نداء تونس، وأحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية العليا للحزب الجمهوري على منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قد يكون من دواعي التوتر السياسي داخل الاتحاد من أجل تونس وانحياز قيادة الحزب الجمهوري إلى اختيار حركة النهضة في تحالف ظرفي قد يتحول لاحقا إلى تحالف انتخابي أو سياسي. ولمح نجيب الشابي في تصريحات سابقة إلى إمكانية وجود تقارب بين حركتي النهضة ونداء تونس لاقتسام السلطة بينهما وهو ما زاد في توتر العلاقة بين الحزب الجمهوري وحركة نداء تونس. وسارع حمة الهمامي المتحدث باسم جبهة الإنقاذ إلى نفي عبارة «التصدع» عن الجبهة السياسية التي يتزعمها في مواجهة حركة النهضة. وقال إن «جبهة الإنقاذ لا تزال موحدة وما حصل من خلاف جزئي لن يمس أسس العلاقة بين مكونات الجبهة والخلاف ينحصر في ترشيح رئيس للحكومة فحسب».

وكان الحزب الجمهوري وريث الحزب الديمقراطي التقدمي قد تحالف مع حركة النهضة في ما يعرف بهيئة «18 أكتوبر» سنة 2005 في مواجهة نظام بن علي. وقد يكون التقاء الطرفين من جديد حول أحمد المستيري مرشحا مشتركا لرئاسة الحكومة مؤشرا على تقارب جديد بينهما.

وتتخوف «العائلة اليسارية» من عودة التشتت إلى المعارضة واستئنافها لجلسات الحوار السياسي في حالة تشتت قد لا تسمح لها بمجاراة نسق التفاوض القوي الذي حكومة حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية.

في غضون ذلك، واصل الحسين العباسي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل (نقابة العمال) مشاوراته ولقاءاته مع قادة الأحزاب السياسية. وصرح بأن الرباعي الراعي للحوار قد قرر عدم ترشيح أحمد المستيري ومحمد الناصر لمنصب رئاسة الحكومة بعد وقوعهما في دائرة التجاذب السياسي. وتوقع راشد الغنوشي أن تعود جلسات الحوار الوطني للانعقاد بداية الأسبوع المقبل وذلك بعد لقائه مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان).

وأعلنت لجنة النظام الداخلي داخل المجلس التأسيسي (البرلمان) أنها ستعيد النظر في التعديلات التي أجريت على الفصلين 39 و76 التي قلصت من صلاحيات مصطفى بن جعفر. وتشترط جبهة الإنقاذ المعارضة التراجع عن تلك التعديلات قبل العودة إلى طاولة الحوار. وتمكن تلك التعديلات من عقد جلسة عامة برلمانية باتفاق 109 من أعضاء البرلمان دون الرجوع إلى رئيس المجلس.