حصار يخنق المنطقتين المتنازعتين في طرابلس.. وترقب لمسار التحقيق بتفجير المسجدين

رفعت عيد يؤكد أن والده لن يمثل أمام التحقيق

TT

وصف مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد، وهو نجل النائب السابق علي عيد، شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي، والتي تولت التحقيقات الأولية في جريمة تفجير مسجدين في مدينة طرابلس شمال لبنان، بأنها «فرع فتنة وفرع عميل». وأكد أن والده «لن يمثل أمام فرع المعلومات»، وذلك على خلفية استدعائه من قبل القضاء العسكري لاستجوابه بعد غد (الثلاثاء) حول دوره في تهريب مطلوبين في التفجيرين، بناء على اعترافات عدد من عناصر حزبه الموقوفين. ويأتي رفض عيد مثول والده أمام القضاء العسكري، بعد أن أعلن الأخير بدوره أنه لن يمثل أمام «المعلومات»، باعتباره جهازا أمنيا «غير حيادي».

وقال رفعت عيد، في مؤتمر صحافي أمس، عقده في منطقة جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، في مدينة طرابلس: «من حلل دمنا وهو فرع المعلومات فحلال علينا دمه». وتابع: «ليداهموا (رئيس شعبة المعلومات) عماد عثمان وليأخذوه إلى العدالة»، محملا إياه (عثمان) ووزير الداخلية مروان شربل مسؤولية كل الموقوفين إلى حين مثولهم أمام قاضي التحقيق. ودعا «الأجهزة الأمنية إلى العثور على تيسير يحيى غليون، (تردد أنه ابن رئيس المجلس الوطني السابق برهان غليون) سوري ولديه الجنسية التشيكية لمعرفة المعلومات التي يملكها وعلاقته بالتفجير».

واتهم عيد شعبة المعلومات بتلفيق الاتهامات، ولفت إلى أن مرافقه الموقوف، ويدعى أحمد العلي، «قال اسم علي عيد بعد ضربه بشكل عنيف لدى المخابرات، وقال إنه هرب أحمد مرعي (أحد المطلوبين بتفجير مسجد التقوى) إلى منزل علي عيد، وكانت النتيجة القرار الصادر عن القاضي صقر صقر».

وشدد عيد على أن «المسألة لم تعد قضائية وبات الملف يهدف إلى إراقة دماء طائفة بكاملها»، في إشارة إلى الطائفة العلوية، مؤكدا امتلاكه لحقائق مدعومة بإثباتات ووثائق. وتأتي مواقف عيد التصعيدية في وقت شديد الحساسية، وبعد جولة قاسية من المعارك توقفت قبل 11 يوما فقط، بفضل قوة نيران الجيش اللبناني. لكن شيئا، من حينها، لم يعد إلى طبيعته. إذ لا تزال مناطق الاقتتال مقفرة ومتحسبة، فيما يشتبك الجيش مع مجموعة مسلحة هنا أو هناك، خصوصا في الليل، أو تهاجمه مجموعة أخرى فيطلق عليها النار، ما يثير رعب المارة أو السكان. ويفضل أهل المدينة تفادي المنطقة وحتى محيطها.

وباتت مداخل العاصمة الثانية مزنرة بحواجز للجيش والأمن العام اللبناني. هذا جزء من الخطة الأمنية، التي أعلن عنها تكرارا وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، مروان شربل، بهدف معالجة الوضع الأمني المتفجر الذي أرهق طرابلس منذ عام 2008 وتفاقم باندلاع الثورة السورية، ولم يجد له السياسيون حلا.

الاقتراب من الضاحية الشمالية للمدينة، وتحديدا باب التبانة، يبدو أشبه بدخول منطقة حربية، فحواجز الجيش تتكاثف والحركة تخفت، فيما يدقق الجنود على الحواجز.

ومع بلوغ مشارف جبل محسن، يوقف حاجز جديد للجيش المارين لسؤالهم عن سبب زيارة المنطقة، وقد لا يسمح لهم بإكمال طريقهم في حال إذا لم يكونوا من سكان الجبل. صحيح أن المعارك توقفت لكن التوتر قائم. الاعتداءات التي يتعرض لها أبناء جبل محسن وهم يتوجهون إلى أعمالهم في طرابلس تلقي بظلالها على الجميع. أكثر من 20 شخصا تعرضوا لاعتداءات في الأيام الماضية، تراوحت بين الطعن بالسكاكين، والضرب، وإطلاق الرصاص. هذه الحوادث المتكررة جعلت أهالي طرابلس يخشون المرور من الجبل خشية تعرضهم لعمل انتقامي، رغم أن أي رد من هذا النوع، من أهالي الجبل، لم يسجل بعد.

الجميع محاصر في طرابلس. أهالي جبل محسن باتوا يتحاشون التجول في طرابلس، لأن كل فرد منهم أصبح عرضة لاعتداء المسلحين. والأسوأ أن المجموعات المسلحة تجبر أحيانا شاحنات المواد الغذائية أو التي تحمل قوارير الغاز، على العودة أدراجها إمعانا في تضييق الحصار على الجبل. يقول حسن علي من جبل محسن لـ«الشرق الأوسط»: «أولادنا لا يذهبون إلى المدارس خوف الاعتداء عليهم في الطريق، والموظفون غالبا ما يتغيبون، والمواد الغذائية تدخل بصعوبة وكذلك الخضراوات.. أما القمامة التي باتت عبئا بالفعل فغالبا ما نلجأ لحرقها للتخلص منها، وهو أمر مضر بالصحة، لكننا مجبرون عليه».

ويروي تاجر خضار من جبل محسن لـ«الشرق الأوسط»: «اضطررت في الجولة السابقة من المعارك للذهاب إلى دير عمار القريبة، من هنا لآتي ببضاعة لدكاني، فتعرف إلي أحدهم هناك، وأطلق النار علي، وأصبت برجلي».

بمحاذاة جبل محسن، وعلى بعد خطوات منه، توجد كليات الجامعة اللبنانية، ومدارس مهنية، يقصدها آلاف الطلاب الطرابلسيين الذين يعبرون طلعة الشمال في جبل محسن يوميا. إغلاق هذا الطريق الحيوي أمام الطلاب أو الخوف من سلوكه، بات يشكل أزمة حادة. فالطرق الأخرى ضيقة، وباتت تشهد أزمة سير غير محتملة.

تقول الطالبة فاطمة مري من كلية الآداب، إنها «تحتاج ساعة كاملة أو أكثر للوصول إلى الجامعة بدل ربع ساعة عند سلوكها طريق جبل محسن، وإن الوضع المستجد يشل حركة الجامعة ويعطل وصول الموظفين كما الأطباء والطلاب». وتضم كلية الآداب وحدها خمسة آلاف طالب، فيما يقدر عدد الطلاب في مختلف الكليات بأكثر من 10 آلاف، هذا عدا الأساتذة والموظفين الذين باتوا هم أنفسهم رهن الحصار القصري على حركتهم، بسبب هذه الأوضاع.