تحفظات فرنسية في مفاوضات جنيف.. وروحاني يتدخل ويدعو القوى الكبرى لانتهاز الفرصة

مفاوضات ماراثونية وزارية حول الملف النووي في اليوم الإضافي.. وخلافات بين المفاوضين الغربيين وباريس

صورة تجمع وزراء خارجية ايران وبريطانيا والمانيا واشتون في جنيف امس (رويترز)
TT

دخل وزراء خارجية القوى الست الكبرى في مفاوضات ماراثونية طوال يوم أمس مع إيران في محادثات جنيف حول القضايا الخلافية في الملف النووي الإيراني بعد أن مددت المباحثات يوما إضافيا. وبينما كان القرار المفاجئ برفع التمثيل إلى مستوى وزراء الخارجية الذي اكتمل أمس بوصول سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا قد رفع سقف التوقعات، كانت المؤشرات تفيد مساء أمس بوجود عقبات وخلافات حتى بين الدول الغربية بعدما أبدت فرنسا تحفظات على صيغة الاتفاق المطروحة، معتبرة أنه لا يزال هناك أسئلة يتعين الإجابة عنها من جانب الطرف الإيراني. وأرسلت روسيا والصين وزيري خارجيتهما إلى جنيف لإكساب المحادثات زخما. ويهدف الاتفاق المؤقت قيد البحث إلى خلق إطار زمني للمفاوضات حول اتفاق أكثر شمولا من شأنه أن ينهي عشرة أعوام من المواجهة بشأن البرنامج النووي الإيراني. ويبدو أن من بين نقاط الخلاف الرئيسية الدعوات المنادية بغلق مفاعل إيراني قد يساعد طهران في النهاية على إنتاج وقود نووي يستخدم في تصنيع أسلحة، ومصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، وطبيعة تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية وتدرجه. كما كشفت إيران عن نقطة رئيسية مثار خلاف، إذ قال عضو وفد المفاوضين الإيرانيين مجيد تخت روانجي لوكالة مهر للأنباء الجمعة إن القوى الغربية يجب أن تبحث تخفيف العقوبات النفطية والمصرفية في المرحلة الأولى من أي اتفاق.

وعرضت القوى العالمية على إيران الحصول على أموالها المجمدة بالخارج منذ عدة أعوام، لكنها استبعدت أي تخفيف ملموس للعقوبات في المراحل الأولى لأي اتفاق.

وقال دبلوماسيون إنه حتى لو حدثت انفراجة مطلع هذا الأسبوع فلن تكون سوى بداية لعملية طويلة لبناء الثقة ترمي إلى إيجاد حل دائم يبدد المخاوف الدولية من مساعي إيران النووية.

وتدخل الرئيس الإيراني حسن روحاني في محاولة لإنقاذ المباحثات الصعبة، داعيا القوى الكبرى إلى عدم تفويت «الفرصة الاستثنائية» المطروحة حاليا للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني لطهران خلال المفاوضات المستمرة في جنيف.

وقال روحاني في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا): «آمل أن تغتنم القوى التي تفاوض إيران ضمن مجموعة (5+1) الفرصة الاستثنائية التي وفرتها الأمة الإيرانية للتوصل إلى نتيجة إيجابية خلال مدة معقولة».

وأضاف الرئيس الإيراني: «هذه الفرصة وجدت مع انتخابات 14 يونيو (حزيران)»، في إشارة إلى فوزه في الانتخابات الرئاسية التي كان «أحد شعاراتها التفاهم البناء مع العالم».

واعتبر روحاني أن «طلبات تعليق (البرنامج النووي) والعقوبات لم تحل المشاكل، وإنما عقدتها»، مشيرا إلى أن «الحل الوحيد هو التفاوض في إطار الاحترام والثقة المتبادلة». وأدلى روحاني بهذه التصريحات خلال استقباله وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا الذي يزور إيران حتى اليوم.

وتحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي يرأس الوفد الإيراني في جنيف عن تحقيق تقدم مع مجموعة «5+1» (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا) من دون تأكيد ما إذا كان سيجري التوصل إلى اتفاق مساء أمس على «نص الإعلان المشترك».

لكن ظريف قال إن هناك «خلافات في وجهات النظر» بين الدول الكبرى نفسها في المحادثات النووية بجنيف حول ملف إيران النووي.

وقال مفاوض غربي إنه في ضوء العقبات التي ظهرت فقد تكون هناك حاجة إلى جولة جديدة من المفاوضات، بينما رفض الجانب الإيراني أي تمديد جديد، فإما الاتفاق مساء أمس أو عقد جولة جديدة ما بين 7 و10 أيام. وقال ظريف أثناء فترة استراحة بعد ساعتين من المباحثات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون: «إذا لم نتوصل إلى اتفاق هذا المساء، فإن المفاوضات ستستأنف بعد أسبوع أو عشرة أيام».

وتعرضت فرنسا إلى انتقادات إيرانية بأنها تتخذ مواقف متشددة، ولم يقتصر ذلك على المفاوضين الإيرانيين، بل أخذ الموقف نفسه بعض المفاوضين الغربيين، وعلى وجه الخصوص ألمانيا، كما علمت «الشرق الأوسط». وقال أحد المندوبين الأميركيين إن فرنسا مثل من جاء متأخرا ويتمسك بالعودة لنقطة البداية، مما عقد من جلسات التفاوض بين إيران والمجموعة الدولية التي تضم فرنسا وبقية الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن بالإضافة لألمانيا.

من جانبه أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، إصرار بلاده وتمسكها ببحث القضايا العالقة ككل، وقضية تلو الأخرى، وليس إرجاء البعض باعتبار أن العمل سوف يجري كمراحل. وشدد على أن باريس لا يمكن أن تقبل باتفاق خاسر.

ووفقا للقليل الذي تسرب من المفاوضات فإن الفرنسيين كثيرا ما طلبوا العودة أكثر من مرة للتركيز على كيفية التصرف حيال مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بكل نسبه بما في ذلك النسب البسيطة التي تسمح بها اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي، ناهيك عما خصبته إيران من يورانيوم بنسبة 20 في المائة التي أولتها الأطراف كافة كل الأهمية.

وكان فابيوس قد أشار منذ لحظة وصوله لـ«القضايا الهامة التي ما تزال قائمة»، وبالأمس كرر القول إن العالق من القضايا إذا لم يجرِ حله فلن يكون من الممكن إبرام اتفاق، محذرا مما وصفه بلعبة غير مجدية، ومطالبا بموقف واضح وصريح بخصوص مفاعل أراك للمياه الثقيلة.

وتفيد متابعات «الشرق الأوسط» بأن رئيس الوفد الإيراني قد اشتكى مرارا مما وصفه بتعنت فرنسي حول إصرار فرنسا لرهن التفاوض وتمديده بدعوى ضرورة أن تحصل على موقف جماعي محدد بشأن مفاعل أراك الذي لم يكتمل بناؤه ولا تعده الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مقدمة المواقع الإيرانية التي تصر على معاينتها بحكم أن المفاعل قد تعثر؛ إذ ما يزال تحت الإنشاء (جنوب شرقي طهران) رغم أن التفكير في إنشائه بدأ منذ عام 1980 ولم يشرعوا في تخطيطه إلا عام 2002 ولم يتم كمبنى حتى 2006 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام لم يكتمل تركيب خزانه الرئيسي، ورغم إعلانات سابقة ببداية تجربة العمل فيه إلا أن ذلك قد لا يتحقق العام المقبل. ويتوقع أن ينتج في حال نجاحه ما يقدر بـ10 - 12 كيلوغرام من البلوتونيوم في العام.

وبعد لقاء منفرد مع ظريف قال فابيوس في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «نود التوصل إلى اتفاق، لكن مسائل هامة ما زالت عالقة تتعلق خصوصا بمفاعل أراك وبمخزون وتخصيب اليورانيوم».

وأثارت هذه العرقلة تعليقات في العواصم الأوروبية. وأكد وزير الخارجية السويدي كار بيلت في تغريدة على موقع «تويتر»: «يبدو أن المفاوضات في جنيف لا تجري مع إيران، بل في صفوف المجموعة الغربية. هذا ليس أمرا جيدا».

ويرجع الاهتمام الفرنسي بهذا المفاعل لخطورة ما يمكن أن ينتجه يوما ما من بلوتونيوم يعد مادة رئيسية في إنتاج قنابل نووية.

في هذا السياق كان وزير الخارجية الإيراني، كما علمت «الشرق الأوسط»، قد طلب لقاء رباعيا جمعه وأشتون ووزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ ووزير الخارجية الألماني مباشرة بعد لقاء ثلاثي جمعه وأشتون ووزير الخارجية الفرنسي وكان قد غادره في ساعة متأخرة ليلة الجمعة غاضبا.

من جانبها نقلت وكالة «إرنا» الإيرانية عن ظريف قوله إنهم تحملوا ضغوطا حتى تصل المفاوضات إلى نتيجة، متهما الفرنسيين باتخاذ مواقف متشددة كما أصبح حالهم في السنوات الأخيرة.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الطلابية عن ظريف قوله: «حول بعض النقاط توصلنا إلى اتفاق، وحول نقاط أخرى لا تزال هناك خلافات. وكما أشارت وسائل الإعلام هناك تضارب في وجهات النظر ضمن مجموعة (5+1)». وأعلن ذلك خلال استراحة بعد ساعتين من المباحثات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون. وصرح دبلوماسي غربي للصحافيين بأن «الأميركيين والاتحاد الأوروبي والإيرانيين عملوا بشكل مكثف طوال أشهر على هذا الاقتراح، وهذه ليست إلا محاولة من فابيوس للتدخل في اللحظة الأخيرة للعب دور في المفاوضات».

وحذرت إيران من أنه إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي السبت، وهو اليوم الثالث من المحادثات، فإن النقاشات ستؤجل إلى جولة جديدة ولن تتواصل المفاوضات الأحد.

وكرر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس أنه ما زالت هناك «مسائل هامة» عالقة في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وذلك عقب لقاء مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في جنيف.

وفي هذا الاتجاه قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن هناك «خلافات في وجهات النظر» بين الدول الكبرى في المحادثات النووية بجنيف حول ملف إيران النووي.

وفي طهران انتقد نواب إيرانيون السبت تصلب فرنسا في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في جنيف، متهمين وزير الخارجية الفرنسي بالدفاع عن «مواقف» إسرائيل التي تندد بالاتفاق الذي يجري بحثه.

ورأى وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أنه «علينا أن نفعل ما بوسعنا لانتهاز اللحظة والفرصة للتوصل إلى اتفاق لم ينجح العالم في التوصل إليه منذ فترة طويلة»، حيث بدا مصمما على تقريب وجهات النظر بين الغربيين.

غير أنه أبدى حذرا مؤكدا أنه حاليا من المستحيل التأكيد «على حصول اتفاق هذا المساء». وتابع: «لكن وإن لم يحدث فعلينا الاستمرار في الأسابيع المقبلة بالبناء على التقدم المحرز».

وتوالت منذ الصباح المشاورات المكثفة برئاسة وزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون بتفويض من الأمم المتحدة. كما جرت مناقشات ثنائية وثلاثية.

وتتمحور المحادثات «البالغة التعقيد» بين إيران ومجموعة الدول الكبرى «5+1» (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا، الصين وألمانيا) حول «اتفاق مؤقت» حول البرنامج النووي الإيراني قبل العمل على اتفاق نهائي.

وبحسب الاقتراح الذي يشمل فترة تجربة من ستة أشهر ولم يعلن مضمونه، توافق إيران مقابل تخفيف العقوبات على تعليق كلي أو جزئي لتخصيب اليورانيوم الذي يجري حاليا بنسبتي 3.5 في المائة و20 في المائة، ويمكن أن يسمح بإنتاج سلاح ذري إذا بلغت نسبة التخصيب 90 في المائة.

ويدخل مفاعل المياه الثقيلة في أراك (الفرع الثاني في آلية إنتاج سلاح نووي باستخدام البلوتونيوم)، الذي تحدث عنه فابيوس، في الخدمة في الصيف المقبل. وبعد تشغيله سيكون من الصعب جدا وقفه، بحسب الخبراء.

من المسائل الأخرى التي ينبغي حلها مصير مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة لدى إيران. وأفادت وسائل إعلام بأن طهران قد توافق على تجميد أنشطة آلات الطرد المركزي الأكثر تطورا لديها طوال ستة أشهر كبادرة حسن نية.

أما إسرائيل فحذرت بقوة من الاتفاق مع إيران الذي لا يؤدي إلى تفكيك برنامجها النووي.

وصرح مسؤول إسرائيلي كبير لوكالة الصحافة الفرنسية: «مع كل تفاصيل إضافية تجمعها إسرائيل حول الاتفاق الذي يصاغ في جنيف يتفاقم اضطرابها حيال الاستعجال في توقيع اتفاق على هذه الدرجة من السوء للعالم».

وتضم مجموعة «خمسة زائد واحد» التي تتفاوض مع إيران الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا. وتجنب وزير الخارجية الأميركي جون كيري الظهور في وسائل الإعلام أمس قبل المشاركة في محادثات مكثفة لمدة ساعتين مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وممثلة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون. وكان الثلاثة التقوا على مدى خمس ساعات يوم الجمعة الماضي.

وكانت مشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا: جون كيري وويليام هيغ وفابيوس وغيدو فسترفيلي، ثم الروسي سيرغي لافروف أمس، والمشاركة المتوقعة لوزير الخارجية الصيني وانغ يي بعد ظهر اليوم، زادت التكهنات بقرب الوصول إلى اتفاق. وليس أمام المفاوضين سوى مساحة محدودة للمناورة؛ إذ إن هناك معارضة من المتشددين في طهران والكونغرس الأميركي لأي تقارب بين البلدين، خاصة الحرس الثوري ورجال الدين الشيعة المحافظين في إيران.

وقال مسؤول إسرائيلي أمس إن إسرائيل «ترفض تماما» الاتفاق الذي يجري بحثه في جنيف حول البرنامج النووي الإيراني بين إيران والدول العظمى. وقال المسؤول طالبا عدم كشف اسمه: «ترفض إسرائيل تماما الاتفاق الذي يبحث بين إيران والدول الكبرى وهي غير ملزمة به».

وأضاف: «كلما حصلت إسرائيل على مزيد من التفاصيل بشأن الاتفاق قيد البحث في جنيف يزداد قلقها من جدوى توقيع اتفاق سيئ لهذه الدرجة بالنسبة إلى العالم».

ووصل مساء أمس نائب وزير الخارجية الصيني لي باودونغ إلى جنيف للمشاركة في المفاوضات، والتقى فور وصوله فابيوس.