كيري يؤكد أن بلاده «ليست عمياء» في التعامل مع طهران.. وباريس تثير غضب خامنئي

وزراء خارجية الدول الكبرى وإيران يغادرون جنيف من دون حل واستئناف الجهود 20 الشهر الحالي

الرئيس الإيراني حسن روحاني يتحدث مع نواب خلال جلسة للبرلمان في طهران أمس (أ.ب)
TT

أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس أن بلاده «ليست عمياء، ولا أعتقد أننا أغبياء» فيما يتعلق بالمحادثات النووية مع إيران. وجاءت تصريحات كيري في وقت تثار تساؤلات عن تفاصيل اتفاق لم يتبلور كليا بعد بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا من جهة وإيران من جهة أخرى حول ملف طهران النووي.

ويصل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو إلى العاصمة الإيرانية بعد يومين من انتهاء جولة المفاوضات النووية في جنيف دون إبرام اتفاق. ومن المنتظر أن يلتقي الياباني أمانو خلال الزيارة كبار المسؤولين في القيادة الإيرانية كما ينتظر التوقيع على اتفاق يعمل كجدول زمني للتعاون التقني اللاحق بين إيران والوكالة كما يتضمن هذا الاتفاق التفتيش على المنشآت العسكرية الإيرانية.

وشدد كيري في مقابلة مع قناة «إن بي سي» الأميركية على أنه «لا توجد أي ثغرات في التزام إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه إسرائيل»، وسط توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الحليفين بسبب المحادثات النووية الإيرانية. وقال كيري، إن «عددا من أكثر الخبراء في حكومتنا جدية وقدرة ممن أمضوا حياتهم في التعامل مع إيران والأسلحة النووية والحد من التسلح النووي، يشاركون في وفدنا للمفاوضات». وأكد «نحن لسنا عميانا ولا أعتقد أننا أغبياء.. وأعتقد أننا قادرون على معرفة كيف نتصرف بطريقة تخدم مصالح بلادنا والعالم وخصوصا حلفائنا مثل إسرائيل ودول الخليج وغيرها من دول المنطقة».

وانتهت ثلاثة أيام من المحادثات بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) دون التوصل إلى اتفاق، ومن المقرر أن يلتقي الطرفان مجددا في 20 نوفمبر (تشرين ثاني) لاستئناف الجهود الدبلوماسية. وارتفعت الآمال في التوصل إلى اتفاق بشكل كبير بعد أن هرع عدد من وزراء خارجية الدول الكبرى إلى جنيف للمشاركة في المحادثات، إلا أن الآمال تضاءلت بعد أن بدأت الاختلافات تظهر بين الدول الكبرى بعد أن أعربت فرنسا عن مخاوفها.

وحتى الساعة الواحدة من فجر أمس لم يجزم أحد بفشل المباحثات النووية الوزارية التي جرت بطريقة سرية مكثفة وطويلة بين وزراء خارجية المجموعة الدولية برئاسة مفوضة الشؤون الدبلوماسية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون وإيران برئاسة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف. وهكذا ظل البعض ينتظر اختراقا وبيانا مشتركا يعلن توقيع الوزراء على ميثاق عمل يفتح صفحة جديدة في مسار قضية الملف النووي الإيراني التي تأزمت طيلة عقد من الزمان، إلا أن النتيجة كانت محبطة للوزراء المشاركين في محادثات عصيبة لم تخرج باتفاق ملموس. وأكد وزير الخارجية الإيراني أنه «لم يشعر بخيبة أمل» على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق، مضيفا: «نعمل معا وسنكون قادرين على التوصل إلى اتفاق عندما نلتقي المرة القادمة».

وشهدت جنيف تطورات مثيرة مساء يوم السبت حتى فجر أمس تمام الواحدة وفي مؤتمر صحافي مشهود وبلغة دبلوماسية منتقاة ومختصرة أعلنت آشتون وأيدها ظريف أنهم اتفقوا على بعض النقاط فيما لا تزال بعض القضايا عالقة، ولذلك فإنهما والمدراء السياسيين للدول الست سيواصلون التفاوض في لقاء جديد بجنيف بتاريخ 20 الحالي، مكتفيان بالقول في معرض ردهما على أربعة أسئلة فقط إن الخلافات في وجهات النظر أمر طبيعي. وتجنبت آشتون ومعها ظريف الحديث عن دور الوزير الفرنسي فابيوس الذي وصفت مصادر موقفه بـ«المتعنت» والذي كان السبب الرئيس الذي عرقل الوصول لاتفاق وأدى إلى عدم الخروج باختراق.

هذا وكان وفد المجموعة الدولية المكون من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن زائد ألمانيا قد بدأ صباح الخميس الماضي جولته الثانية مع وفد إيراني بعضويتهما المعهودة من مدراء وخبراء يمثلون بلادهم ومن ثم اتخذت الجلسات منحى جديدا بانضمام، وليد لحظته وفجائي لوزراء خارجية دول المجموعة الدولية واندماجهم في لقاءات تنوعت ما بين ثنائية وثلاثية ورباعية وأحيانا جماعية، أجمعوا أنها حققت الكثير من التقدم وقربت بعض المواقف بين الأطراف وجعلت التوصل إلى اتفاق أمرا ممكنا خلال الأسابيع القادمة.

وحده خالف وزير الخارجية الفرنسي في تصريحات مباشرة قال فيها، إن «تأجيل المباحثات لوقت لاحق يعود لعدم العثور على حلول لبعض القضايا العالقة شديدة الأهمية والتي يجب التعامل معها»، نافيا ما تردد أن فرنسا هي التي عرقلت الوصول لبيان مشترك. وأضاف أن «بلاده مهتمة بالتوصل إلى اتفاق لكن يجب أن يكون مكتمل العناصر وهو ما سيدرسه الخبراء».

وعلى الرغم من فشل المتفاوضون في تحقيق هدفهم الأساسي أي الوصول إلى اتفاق فإنهم نجحوا نجاحا باهرا (ما عدا التصريحات الفرنسية) في الحفاظ على سرية تفاصيل ما دار بينهم وراء الأبواب المغلقة، مكتفين بتصريحات عمومية أن المباحثات تمحورت حول اقتراحات قدمتها إيران في جنيف 15 - 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأن الجلسات حققت تقدما لم يرق لتقليص الخلافات والفوارق.

وانفرد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بمؤتمر صحافي عقده الثانية بعد منتصف الليل وكان التعب ظاهرا عليه، وقال فيه إن القوى الكبرى أصبحت أقرب للوصول لاتفاق «جيد» يكبح البرنامج النووي الإيراني، محذرا إيران من أن نافذة العمل الدبلوماسي «لن تظل مفتوحة للأبد». وشدد كيري على أهمية التوصل إلى اتفاق، قائلا، إن «بلاده مؤمنة أن كل يوم يمر دون الوصول لاتفاق يعني يوما تزيد فيه إيران مما تخصبه من اليورانيوم»، مشيرا لأهمية اتفاق الأطراف كافة على لغة مشتركة وذلك في إشارة للاختلافات التي تبنتها فرنسا، مؤكدا على «سيادة كل دولة في اتخاذ قرارها». هذا وقد تحول فندق الإنتر كونتيننتال لمقر جمع كل رؤساء الوفود في محاولة لتقريب المسافات واللقاءات الجانبية على هامش الاجتماعات الرسمية. إلى ذلك ظهر بوضوح مدى الود والاحترام المتبادل بين ظريف وآشتون حتى بعد فشل المباحثات وأثناء مشاركتهما في المؤتمر الصحافي حيث سعى كل منهما لمنح الآخر الفرصة الأولى لدخول القاعة وللحديث. وفي خدمة خاصة توفرت للوفد الإيراني وجبات الطعام الحلال ليس ذلك فحسب بل حافظوا بدعوى احترام الوفد الإيراني «كما المرة الأولى» على ستار طويل عريض حجب لوحة حائطية تاريخية مستمدة من رسومات النحات الفنان مايكل أنجلو كانت بريطانيا قد قدمتها كهدية لتزيين مدخل مبنى الأمم المتحدة المعروف باسم «قصر الأمم» مما أثار سخط صحف محلية اعتبرت ذلك التصرف تدخلا في مبنى دولي لا سلطة للحكومة السويسرية أو الاتحاد الأوروبي عليه. وصباح أمس قال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، إن «المباحثات حققت الكثير من التقدم وقربت المواقف بين الأطراف وجعلت التوصل إلى اتفاق أمرا ممكنا وهناك فرصة لتحقيق ذلك خلال الأسابيع المقبلة».

وبعد ساعات على انتهاء المفاوضات، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده لن تتخلى عن «حقوقها النووية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم»، كما أوردت وسائل الإعلام الإيرانية غداة مفاوضات مكثفة في جنيف مع القوى الكبرى. وقال الرئيس الإيراني أمام مجلس الشورى الذي يهيمن عليه المحافظون «هناك خطوط حمر يجب عدم تجاوزها». وأضاف أن «حقوق الأمة الإيرانية ومصالحنا الوطنية تشكل خطا أحمر، وكذلك الحقوق النووية في إطار القوانين الدولية، وذلك يتضمن تخصيب (اليورانيوم) على الأرض الإيرانية». وقد وصلت وكيلة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان ومعها الوفد الأميركي المفاوض مع الإيرانيين إلى إسرائيل أمس، آتيين مباشرة من جنيف. وقالت صحيفة، «هآرتس»، إن «الوفد وصل على إثر التوتر الكبير في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. وسيلتقي الوفد بمسؤولين سياسيين وأمنيين يتابعون الملف الإيراني لوضعهم في صورة المفاوضات بشكل دقيق وتفصيلي».

من ناحيتها أطلقت إسرائيل الأحد حملة دبلوماسية للحيلولة دون التوصل إلى اتفاق مع إيران وصفته بأنه «سيئ وخطير». وطبقا لنتنياهو، فإن الاتفاق المطروح سيزيل العقوبات عن إيران وفي الوقت ذاته يمكنها من تخصيب اليورانيوم والمضي في العمل على مفاعل بلوتونيوم. وصرح وزير الاقتصاد الإسرائيلي نافتالي بينيت سابقا بأنه سيتوجه إلى واشنطن للتحدث مع الكونغرس الأميركي وحشد التأييد للحيلولة دون إبرام الاتفاق مع إيران.

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالعمل بكل قوة لمنع «اتفاق سيئ» بين القوى الكبرى وإيران قائلا، إنه «حذر قادة هذه الدول بأن الصفقة الآخذة بالتبلور مع إيران بشأن برنامجها النووي تشكل خطرا على العالم أجمع». وقال نتنياهو لوزرائه في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس: «تحدثت هاتفيا خلال نهاية الأسبوع مع كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وقلت لهم إنه وفقا للمعلومات التي وردت إسرائيل فإن الصفقة المزمعة مع إيران سيئة وخطيرة ليست بالنسبة لنا فحسب بل أيضا بالنسبة لهم وللسلام العالمي لأنها تخفف بلحظة واحدة من ضغط العقوبات الذي تفاقم خلال سنوات كثيرة، ومن الجهة الأخرى، فإنها تسمح بأن تحتفظ إيران بقدرتها على التخصيب النووي وعلى المضي قدما في مسار البلوتونيوم». وأضاف «أؤكد أن الصفقة المقترحة لا تشمل تفكيك ولو جهاز طرد مركزي واحد. وسألت الزعماء الذين تحدثت معهم لماذا هذه الهرولة؟ واقترحت عليهم أن ينتظروا ويفكروا بهذا الأمر جيدا لأن هذا متعلق بقرارات تاريخية. طلبت منهم الانتظار، وجيد أنه في نهاية الأمر هذا هو القرار الذي تم الوصول إليه (في جنيف)، ولكن لا أوهم نفسي ففعلا توجد رغبة قوية بالتوصل إلى اتفاق. وأنا آمل ألا يتم التوصل إلى اتفاق بغض النظر عن ثمنه». ويذكر أن الرئيس الفرنسي يعتزم زيارة إسرائيل الأسبوع المقبل، حيث سيكون الملف الإيراني على رأس أجندته.