المغرب يعلن عن تنظيم عملية استثنائية لتسوية وضعية الأجانب المقيمين فيه بصفة غير قانونية

وزير الهجرة: الإجراءات تعكس إرادة الملك محمد السادس في حماية حقوق الإنسان

TT

أعلن المغرب عن تنظيم عملية استثنائية لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية في البلاد، مطلع العام المقبل، وتستمر هذه العملية سنة كاملة.

وأفادت الوزارة المكلفة المغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة بأنه سيجري لهذا الغرض إحداث «مكاتب للأجانب» تتوفر على الوسائل البشرية والمادية الملائمة على صعيد كل محافظة وإقليم من أجل تسلم والتأشير على طلبات تسوية الوضعية القانونية، إلى جانب «إحداث لجنة وطنية للطعن، بمشاركة المجلس الوطني لحقوق الإنسان».

وأبرزت الوزارة ذاتها أن هذه العملية الاستثنائية الخاصة بتسوية الوضعية القانونية للمهاجرين في وضعية غير قانونية ستهم الأجانب المتزوجين من مواطنين مغاربة، والذين يتوفرون على ما يثبت ما لا يقل عن سنتين من الحياة المشتركة، والأجانب المتزوجين من أجانب آخرين مقيمين بصفة قانونية بالمغرب، والذين يتوفرون على ما يثبت مدة لا تقل عن أربع سنوات من الحياة المشتركة. كما ستهم هذه العملية الاستثنائية الأطفال المولودين في إطار حالتي الزواج سالفتي الذكر، والأجانب الذين يتوفرون على عقود عمل فعلية لا تقل مدتها عن سنتين، والأجانب الذين يتوفرون على ما يثبت إقامتهم في المغرب لمدة لا تقل عن خمس سنوات متواصلة، فضلا عن الأجانب المصابين بأمراض خطيرة والموجودين في البلاد قبل تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وستجري هذه العملية بتعاون وثيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان.

من جهة أخرى، أعلنت الوزارة أنه ستجري أيضا تسوية وضعية طالبي اللجوء المعترف بهم من قبل ممثلية المفوضية العليا للاجئين بالمغرب ومكتب اللاجئين وعديمي الجنسية التابع لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون والمقدر عددهم بنحو 850 شخصا.

وسيجري تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض تحت إشراف المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان من أجل تأهيل التشريع المغربي المتعلق بقانون اللجوء والإقامة وحقوق الأجانب المهاجرين والاتجار في البشر. كما سيجري إشراك الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان في هذه العملية من أجل مساعدة الأشخاص المعنيين بعمليات تسوية الوضعية القانونية.

وفي السياق ذاته، قال أنيس بيرو الوزير المكلف المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة إن الإجراءات التي أعلن عنها المغرب لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية تعكس إرادة الملك محمد السادس القوية في حماية حقوق الإنسان.

وأضاف بيرو خلال لقاء صحافي عقد الليلة قبل الماضية في مدينة سلا المجاورة للرباط، خصصت للإعلان عن إطلاق العملية الاستثنائية لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية بالمغرب، حضرها محمد حصاد وزير الداخلية، والشرقي الضريس الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، والمحجوب الهيبة المندوب الوزاري المكلف حقوق الإنسان، ومحمد اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن هذه الإجراءات تجسد رؤية مستقبلية عميقة للعلاقات الإنسانية، وتعبر عن شجاعة في التعامل مع إشكالية ذات أبعاد متعددة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية.

وأكد أن هذه الإجراءات العملية ذات الأولوية لتنفيذ السياسة الوطنية الجديدة للهجرة ترتكز على مقاربة حقوقية قائمة على مقتضيات الدستور الجديد للمملكة، واحترام دولة القانون، وبما ينسجم مع الالتزامات الدولية للمغرب.

وقال بيرو إن هذه الإجراءات تنم أيضا عن «إرادة حقيقية صادقة، هادفة وفعالة، صاحب فيها القول الفعل»، وهي «تعبير لحضارة عريقة وتشبع بقيم نبيلة، وتجسيد لتلاقح ثقافي وغنى في التنوع الإنساني».

وذكر بيرو بسياق اعتماد سياسة وطنية جديدة للهجرة والمتمثل بالأساس في اطلاع الملك محمد السادس في التاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي على التقرير الموضوعاتي حول وضعية المهاجرين واللاجئين بالمغرب، المنجز من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وترؤسه في اليوم التالي جلسة عمل، خصصت لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الهجرة، أصدر على إثرها العاهل المغربي توجيهاته للحكومة للإسراع بوضع وتفعيل استراتيجية ومخطط عمل ملائمين، والتنسيق في هذا الشأن مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومختلف الفاعلين المعنيين، بهدف بلورة سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة بالمملكة، بما من شأنه أن يوفر للمغرب قوة اقتراحية حقيقية في هذا المجال ويمكنه من القيام بدور ريادي وفعال على الصعيدين الجهوي والدولي.

وأشار إلى المرتكزات الأساسية لهذه السياسة التي تتمثل، بالخصوص، في توطيد وإغناء الرصيد العميق للمغرب كبلد لحسن الضيافة والاستقبال، والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان، ومعالجة مختلف الجوانب المرتبطة بالهجرة وفق مقاربة إنسانية وشاملة تتوافق مع دستور المملكة والقانون الدولي، وفي إطار تعاون متجدد مع مختلف الشركاء الأجانب والمنظمات المعنية، وكذا إعداد استراتيجية مندمجة وشاملة لاندماج المهاجرين واللاجئين.

وذكر أن المبادرة الملكية لقيت ترحيبا دوليا واسعا من قبل حكومات وممثليات دبلوماسية من مختلف القارات ومنظمات دولية وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة ومنظمات غير حكومية عاملة في مجال حقوق الإنسان وهيئات المجتمع المدني المختصة في دعم المهاجرين واللاجئين.

من جهته، قال وزير الداخلية المغربي إن هذه العملية الاستثنائية لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية بالمغرب تعد «قرارا سياسيا» للمغرب، وتندرج في إطار الإرادة القوية التي عبر عنها المغرب لمعالجة إشكالات الهجرة، مشيرا إلى وجود ما بين 25 ألفا و40 ألف مهاجر غير شرعي أغلبهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء.

وأشار حصاد إلى أنه سيجري اعتماد عدة إجراءات لإثبات إقامة المهاجرين في وضعية غير قانونية بالمغرب تبقى أكثر مرونة من تلك التي تعتمدها بلدان أوروبية في هذا المجال، مبرزا أن هؤلاء المهاجرين الذين سيجري تسوية وضعيتهم سيتمتعون بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المغاربة.

ومن جانبه قال المندوب الوزاري لحقوق الإنسان إن هذه العملية الاستثنائية سيجري دعمها بإطار قانوني ومؤسساتي جديد من خلال تأهيل التشريع المغربي في قضايا الهجرة واللجوء والاتجار بالبشر وفق مقاربة شمولية إنسانية وحقوقية مبنية على مقتضيات الدستور الجديد.

وأشار إلى أن المغرب انخرط كدولة متميزة في الجنوب والعالم في اعتماد سياسية جديدة للهجرة بناء على رصيد الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها والمتعلقة بحقوق الإنسان عموما والهجرة على وجه الخصوص، مذكرا في هذا الإطار بأن المغرب كان ثاني بلد يصادق على الاتفاقية الدولية المتعلقة باحترام حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم.

أما رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان فأشار إلى أن المغرب يعد أول بلد من بلدان الجنوب يبلور سياسة شمولية في مجال حماية المهاجرين وطالبي اللجوء، مبرزا أن هذه السياسة الإنسانية، غير المسبوقة، ستعمق البعد الأفريقي للمغرب.

وأكد على أن الشراكة مع المجتمع المدني تعد أحد الشروط الأساسية لإنجاح تطبيق سياسة المغرب الجديدة في مجال الهجرة، مشيرا إلى انفتاح وتفاعل المجتمع المغربي مع قضايا الهجرة والمهاجرين، الأمر الذي يتجلى، على الخصوص، في وجود نقابة لها تنظيم خاص ضمن هياكلها مكلف بالحماية والدفاع عن حقوق المهاجرين، وهي المنظمة الديمقراطية للشغل.