مصادر فرنسية: لم نجهض اتفاقا «غير موجود»

قالت إن نص الدول الست طرح على الجانب الإيراني.. والاتفاق مرتبط بجواب طهران

TT

أبدت مصادر فرنسية رفيعة المستوى تفاؤلا بإمكانية توقيع اتفاق مرحلي مع إيران بشأن ملفها النووي في الاجتماع المرتقب يوم 20 الحالي. وينتظر أن يلتئم اجتماع «5 +1» (الخمس الدائمون في مجلس الأمن وألمانيا) مع إيران على مستوى المديرين السياسيين لوزارات الخارجية أو نواب الوزير، على أن ينضم إليهم وزراء الخارجية السبعة (مجموعة الست وإيران) إذا جرى التوصل إلى تسوية النقاط التي ما زالت عالقة والتي تحتاج إلى معالجة.

وحرصت المصادر الفرنسية، التي رافقت من قرب مفاوضات الأسبوع الماضي في المدينة السويسرية، على دحض الصورة الشائعة التي تفيد بأن باريس «نسفت» اتفاقا كان توصل إليه الأميركيون والإيرانيون بمعاونة «وزيرة» الشؤون الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون. وبحسب ما أكدته، فإنه «لم يكن هناك نص» بين الطرفين الأميركي والإيراني، بل مجرد أفكار تحولت إلى «ورقة» عمل مساء السبت، بعد يومين ونصف اليوم من التفاوض وتبادل الأفكار وردود الفعل والمناقشات بالصيغ كافة. وطرحت الورقة التي توصل إليها الست على الجانب الإيراني ليل السبت/ الأحد، لكنه رفض قبولها كما هي، الأمر الذي أشار إليه الوزير الأميركي جون كيري في أبوظبي قبل يومين، حيث حمل المسؤولية لإيران، وهو ما نفاه نظيره محمد جواد ظريف أمس.

ووصفت المصادر الفرنسية المسار التفاوضي بأنه «بالغ التعقيد»، لكن الجميع «يقتربون من النهاية»، مضيفة أن «نقاط الاختلاف تراجع عددها». ورغم اعترافها بوجود بعض «التوتر»، فإن هذه المصادر أبدت تفاؤلا بخاتمة «سعيدة»، إذ إن «الجميع يريد اتفاقا، بمن فيهم نحن». وعقب هذه المرحلة التي يؤمل لها أن تحسم بعد أسبوع، سينصب الجهد على موضوع «كيفية وضع الاتفاق موضع التنفيذ».

ولن تغيب الاتصالات «التقنية» بين الست وإيران حتى موعد الاجتماع المقبل.

وتعد باريس ما قامت به وأصرت عليه «ليس لخدمة هذا الطرف أو ذاك»، بل لخدمة هدف منع انتشار السلاح النووي، مضيفة أن الجهة الأولى المستفيدة منه ستكون منطقة الشرق الأوسط. وتشدد فرنسا على أن أي اتفاق يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المبادئ الأساسية التي اتفق عليها الست منذ سنوات ومنطوق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وخصوصا تحقيق الهدف المعلن وهو منع إيران من استخدام برنامجها النووي، الذي تقول عنه إنه سلمي، للحصول على السلاح النووي.

وشددت المصادر الفرنسية على التغير في أجواء المحادثات مع الجانب الإيراني، وتحديدا مع محمد جواد ظريف الذي يعد التفاوض معه «أمرا ممكنا»، بينما كان العمل مع سابقه سعيد جليلي أمرا بالغ الصعوبة وينحصر في «مونولوغات» لا تنتهي.

غير أن المصادر الفرنسية امتنعت عن الدخول في تفاصيل المفاوضات، بسبب حرص الجميع على إبقائها بعيدا عن التداول الإعلامي. لكن الوزير فابيوس كان كشف عن بعض «التحفظات» الفرنسية، التي تتناول أساسا ثلاث نقاط؛ هي: مصير مفاعل آراك القائم قريبا من هذه المدينة الواقعة على مسافة 290 كلم جنوب غرب طهران، ومصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% البالغ تقريبا 186 كلغ، وأخيرا حق إيران في تخصيب اليورانيوم بأي نسبة كانت. وبحسب ما فهم، فإن الست توصلوا إلى نص «توافقي» مساء السبت الماضي، جرى بحثه مع الإيرانيين، لكن هؤلاء رفضوا قبوله وتوقيعه كما هو. ولم تفصح المصادر الفرنسية عن «التعديلات» التي أدخلت على المقترحات السابقة. ورغم الرفض «الأولي» الإيراني، فإن الست «يأملون» تجاوز العوائق في الاجتماع المقبل، مما يعني ضمنا أن المطروح ليس نصا نهائيا غير قابل للمناقشة، بل يحتمل «الأخذ والرد».

وتعد باريس إدراج مصير مفاعل آراك، الذي يعمل بالمياه الثقيلة والقادر على إنتاج مادة البلوتونيوم المستخدمة لتصنيع القنبلة النووية، على طاولة المفاوضات منذ المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن تدوم ستة أشهر - هو الخيار الصائب، لأنه «ينزع حجة من إسرائيل» للقيام بضربة عسكرية ضد إيران. بينما الرأي الآخر، ومن ضمن من يتبنونه واشنطن، أنه يمكن ترك آراك لاتفاق المرحلة النهائية الذي سيلي مباشرة الاتفاق المتفاوض عليه في الوقت الحاضر. وبحسب أنصار المدرسة الثانية، فإن التأخير الذي لحق بإنشاء آراك والتأخير في تشغيله يوفران فترة زمنية كافية للعودة إليه في مرحلة لاحقة.

وتطالب باريس، التي تجعل من التفاهم على مخرج بصدد آراك أحد مفاتيح التوصل إلى اتفاق، بضمانات وافية لجهة عدم تشغيل المفاعل المذكور. ومن بين الحلول المطروحة، اثنان: الأول، التزام إيران عدم بناء المصنع التوأم الذي سيقوم بإعادة معالجة البلوتونيوم المستخدم في المفاعل الأول بحيث تنتفي إمكانية استخدامه لأغراض عسكرية. والحال، أن إيران لم تبدأ بعد بإنشائه، وسيكون من الصعب عليها بناؤه سرا في وجود المفتشين الدوليين. فضلا عن ذلك، فإن المفاعل نفسه «غير محصن» كما هو موقع فوردو المبني تحت جبل ويتميتع بدفاعات طبيعية. وهذا الحل يمكن وصفه بـ«الجذري»، لأنه يحرم إيران من أي إمكانية لتحويل البلوتونيوم، المستخرج من المفاعل، إلى بلوتونيوم صالح للاستخدام عسكريا. أما الحل الثاني، فيقوم على تحويل المفاعل من العمل بالمياه الثقيلة إلى العمل بالمياه الخفيفة، مما سيحرم طهران لتسخيره لأغراض عسكرية.

ولم تعرف حتى الآن تفاصيل ما تتضمنه «ورقة الست» بشأن مفاعل آراك ولا بصدد ما تقترحه بشأن المخزون الإيراني من اليورانيوم متوسط التخصيب. الجدير بالذكر أن الست اقترحوا في الماضي إخراجه إلى روسيا وفرنسا على أن يعاد إلى إيران بشكل قضبان من الوقود النووي جاهزة للاستخدام في مفاعل طهران التجريبي، المخصص للأغراض الطبية والزراعية. كذلك، بقي الغموض مهيمنا على موضوع حق إيران في التخصيب ومستواه وعدد الطاردات المركزية التي ستبقى على تشغيلها. لكن التسريبات الصحافية تفيد بأن إيران ستقبل تجميد إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، كما ستجمد تشغيل الطاردات المركزية من الجيل الثاني الأكثر سرعة، وستفتح مواقعها أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية، باستثناء موقع بارشين العسكري الذي تعده خارج التفاوض. وفي المقابل، ستحصل إيران على رفع «جزئي» للعقوبات الدولية المفروضة عليها. لكن أوساطا مطلعة أكدت أنها «لن تطال» العقوبات الأساسية التي تتناول تصدير النفط والنظام المصرفي الإيراني. وفي أي حال، فإن رفع العقوبات نفسه سيكون بمثابة معركة في الكونغرس الأميركي أولا ثم داخل الاتحاد الأوروبي. وفي حالة الكونغرس، ستجد الإدارة صعوبة في إقناعه برفع العقوبات بسبب الضغوط الإسرائيلية وتمنع الجمهوريين. أما في حالة الاتحاد الأوروبي، فيمكن توقع وجود معارضة من بعض الدول لأسباب تتعلق بسياستها الداخلية أو بعلاقاتها الخارجية. وفي غياب الإجماع، فإن العقوبات يمكن أن تبقى على حالها، مما يفرغ الاتفاق من معناه.