السلطات المصرية تغلق مسجد «الحسين» لمنع احتفالات ذكرى «عاشوراء»

تشديدات أمنية في محيطه.. وتهديدات سلفية بالتصدي لطقوس لا يقبلها أهل السنة

TT

في خطوة يراها مراقبون ردا قويا لمنع تكوين «حسينيات شيعية» لا تتناسب مع النظام العام للمجتمع المصري، أغلقت السلطات المصرية أمس مسجد الإمام الحسين بوسط العاصمة القاهرة أمس، لمنع إقامة أي مظاهر شيعية به أو في محيطه في ذكرى الاحتفال بيوم عاشوراء، وقال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف لـ«الشرق الأوسط» إن «الوزارة قررت غلق المسجد (الذي يضم ضريح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب)، لمنع إقامة أي احتفالات للشيعة»، وإن «المسجد للصلاة والدعوة فقط».

ورغم قرار غلق المسجد، فإن عددا محدودا من الشيعة المصريين احتشدوا في محيط مسجد الحسين وعدد من المساجد في القاهرة والمحافظات للاحتفال، في تحد واضح ورفض لتهديدات التيار السلفي بالتصعيد واستخدام القوة حال إحياء ذكرى عاشوراء في المساجد. وأعلنت قيادات الشيعة إحياء ذكرى عاشوراء بشكل فردي من خلال زيارة عدد من المساجد بالقاهرة والمنصورة، خاصة مسجد الإمام الحسين ومسجد السيدة زينب. فيما أبدى الباحث الشيعي أحمد راسم النفيس اعتراضه على قرار وزارة الأوقاف بمنع احتفالات الشيعة، مضيفا أنهم بدأوا في «إقامة الاحتفالات أمس في كل مساجد آل البيت بالقاهرة»، وأنهم لن يقيموا حفلات إنشاد وحلقات ذكر حتى يفوتوا على السلفيين الفرصة للتحرش بهم، محملا الحكومة مسؤولية أمن الشعب المصري أيا كانت معتقداته، خاصة في ظل وجود الجماعات التكفيرية في سيناء التي تسعى لإراقة الدماء المصرية.

وتوجد في مصر عدة مقامات وأضرحة ومشاهد لآل البيت، تشرف عليها وتديرها الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف. وهي إن كانت مقدسة لدى الشيعة، فإنها تعد مزارات عادية لغالبية المصريين، مثل ضريح الحسين بن علي القريب من الجامع الأزهر (والذي يُزعم أن رأس الحسين مدفون فيه)، وضريح السيدة زينب بنت علي (وهي نفسها التي يوجد لها مقام جنوب العاصمة السورية، دمشق)، وضريح السيدة سكينة بنت الحسين، وضريح السيدة نفيسة بنت الحسن، ومقام الإمام علي زين العابدين بن الحسين، ومسجد السيدة عائشة، ومسجد السيدة رقية، وغيرها.

ورفضت وزارة الأوقاف منح الشيعة تصريحا رسميا قبل أيام بإقامة الشعائر الخاصة بذكرى عاشوراء بمسجد الحسين، قائلة إنها لا تسمح بالمذهبية في مساجد الوزارة. وطوقت قوات الأمن أمس جميع أبواب مسجد الحسين، وقال مصدر أمني إنه «جرى عمل تطويق أمني لعدم السماح للشيعة بدخول حرم المسجد كما جرى إغلاق الضريح نهائيا أمس»، لافتا إلى أنه جرى السماح للمصلين بالصلاة في أوقاتها فقط، مع غلق المسجد بعد كل صلاة. ومسجد الحسين معروف أن أبوابه تظل مفتوحة طوال النهار، والليل ويأوي العديد من المصريين من غير سكان العاصمة القاهرة الذين يفضلون الاحتماء به والمبيت بداخله. وأكد المصدر الأمني أن «قوات الأمن لديها تعليمات مباشرة بمنع أي تجمهر أو تجاوزات في محيط الحسين».

وشهد محيط مسجد الحسين العام الماضي محاولات من الشيعة لإقامة الطقوس الخاصة بهم داخل المسجد وتحديدا داخل الضريح، إلا أن عمال المسجد ورجال الشرطة تصدوا لهم ومنعوهم وطردوهم من المسجد على الفور.

وتتخوف السلطات المصرية من تكرار الأحداث التي وقعت في عزبة أبو مسلم بمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة، يونيو (حزيران) الماضي، وأدت إلى مقتل أربعة أشخاص من الشيعة، بينهم الشيخ حسن شحاتة زعيم الشيعة في مصر، بعد أن قام المئات من أهالي العزبة بضربهم حتى الموت خلال احتفالهم بليلة النصف من شعبان.

ولا يوجد حصر دقيق لأعداد الشيعة في مصر، لكن محمد الدريني أحد أبرز الشخصيات الشيعية يدعي أن عددهم يبلغ مليونا ونصف المليون، أما المصادر غير الرسمية في الدولة فتشير إلى أن أعدادهم لا تزيد عن بضعة آلاف.

وفي عام 2004 تقدم بعض الشيعة بطلب إلى السلطات المصرية للاعتراف بالشيعة كطائفة دينية رسمية بموجب القانون، إلا أن الوزارة لم تقم بالرد على الطلب حتى الآن.

ويبرر مراقبون أن تصعيد الشيعة للاحتفال في الحسين هذا العام، جاء عقب الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين وانتهاء الحكم الديني في مصر. وسبق أن صعد قادة التيار الإسلامي في مصر - وخاصة المتشددين منهم وفي مقدمتهم السلفيون والجهاديون - ضد الشيعة، واستخدموا لغة تحريضية ضدهم في العديد من المناسبات والمؤتمرات في عهد مرسي، كما طالبوه بقطع مصر علاقاتها مع سوريا المدعومة من إيران الشيعية، على خلفية الحرب الدائرة هناك. وهاجم التيار السلفي في البلاد خلال حكم الإخوان أي محاولة لإعادة العلاقات بين البلدين، كما هاجم سلفيون منزل القائم بالأعمال الإيراني في مصر، وهو بمثابة سفير، احتجاجا على تسيير البلدين رحلات طيران لنقل السياح الإيرانيين إلى مصر، وهو ما اعتبره السلفيون بداية التشيع في البلاد.

ورحب عدد من القيادات السلفية بقرار وزارة الأوقاف بإغلاق مسجد الحسين. وقال الشيخ عادل نصر، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، إن قرار الأوقاف «صائب»، موضحا أن غلق أبواب المسجد هو «المفسدة الصغرى لدرء الكبرى، وهي السماح للشيعة بممارسة طقوسهم التي لن يقبلها أهل السنة على أرضهم».

لكن عددا من السلفيين توعدوا باستخدام القوة إذا وجد الشيعة حول مسجد الحسين ليلا، مؤكدين أنه سوف يجري التصدي لهم بحزم وعنف حال إصرارهم على ممارسة الطقوس.