«إعلان مراكش» يحذر من خطر ضغط القوى المحافظة وسيادة القراءة المتشددة للإسلام في المغرب الكبير

جمود الاتحاد المغاربي يخيم على أشغال ندوة الاشتراكيين الأوروبيين والمغاربيين حول الأمن والتنمية والديمقراطية

TT

دعا الاشتراكيون الديمقراطيون الأوروبيون والمغاربيون المجتمعون في مراكش، المشاركون في أشغال ندوة «الأمن والتنمية والديمقراطية من أجل مغرب كبير تقدمي»، إلى «تحقيق التنمية وتقوية القوى السياسية الحاملة للبديل وذات الشرعية والقادرة على تجميع هذه الدينامية المشتتة وغير المنظمة من أجل مخرج تقدمي في بلدان المنطقة»، معدين «إبعاد توظيف الدين عن تدبير الشأن العام شرطا لبناء الديمقراطية في بلدان المنطقة».

واعتبر المشاركون «يقظة المجتمعات المدنية وتزايد المطالب السياسية للمواطنين في شمال أفريقيا دعوة من أجل مغرب كبير متقدم»، حيث «تتخذ المطالب الاجتماعية القوية من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومساواة جميع المواطنين والمواطنات في الحقوق واحترام حقوق الإنسان الكونية، من المغرب إلى مصر، مرورا بالجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، عدة أشكال من التعبير».

وأشار المشاركون، عبر «نداء مراكش من أجل مغرب كبير تقدمي»، الذي أصدروه في ختام أشغالهم أمس، إلى أن «مسلسل الانتقال الديمقراطي، في عدد من بلدان المنطقة المغاربية، يتهدده خطر ضغط القوى المحافظة وسيادة قراءة متشددة للإسلام»، ممثلين لذلك بــ«كل من مصر وتونس وليبيا، وبشكل مختلف في الجزائر وموريتانيا، حيث تتعرض الحريات الأساسية خاصة حرية التدين وحرية الرأي وحرية تكوين الجمعيات خاصة الحريات النقابية، وحرية التعبير (خاصة في مجال الصحافة)، للتهديد، إن لم تكن في تقهقر متواصل، مشددين على «الحاجة إلى إطار مؤسساتي جديد حامل لقيم العدالة الاجتماعية والكرامة البشرية تلتف حوله أوسع شرائح المجتمع»، بشكل يؤدي إلى «تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية».

وتوخى النداء، على المستوى العملي «حث المؤسسات والقوى السياسية والاجتماعية الأوروبية ونظيراتها في بلدان شمال أفريقيا على العمل معا من أجل قيام مغرب كبير تقدمي على أساس ووفق منهجية التشاور وقيم السلم، وفضاء حيث تكون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أسس أنظمة سياسة تصغي جيدا إلى مطالب مواطنيها، ومغرب كبير حيث الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتوطين المشترك للأنشطة الاقتصادية وتنقل الكفاءات وضمان الأمن، تشكل أسس شراكة مستدامة بين ضفتي المتوسط». كما استهدف النداء، في ذات الوقت «حث مجموع القوى التقدمية في المنطقة المتوسطية على المساهمة في الوصول إلى تسوية عاجلة لنزاع الصحراء، تسوية سلمية متشاور بشأنها ومقبولة من طرف جميع الأطراف تحفظ حقوق السكان وتضمن السلم والأمن والتنمية في المنطقة». وبشأن منطقة الشرق الأوسط، عبر المشاركون عن «الإرادة القوية لمجموع القوى التقدمية بالمنطقة للعمل من أجل قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وديمقراطية، تعيش جنبا إلى جنب، مع دولة إسرائيل».

وخلص المشاركون إلى أن «الديمقراطية والعدالة الاجتماعية تشكلان في شمال أفريقيا الشرط الكفيل بتيسير استقرار الدول التي هي بصدد بناء مؤسساتها الوطنية، وشرطا لمواجهة الإرهاب وجميع أشكال التطرف الآيديولوجي الذي يغذي النزاعات».

وخيم جمود «اتحاد المغرب العربي» والتشنج الذي تعيشه العلاقات بين المغرب والجزائر، على أشغال الندوة، التي تواصلت على مدى يومين، تحت شعار «من أجل مغرب كبير تقدمي»، بمشاركة أحزاب سياسية محسوبة على التيار الاشتراكي والتقدمي، من المغرب والجزائر وموريتانيا ومصر، ونظرائهم من الاتحاد الأوروبي. ومن بين قياديي أحزب الضفة الجنوبية نجد أحمد بطاطش الكاتب الأول) الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية في الجزائر، وأحمد ولد داده، رئيس تجمع القوى الديمقراطية في موريتانيا، وحسين جوهر، ممثل الحزب الاشتراكي المصري، علاوة على قياديي وممثلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي.

واستعرض إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي المعارض، واقع «اتحاد المغرب العربي»، ملاحظا أنه على الرغم من كل الجهود التأسيسية التي بذلت، وكل البرامج التنموية والمشاريع المشتركة، فقد ظل الاتحاد متعثرا ومعطلا، لتكبر الرهانات على هذا المولود الجديد، وينتكس المسار الاندماجي، ويدخل الاتحاد المغاربي «ثلاج التاريخ». وأرجع لشكر تعثر هذا الاتحاد إلى «عوامل مختلفة»، وبشكل أساسي إلى «النزاع المفتعل بين الجزائر والمغرب حول الصحراء المغربية».

وفي إشارة إلى ما تعيشه العلاقات المغربية - الجزائرية من تشنج، حذر لشكر من أن «أي سياسة غير محسوبة العواقب تغامر في المزايدة بحقوق الإنسان من أجل دعم الانفصال وتكريس البلقنة، هي سياسة من شأنها أن تسهم مجانا في إضعاف دولة شريكة جادة، تشكل حالة استقرار نموذجية، وإرهاصا ديمقراطيا فعليا على امتداد هذه المنطقة». وجدد لشكر الدعوة إلى الجزائر «من أجل إعادة فتح الحدود بين البلدين»، كما وجه دعوة إلى قيادة جبهة القوى الاشتراكية وجبهة التحرير الوطني في الجزائر «من أجل فتح حوار مغربي - جزائري صريح، وبمشاركة فريق التحالف التقدمي للاشتراكيين الديمقراطيين، يكون بمثابة حوار استشرافي حول مستقبل الاتحاد المغاربي في ظل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية».

وشدد لشكر على الحاجة إلى مناقشة «الانعكاسات الوخيمة لتجميد الاتحاد المغاربي على مسارات التنمية والديمقراطية بالبلدان المغاربية، وعلى استقرار دولها وأمن شعوبها»، مع الانتباه إلى أن «تسريع وتيرة الاندماج المغاربي أصبح مهمة مستعجلة تفرضها التحولات الجذرية المتسارعة التي شهدتها المنطقة أخيرا في سياق ما يعرف بالحراك أو الثورات التي عرفتها المنطقة».

ورأى لشكر أن التكلفة الكبيرة المترتبة على تعذر تفعيل آليات اتحاد المغرب العربي تفرض «إعادة النظر في التنسيق مغاربيا بين السياسات الخارجية والأمنية والقطاعية بشكل يستجيب لتحديات المرحلة الراهنة ويمهد لانطلاق المسارات المستقبلية للاتحاد المغاربي ولإرساء شراكة أورو - مغاربية فعالة، ناجعة وتضامنية». ودعا لشكر إلى «بلورة تصور جماعي للمنطقة المغاربية، قوامه الواقعية وحسن الجوار والتضامن والاحترام المتبادل، والخروج بمفهوم موحد للتهديدات التي تشكل مصدر الخطر، والعمل على بلورة رؤية متكاملة ومتجانسة لتعاون أورو مغاربي يقوم على أسس متينة وفعالة».

من جهته، دعا هانس سوبودا، رئيس فريق التحالف التقدمي للاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، إلى التعامل مع القضايا التي تهم الجانبين، ومن ذلك ظاهرة الهجرة، وفق مقاربة تروم الذهاب إلى الأسباب، بالبحث في الدوافع التي تجبر أبناء الضفة الجنوبية على المخاطرة والهجرة إلى الشمال. وتحدث سوبودا عن أشكال التطرف العرقي والديني التي تعرفها أوروبا، مشددا على أنهم، في التحالف التقدمي للاشتراكيين الديمقراطيين، يعدون معاداة الإسلام أمرا «غير مقبول»، ويرفضون الأحكام المسبقة ضد من هم من أصول غير أوروبية، قبل أن يضيف «نرفض خرق حقوق الإنسان، ونقف ضد عبارات القذف التي، بقدر ما تمس الأشخاص، تسيء إلى المجتمعات الأوروبية. من واجبنا محاربة النازية والعنصرية وكل أشكال التطرف، ونحن لا نريد أن نكرر تجارب النازية والعنصرية في أوروبا من جديد».

ورأى كريم غلاب، رئيس مجلس النواب المغربي، أن «التهديدات الجديدة التي تمس الأمن أصبحت دولية ومترابطة، وليس بمستطاع أي بلد أو أي اتحاد وحده إيجاد حل لهذه المشاكل، ومِنْ ثَـمَّ يبقى التعاون الدولي أساسيا».

من جهته، لاحظ أحمد الزيدي، رئيس الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، أن الربيع العربي «بقدر ما فجر من طاقات، دفع إلى الواجهة قوى محافظة لتكشر عن أنيابها، للبعض منها قراءات مختلفة للأوضاع بقراءة مختلفة حتى للإسلام نفسه»، متحدثا عن «نماذج لتدهور الأوضاع من خلال التراجعات الكبرى في عدة واجهات»، حيث وصل الأمر في بعض هذه الدول إلى «الكارثة الوطنية».

وقال أحمد بطاطش، أمين جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر، لـ«الشرق الأوسط»، إن تبني رؤية موحدة لما يهم الضفتين يبقى مطمحا مهما ومشتركا بين الاشتراكيين الأوروبيين والاشتراكيين المغاربيين، خاصة في ما يتعلق بقضايا الأمن والتنمية والديمقراطية، حيث «تبدو الحاجة مشتركة بين الجانبين لتطوير هذه الملفات، خاصة أن أمن أوروبا يتأثر بأمن الجنوب، كما أن كل تنمية للجنوب تنعكس إيجابا على الشمال، وإلى هذين الملفين، يبقى مستوى الديمقراطية في الضفة الجنوبية، في الوقت الراهن، متراجعا مقارنة بأوروبا».