تركيا تقف وحيدة في مواجهة عواقب «تساهلها» مع تنامي «القاعدة» عبر الحدود

غضت الطرف عن تسلل المسلحين.. وربما أسهمت في تدريبهم سرا

TT

تسيطر جماعة تابعة لـ«القاعدة» على الطريق المؤدي جنوبا إلى سوريا، من هذا المعبر الحدودي الرئيس على خط المواجهة للأزمة التي أصبحت عليها السياسية التركية تجاه سوريا.

غضت تركيا الطرف، على مدى أكثر من عام، عن عبور آلاف المتطوعين الأجانب الذين يتدفقون من العالم الإسلامي عبر أراضيها للقتال في صفوف الثوار السوريين، ربما ظنا منها أن المقاتلين سيعجلون بسقوط بشار الأسد.

ويثير استيلاء المتطرفين على شمال سوريا بعد تزايد أعداد المقاتلين الأجانب بينهم ليضعوا «القاعدة» على حدود «الناتو» للمرة الأولى، الآن، المخاوف بشن هجمات عبر الحدود، ويكشف عن أن الجهود التركية الكبيرة لإسقاط نظام الأسد حادت عن طريقها.

في هذه الأثناء، أظهر نظام الأسد، في دمشق، مؤشرات على أنه سيتغلب على الثورة، وربما يظل في الحكم لسنوات، مستفيدا في ذلك من المخاوف الغربية بتنامي نفوذ المتطرفين. وكانت الولايات المتحدة قد أشارت إلى أنها لا تنوي التدخل عسكريا، وهو ما جعل تركيا، التي كانت أحد الداعمين الأبرز للتحرك لإسقاط الأسد، تقف وحيدة في مواجهة عواقب ما يبدو سوء تقدير سياسات خطرة.

واعترف مسؤول تركي، طلب عدم ذكر اسمه، بسبب حساسية القضية السورية: «لم تكن تلك هي النتيجة التي أرادتها تركيا».

ويرى منتقدو تركيا أنها من يتحمل اللوم بشأن ما آلت إليه الأوضاع نتيجة لتشجيع السلطات التركية، وإن كان بشكل غير مباشر. وقد انتقد الرئيس باراك أوباما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، خلال لقائهما في البيت الأبيض، في مايو (أيار)، لعدم بذل مزيد من الجهود للحد من تدفق المقاتلين الأجانب، ويتوقع أن تطرح هذه القضية على أجندة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، خلال زيارته لواشنطن، اليوم (الاثنين).

يدخل غالبية المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى مقر «القاعدة» شمال سوريا إلى هناك عبر تركيا، حيث ينتقلون جويا إلى إسطنبول وينتقلون عبر الرحلات الجوية التجارية في رحلة إلى الحدود. وكثيرا ما يشاهد هؤلاء الأجانب ذوو اللحى غير المهذبة وحقائب الظهر في الأغلب في المدن ذات التوجه الغربي جنوب تركيا.

وهناك يحجزون في الفنادق، إذا كان لديهم المال، أو يقيمون في منازل آمنة إن لم يكونوا يملكون المال، قبل التوجه إما إلى المعابر الحدودية القانونية أو إلى مسارات المهربين المعروفة عبر الحدود التي تمتد لنحو 500 كيلومتر.

ويقول سوري يعيش في كيليس، ويعمل في تهريب المسافرين إلى سوريا عبر بساتين الزيتون، الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، محمد، إن «الأمر يسير للغاية». ويزعم محمد أنه ساعد العشرات من الأجانب على عبور الحدود خلال الـ18 شهرا الماضية، بينهم شيشانيون وسودانيون وتونسيون وكنديون.

وقال محمد: «عندما يحضر شخص من تونس، على سبيل المثال، يأتي على متن الخطوط الجوية، وعليه تبدو سمات الجماعات الجهادية بلحيته طويلة والأناشيد الجهادية على هاتفه الجوال. ولو أرادت الحكومة التركية منع هؤلاء من الحضور إلى البلاد لفعلت، لكنها لا تريد ذلك».

واتهم بعض المعارضين السياسيين الحكومة التركية بما هو أكثر من السماح لهم بالعبور، مشيرين إلى أنها أسهمت أيضا في نقل وتدريب وتسليح المقاتلين الأجانب. وتدور شائعات في المناطق الكردية شمال شرقي سوريا، التي تخشى تركيا من احتمالية سعيها للاستقلال، عن وجود معسكرات تدريب سرية وحافلات عسكرية غامضة مليئة بالمقاتلين، الذين يجري الزج بهم للمساعدة في قتل الأكراد.

ويروي صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، أكبر الفصائل الكردية في سوريا، أن المقاتلين الأجانب الذين أسرهم الأكراد زعموا أنهم تدربوا في المعسكرات التركية، على أيدي مدربين أتراك في معسكرات الثوار في سوريا.

ويقول مسلم في محادثة هاتفية: «في البداية قدمت تركيا مساعدات مباشرة وبشكل واضح للغاية».

وقد نفت تركيا بشدة تقديمها أي تسهيلات لتدفق المتطرفين. ويشير المسؤولون إلى أن الحرب السورية أربكت السلطات التركية من نواحٍ عدة، وأن السلطات تغاضت خلال مساعيها للتعامل مع تدفق نحو 60 ألف لاجئ وتقديم المساعدات للثوار عن المسافرين الأجانب.

وقال مسؤول تركي: «لا أعتقد أن الحكومة ستقوم بتحرك ما إزاء هذا الأمر. فلا يمكنك أن تميز بين الجهادي وغير الجهادي، فالكثير من المسلمين يفدون إلى بلادنا، وإجراءات التأشيرة في بلادنا ليست صارمة».

وأضاف المسؤول: «الآن، أعتقد أن الجميع يدركون حجم المشكلة التي تمثلها هذه الجماعات المتطرفة. لكن على الرغم من ذلك لن تستطيع التعاون معها، ولن يمكنك الاعتماد عليها لإسقاط الأسد».

ويرى سونير كاجبتاي، بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن تركيا لم تبال أيضا بأن يشارك الأجانب في مساعي إسقاط الأسد.

وقال: «تؤمن تركيا بشدة أن الأسد سيسقط، وأن الأشخاص الصالحين هم من سيستولون على السلطة، ومن ثم فهي لا ترى مشكلة في السماح لأي شخص بالعبور إلى سوريا، والمشاركة في القتال، لكن هذه الفرضية لن تؤتي بالثمار المرجوة منها».

إدراك الحكومة التركية بأن المواجهة بين الأسد والجهاديين قد تطول عزز ما وصفه أحد المحللين المطلعين بـ«تعديلات» على السياسة التركية. فالحكومة التركية لن تتخلى عن إصرارها على ضرورة رحيل الأسد، لكنها ترتاد وسائل أكثر تنوعا لتحقيق هذه الهدف.

من ناحية أخرى، خفف أردوغان من لهجته تجاه الأسد، وأعلن عن نبذه لنشاط الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة» في سوريا، وأعاد الاتصال ببعض الأصدقاء السابقين الذين نأوا عنه بسبب دعمه القوي للمعارضة السورية، بما ذلك العراق وإيران.

واتخذت تركيا عدة خطوات للقضاء على بعض الأنشطة التي تُمارَس عبر الحدود، فشهد الشهر الماضي اعتراض شاحنة تحمل 1200 صاروخ كانت في طريقها إلى الثوار، كما شنت القوات التركية غارات ضد مخابئ «القاعدة» المشتبه بها في إسطنبول، كما أعيد أجانب من المعابر الحدودية مع سوريا.

وأوضح مسلم، الزعيم الكردي، أن تركيا لم تقدم أي مساعدات مباشرة مؤخرا للمتطرفين الذين يقاتلون في شمال شرقي سوريا، وهو ما دفعه للاعتقاد أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة كان لها تأثير. وقال: «كان ينبغي أن يفعلوا ذلك من قبل، لكنه جاء متأخرا».

وكان الاستيلاء على مدينة أعزاز في سبتمبر (أيلول)، الواقعة على الجانب الآخر من الحدود مع كيليس، هي ما تسبب في نتائج السياسة التي انتهجتها تركيا إلى أراضيها، بحسب عامر العظم أستاذ التاريخ في جامعة شاوني في أوهايو والسوري الذي يدعم المعارضة.

ودفعت تحذيرات السلطات من احتمالات تخطيط «القاعدة» لشن تفجيرات في تركيا المدينة إلى حالة من التأهب وتسيير دوريات إضافية للجيش ونقاط تفتيش للشرطة. كما قصفت المدفعية التركية بقذائف الهاون مدينة عزاز بعد إصابة شخصين في تركيا برصاص طائش.

وقال العظم: «الأمر أشبه بإغلاق إسطبل بعد هروب الجياد. هؤلاء الأشخاص لديهم موارد كثيرة للغاية، وبإمكانهم القتال لعامين آخرين».