هجومان انتحاريان يستهدفان السفارة الإيرانية في بيروت.. وسقوط 23 قتيلا وعشرات الجرحى

بين الضحايا الملحق الثقافي الإيراني وثلاثة من طاقم الحراس ومسؤول أمنها

ألسنة اللهب وأعمدة الدخان تتصاعد بعد تفجيرين انتحاريين استهدفا السفارة الإيرانية في بئر حسن ببيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

نفذ تنظيم القاعدة، صباح أمس، أولى عملياته الانتحارية في لبنان، مستهدفا مقر السفارة الإيرانية الواقعة في منطقة بئر حسن، غرب الضاحية الجنوبية لبيروت، عبر تفجيرين مزدوجين، أسفرا عن مقتل 23 شخصا وإصابة 146 آخرين على الأقل. وأفاد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية علي حسن خليل، في محصلة أولية، بمقتل 20 شخصا، جرى التعرف على جثثهم، بينهم المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية الشيخ إبراهيم الأنصاري، عدا عن وجود أشلاء جثث لم يتأكد من هوية أصحابها. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن أربعة من حراس السفارة قتلوا، بينهم مسؤول أمنها، المعروف باسم الحاج رضا، وهو لبناني الجنسية.

وأعلنت قيادة الجيش اللبناني أن الانفجارين حصلا في وقت واحد تقريبا، حيث نجم «الأول عن إقدام انتحاري يقود دراجة نارية على تفجير نفسه، فيما نجم الانفجار الثاني عن إقدام انتحاري آخر يقود سيارة جيب رباعية الدفع على تفجير نفسه أيضا». وقال أحد القاطنين في المنطقة، رفض الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الانتحاري الأول كان يقود دراجة نارية، فجر نفسه في مدخل السفارة الرئيس، تمهيدا لدخول السيارة التي يقودها الانتحاري الثاني إلى حرم السفارة ونسفها، وقد أطلق الحراس النار عليه قبل وصوله إلى باب السفارة، عندما بدا مسرعا باتجاههم. وأضاف «في تلك الأثناء حالت سيارة من نوع بيك أب بيضاء اللون (لا تزال متوقفة مكانها ومحملة بعبوات مياه)، دون وصول السيارة المفخخة الثانية إلى باب السفارة، نظرا لهروب سائق الـ(بيك أب) وتركها مكانها عندما انفجرت الدراجة النارية»، مشيرا إلى أن «أحد الحراس أطلق النار على سائق السيارة التي يقودها انتحاري، قبل أن يفجر نفسه في المكان على مسافة تبعد نحو 25 مترا عن باب السفارة».

وأوضح المصدر نفسه أن «أربعة من حراس السفارة قتلوا، بينهم رئيس الأمن فيها»، مؤكدا أن «الانفجار الأول تسبب في مقتل اثنين منهم، فيما تسبب الثاني في مقتل اثنين آخرين». بينما أشارت تقارير لاحقة إلى مقتل رجل أمن إيراني أيضا. وقال المصدر إن رجال أمن السفارة، عادة «لا يغلقون الطريق، ويجلسون إلى جانب البوابة الرئيسة، بما يتيح لكثيرين إلقاء السلام عليهم، وهو ما سهل اقتراب الانتحاري الذي كان يستقل الدراجة النارية».

وأكد شهود عيان سماع صوت إطلاق رصاص بين الانفجارين. وقالت هدى الزين عاصي، التي تقطن في مبنى «مطر 707» المقابل مباشرة لباب السفارة، لـ«الشرق الأوسط»، إن الفارق بين الانفجارين «لا يتعدى الثلاث دقائق». وأشارت إلى أن «أشلاء الانتحاري تطايرت في المكان حتى بلغت شرفة منزلها»، لافتة إلى أن «معظم سكان المبنى الذي تقطنه أصيبوا بجروح طفيفة».

وأقفلت السفارة الإيرانية واجهة المبنى بعازل كبير من القماش، بعد تطاير البوابة الرئيسة بفعل الانفجار، وملأ حطام السيارات المتضررة وواجهات الأبنية الشارع المقابل للسفارة، بما فيها حطام الدراجة النارية العائدة للانتحاري، وما تبقى من سيارة الانتحاري الثاني التي لم يبق إلا أثرها بفعل قوة الانفجار. وبدت واجهات الأبنية التي تحاصر موقع الانفجار الثاني مدمرة بالكامل، على الرغم من عدم تضرر الـ«بيك أب» التي كانت تسبق سيارة الانتحاري. وأشار أحد السكان في المنطقة إلى أن «معظم القتلى كانوا من المدنيين المارين في الشارع، حيث يعثر بسهولة على أغراض عامل كهرباء، ودراجة نارية كان يستقلها أحد العمال، فضلا عن سيارات المارة».

وتبنت «كتائب عبد الله عزام» المرتبطة بتنظيم القاعدة المسؤولية عن الهجومين بعد مرور ساعتين على وقوعهما، بينما وجهت طهران أصابع الاتهام إلى إسرائيل.

وفي تعليق أولي إثر الانفجار، قال السفير الإيراني في بيروت مظفر ركن أبادي «كلنا مستعدون لأن نتحمل أي شيء، وهذا يقوينا أكثر»، معتبرا أن الهجوم «خير دليل على أحقية مواقفنا ومبادئنا، ولا يمكن لهذا الشيء أن يؤثر علينا بالتراجع عن هذه المبادئ». وأشار إلى أن «كل الدبلوماسيين الإيرانيين وكل الإخوة الأعزاء الموظفين اللبنانيين، خصوصا الإخوة الأعزاء الذين استشهدوا كحراس لهذه السفارة في هذه العمليات الإرهابية، كلنا إلى جانبهم وقضيتنا واحدة».

بدوره، اعتبر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية مروان شربل، الموجود في فرنسا، أن «يد الإجرام تمضي في مخطط تفجير الأوضاع في لبنان، على الرغم من كل الجهود التي تبذلها القوى العسكرية والأمنية لحفظ النظام»، مشددا على أن «هذا يتطلب تضافر الجهود للحوار والوصول إلى تفاهم يضمن خروج لبنان من المأزق الأمني والسياسي الذي تعيشه البلاد». وكان شربل أبلغ «الشرق الأوسط» في وقت سابق بأن منطقة الضاحية الجنوبية لا تزال «أكثر المناطق اللبنانية عرضة للاستهداف». وعلى هذا الأساس، شددت القوى الأمنية من تدابيرها وإجراءاتها الاحترازية بالتنسيق مع أمن حزب الله خلال إحياء مراسم عاشوراء، الأسبوع الماضي.

ولم يشهد لبنان خلال السنوات الماضية استهدافا لمقر بعثة دبلوماسية منذ تفجير السفارة الأميركية في بيروت خلال ثمانينات القرن الماضي خلال الحرب الأهلية، وكذلك تفجير السفارة العراقية في بيروت في عام 1981، والتي اتهم النظام السوري بتدبيرها.

وتأتي هذه العملية المزدوجة أمس بعد سلسلة تفجيرات شهدها لبنان خلال الأشهر الماضية، على إيقاع أزمة سوريا، عبر سيارات مفخخة وليس انتحاريين. واستهدف أول التفجيرات منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية، في 9 يوليو (تموز) الماضي. كما استهدف تفجير سيارة مفخخة منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية في 15 أغسطس (آب) الماضي. وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه، استهدف تفجير مزدوج مسجدي السلام والتقوى في مدينة طرابلس، شمال لبنان. وعطلت القوى الأمنية اللبنانية سيارة مفخخة منتصف الشهر الماضي في منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية أيضا. وأدى تفجيرا الرويس وطرابلس إلى مقتل وجرح المئات من المدنيين.

وكانت منطقة الضاحية الجنوبية شهدت حالة من الاستنفار بعد وقوع التفجيرين. وعاين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، يرافقه مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة القاضي فادي عقيقي مكان الانفجارين، وأجريا كشفا ميدانيا. وكلف صقر مديرية المخابرات في الجيش والشرطة العسكرية والأدلة الجنائية بإجراء التحقيقات الأولية ومسح الأضرار وكشف ملابسات الانفجارين.