الشعارات الدينية تغطي على البرامج الانتخابية وتثير جدلا في موريتانيا

الحزب الحاكم: اتهامنا باستغلال الرموز الوطنية غير جدي.. والعلم للجميع

لوحة إعلانية للائحة انتخابية سمت نفسها لائحة العلماء («الشرق الأوسط»)
TT

تنوعت الشعارات التي رفعتها الأحزاب السياسية الموريتانية المشاركة في الانتخابات التشريعية والبلدية، وذلك من أجل استقطاب أكبر قدر من الناخبين في سياق دعاية انتخابية وصفت بأنها الأكثر قوة في تاريخ البلاد؛ لكن هذه الدعاية تميزت بظهور شعارات جديدة ذات طابع ديني يرى المراقبون أنها تجاوزت الحدود المسموح بها في العرف الديمقراطي.

بدأ الجدل مع ظهور نشيد أصدره حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، المحسوب على التيار الإسلامي، تضمنت كلماته عبارات باللهجة المحلية وقف عندها البعض من قبيل «صوتك أمانة.. لا تعطه ما هو لمولانا»، وتعني بالفصحى أن صوت الناخب أمانة يجب ألا يعطيه لغير الله، وهو ما عدته بقية الأحزاب المنافسة محاولة من الحزب للتأثير على الناخب من خلال إقناعه بأن التصويت لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية هو تصويت «لله».

حاول الحزب الإسلامي، ولو بشكل غير رسمي، أن يدفع التهمة عنه من خلال تأويل النشيد وشرحه، لكنه في النهاية أعاد إصداره في نسخة مصححة حذفت منها العبارة التي أثارت الجدل الذي لم ينته عند هذا الحد، حيث ظهرت لائحة انتخابية جديدة تحمل اسم «لائحة العلماء»، وأخرى سماها أصحابها بـ«لائحة سفراء محمد صلى الله عليه وسلم».

وفي هذا السياق، قال المنسق الإعلامي لحملة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم محمد المختار ولد سيدي محمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «بعض الأحزاب السياسية تستغل الدين والمرتكزات العقائدية للمجتمع، وتحاول أن تستحوذ عليها، وتعد أنها خاصة بها؛ فمن يقول في حملته الدعائية إن هنالك كفتين، كفة الخير وكفة الشر؛ فهذا لا يمكن أن يكون ديمقراطيا، لأن الأمر كله مجرد لعبة سياسية وعليهم أن يقولوا (برنامجنا الانتخابي أفضل من هذا البرنامج)، بدل تقديم برنامجهم على أنه خير وما عداه شر».

غير أن الكاتب الصحافي حبيب الله ولد أحمد يرجع ظهور مثل هذه الشعارات الدينية إلى الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة، التي قال إنها «تدفع الكثيرين في المجتمعات الإسلامية الهشة ديمقراطيا إلى الركون للروحانيات والتدين لمواجهة مثل تلك الظروف». ولعل خير شاهد على ذلك، يضيف ولد أحمد، المثل الموريتاني الذي يقول «من عجز عن تحصيل المال في الدنيا يبدأ التفكير في الآخرة».

وعد ولد أحمد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه «من الطبيعي أن يركن بعض المرشحين لاستخدام الشعارات الدينية لملامسة عواطف الناس في مجتمع محافظ وتقليدي مثل المجتمع الموريتاني ما زال للدين فيه ارتباط عضوي بالناس». ولكن ولد أحمد يرى في الوقت نفسه أن «استخدام الشعارات الدينية في الحملة الحالية فاق كل التوقعات من أجل مغازلة العامة الذين لا يجدون مهربا من مشاكلهم أحيانا إلا عبر استحضار القيم الدينية ولو ظاهريا على الأقل؛ وهكذا رأينا حزبا يقول نشيده إن التصويت لمرشحيه هو تصويت لله، وآخر يقدم لائحة يصفها بلائحة العلماء، وآخر يقول إن مرشحيه هم سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وفي ظل انتشار مثل هذه الشعارات على حساب البرامج الانتخابية التي لا تحظى باهتمام كبير لدى الناخب الموريتاني، يشير ولد أحمد إلى أن «مثل هذا الخطاب الديني الاستقطابي يحاول ملء فراغ قاتل في البرامج الانتخابية للمرشحين، مع يأس كبير لدى معظم الناخبين من أداء المنتخبين المحليين، فالسوابق ليست مشجعة في هذا الشأن».

من جانبه، استغرب الكاتب الصحافي الموريتاني محمد الأمين ولد محمودي الاعتراض على استخدام حزب «تواصل» الإسلامي لشعارات تعبر عن رؤيته السياسية؛ وقال «لماذا الاعتراض على أن يرفع الإسلاميون شعاراتهم في الشوارع العامة، عندما يقولون تصويتك لنا نصرة لله ولرسوله مثلا، مع أنه لا أحد قالها؟ هم يعتقدون أنهم يخدمون دينهم بوصولهم إلى السلطة. وما دام هذا اعتقادهم ويقينهم وتصورهم فلا يجب أن نحاسبهم عليه».

لم تكن الشعارات الدينية وحدها هي التي أثارت الجدل، حيث شهدت الحملة الدعائية انتشارا واسعا لصور الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مراكز بعض الأحزاب والمرشحين بالإضافة إلى العلم الوطني، وهو ما عده البعض استغلالا لـ«رموز وطنية» يجب أن تبقى على الحياد وأن تبتعد عن الدعاية الانتخابية. وفي هذا السياق يقول القيادي في التحالف الشعبي التقدمي المعارض أحمد ولد صمب، إن «رموز الجمهورية مثل صور الرئيس والعلم الوطني بالإضافة إلى الرموز الدينية التي تحدد الهوية الإسلامية للبلد، كلها أمور يجب أن تبقى بعيدة عن التجاذب السياسي وألا تحتكر من طرف جهة سياسية دون الجهات الأخرى».

واتهم ولد صمب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، الأحزاب الداعمة للنظام الموريتاني باستغلال صور رئيس الجمهورية، وقال «هذه ليست انتخابات رئاسية، وإنما هي انتخابات تشريعية وبلدية يتنافس فيها مرشحون محليون لديهم برامج انتخابية يجب أن تكون واضحة المعالم، وبالتالي فإننا نتوخى أن يكون رئيس الجمهورية حكما بين المرشحين وأن يبتعد عن الاصطفاف السياسي».

وأصدرت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وهي الجهاز الرسمي المكلف بالإشراف على تنظيم الانتخابات في موريتانيا، بيانا في الأيام الأولى من الحملة الانتخابية، أشارت فيه إلى تسجيل «بعض التجاوزات المخالفة للنصوص المنظمة للحملة الانتخابية»؛ وقالت إنه «لوحظ في هذا الصدد، من بين أمور أخرى، استعمال وسائل الدولة، ورموز الجمهورية، لأغراض الحملة الانتخابية، والتلويح بصور رئيس الجمهورية، هنا وهناك، دعما لبعض اللوائح المرشحة»؛ قبل أن تدعو المشاركين في الانتخابات إلى «المساهمة في تنقية المناخ الانتخابي، سبيلا إلى تنظيم اقتراع حر ومستقل وشفاف وذي مصداقية».

وفي سياق اتهام حزبه باستغلال صور رئيس الجمهورية والعلم الوطني، قال المنسق الإعلامي لحملة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، إن اتهامهم باستغلال الرموز الوطنية «اتهام غير جدي، فالعلم الوطني علم الجميع، ونحن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) شهر الاستقلال (استقلت موريتانيا 28 نوفمبر)، ونحن نعتز بعلمنا ولن نقوم بأي نشاط إلا وكانت خلفيته وطنية، والعلم هو أول رموز الوطنية وأقواها، أما بالنسبة لصور رئيس الجمهورية فالجميع يعرف أن محمد ولد عبد العزيز منتسب لحزبنا، وهو مؤسسه وأول رئيس له، والبرنامج السياسي للحزب هو نفسه البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، فلماذا لا يكون مرجعيتنا ومصدرا لقوتنا؟.. وهذا موجود في أي ديمقراطية في العالم».

وفي ظل الجدل المحتدم بين الأطراف المشاركة في الانتخابات، ألقت مقاطعة بعض أحزاب المعارضة بظلالها على الحملة الانتخابية، حيث يرى الكاتب الصحافي حبيب الله ولد أحمد أن «مقاطعة قطاع ضارب من الموريتانيين للانتخابات الحالية تجعل الأحزاب بحاجة للعب كل الأوراق لاستقطاب الناخبين، وهو ما يتجلى في ضخ المال السياسي واستخدام الرموز الدينية والوطنية الرسمية في صراع محموم على ناخبين يبدو أن انشغالهم بمعاناتهم اليومية يمنعهم من تعليق أي أمل على الحراك الانتخابي الحالي».

غير أن ناشطين في المجتمع المدني أبدوا قلقهم من استغلال الشعارات الدينية والوطنية في الحملة الدعائية للأحزاب السياسية، حيث يشير المدون والناشط الاجتماعي أحمد جدو إلى أن «ظهور هذا النوع من الدعاية يبعث على القلق على مستقبل الديمقراطية، فهو خرق جديد في العملية التنافسية، ولو نجح أصحابه مستقبلا في التغلغل إلى الرأي العام سيكون عائقا جديدا أمام ديمقراطية تنافسية حقيقية في موريتانيا».