الكتل السياسية العراقية الكبيرة تختار خوض الانتخابات المقبلة «مفتتة»

مستفيدة من قانون «سانت ليغو» الذي يفسح الطريق أمام «الصغيرة» للظهور

TT

قطعت الكتل والأحزاب الصغيرة في العراق الخطوة الأولى في مسافة الألف ميل لتحطيم الكتل الكبيرة التي تسيدت المشهدين السياسي والانتخابي طوال السنوات العشر الماضية ودورتين برلمانيتين. فقانون «سانت ليغو» المعدل، الذي كان العقبة الكأداء التي كادت تحول دون إقرار قانون الانتخابات، هو السبب فيما باتت تعانيه اليوم الكتل الثلاث الكبيرة («العراقية» و«التحالف الوطني» و«التحالف الكردستاني») من تفتيت وانشقاقات كانت قد بدأت، بشكل لا لبس فيه، في «القائمة العراقية» التي تشظت إلى عدة كتل، في حين لا يزال «التحالف الوطني» الحاكم (يتكون من «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«الائتلاف الوطني» الذي يمثله «المجلس الأعلى الإسلامي» بزعامة عمار الحكيم، و«التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، وكتلة «بدر» بزعامة هادي العامري، وكتلة «الفضيلة» التي يرعاها المرجع الديني محمد اليعقوبي، فضلا عن «المؤتمر الوطني» بزعامة أحمد الجلبي، و«تيار الإصلاح» بزعامة إبراهيم الجعفري) لا يزال يسعى للوقوف في وجه الرياح العاتية، من منطلق أن منصب رئاسة الوزراء من حصة المكون الشيعي. ولما كان هذا التحالف العريض يمثل المكون الشيعي، فإن العقدة التي يعانيها اليوم هي رغبة ائتلاف «دولة القانون»، وهو الكتلة الأكبر داخل «التحالف الوطني» - في استمرار زعيمه ورئيس الوزراء الحالي نوري المالكي لولاية ثالثة، وهو ما يرفضه الصدريون بشدة و«المجلس الأعلى» بشدة أقل مع رغبة داخلية في عدم التمديد.

وباستبعاد كل من «القائمة العراقية»، التي بات من الصعب إبقاؤها على الصيغة التحالفية السابقة نفسها، لا سيما بعد أن بات من الصعب بأي حال من الأحوال تمكنها من تشكيل الحكومة حتى لو جاءت بأعلى الأصوات ثانية - فإن الدكتور إياد علاوي، حسبما كشفه لـ«الشرق الأوسط» قيادي في أحد مكونات «العراقية»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، «لم يعد ممكنا عودته زعيما لائتلاف اسمه (العراقية) كالذي شاهدناه في الانتخابات الماضية وجاء بأعلى الأصوات على أمل تشكيل الحكومة، غير أن رياح المحكمة الاتحادية سارت بما لا تشتهي سفن (العراقية) التي أغرقتها فيما بعد الخلافات ومساعي المالكي لتفتيتها». وأشار المصدر إلى أن «المالكي أنفق جهدا، وربما مالا، من أجل تحطيم (القائمة العراقية)، ونجح في ذلك بشكل لافت». وأضاف القيادي أن «الفترة المقبلة ستشهد نوعا من الاتفاق الضمني، إن لم يكن المعلن، بين المالكي وزعيم كتلة (متحدون)، أسامة النجيفي، على تقاسم منصبي رئاسة الجمهورية التي سوف تتحول من الأكراد إلى العرب السنة وأقرب المرشحين أسامة النجيفي، ورئاسة الوزراء للمالكي كولاية ثالثة. ومن شأن هذا الاتفاق قطع الطريق أمام أي تحالف آخر بين (متحدون) و(التيار الصدري) و(المجلس الأعلى) لمنع وصول المالكي إلى ولاية ثالثة».

القيادي بـ«القائمة العراقية» يقول أيضا إنه «ليس من مصلحة (متحدون) الإعلان عن مثل هذا الاتفاق أو مباركته، لأنها تنتظر معركة التحالف الشيعي - الشيعي، من منطلق أن رئاسة الوزراء هي من حصة الشيعة بصرف النظر عما إذا كان المالكي أم غيره، بينما رئاسة الجمهورية تبقى للعرب السنة، وقد تأتي من (المجلس) و(التيار) في حال تحالفت (متحدون) معهما لتكوين تحالف أكبر يقطع الطريق أمام المالكي».

لكن قواعد اللعبة لم تتضح بعد على صعيد الكتل الأخرى. فـ«المجلس الأعلى الإسلامي»، وعلى لسان عضو البرلمان العراقي والقيادي فيه عبد الحسين عبطان، «لم يحسم تحالفه بعد مع أي كتلة، لأن منطلقه البرامج لا الأشخاص، وبالتالي فإن أي كتلة تنسجم مع البرنامج الذي نعمل عليه سوف نتحالف معها، وبالتالي لا خط أحمر على أحد». ويضيف عبطان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «قانون (سانت ليغو) لا يتيح الدخول للانتخابات ككتل كبيرة، وبالتالي لا بد من النزول بقوائم صغيرة». وردا على سؤال بشأن مصير التحالف الوطني الشيعي في ضوء ذلك، قال عبطان إن «(التحالف الوطني) كيان مهم جدا، ونعمل على إبقائه ولكن بصيغة مختلفة، من حيث العمل والآليات واتخاذ القرار، لأننا لا نريد تكرار التجربة السابقة، حيث إن المشهد سوف يختلف تماما».

لكن عضو البرلمان عن كتلة «الأحرار» الصدرية، محمد رضا الخفاجي، أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الدخول إلى الانتخابات يختلف عن التحالفات، إذ إنه وبموجب قانون (سانت ليغو) فإن الكتل الكبيرة أصيبت بالجمود، بينما تنفست الكتل الصغيرة، ولذلك فإننا كتيار صدري سندخل وحدنا وكذلك كتلة (المجلس الأعلى)، ولكن بعد ظهور النتائج فإن أقرب حليف لنا هو (المجلس الأعلى)»، مشيرا إلى أن «(دولة القانون) ستدخل الانتخابات عبر كتل منفردة، لكنها ستتحد فيما بعد من أجل أن تكون أصواتا أكبر داخل (التحالف الوطني) من أجل أن تعيد المالكي إلى ولاية ثالثة».

في السياق ذاته، أشار علي الدباغ، الناطق السابق باسم الحكومة العراقية ورئيس «تجمع كفاءات» المنضوي في ائتلاف «دولة القانون»، إلى احتمال عدم بقائه في «دولة القانون» في المرحلة المقبلة. وقال الدباغ في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «(تجمع كفاءات) سيدخل الانتخابات وحده، وسبق لنا أن دخلنا وحدنا في مجالس المحافظات وحققنا نتائج جيدة، ولم ندخل مع (دولة القانون) في بعض الحكومات المحلية»، عادا «الشعور بالإحباط الذي عاناه المواطن العراقي من الكتل الكبيرة التي لا تحترم تعهداتها ووعودها، سيجبره على معاقبة هذه الكتل في الانتخابات المقبلة، وبالتالي فإننا سنكون تحالفا أكبر مع قوى تؤمن بالمشروع الوطني وتستطيع أن تحقق الأمن والاستقرار والخدمات».

أما زعيم «الحزب الشيوعي العراقي» حميد مجيد موسى، فقد عد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «ما ستقدم عليه الكتل الكبيرة من تفتيت نفسها حاليا مجرد لعبة انتخابية مكشوفة ولن تنطلي علينا كتيار مدني ديمقراطي». وأضاف موسى: «إنهم يعملون الآن على تشويش الصورة أمام المواطن في محاولة لقطع الطريق أمام القوى التي تؤمن بالتغيير لإثبات جدارتها في خوض الانتخابات».