استنفار أمني للقبض على «مسلح باريس»

السلطات الفرنسية عدته مصدر تهديد حقيقيا ونشرت له صورا عقب إطلاقه النار بقلب العاصمة

شرطيان يراقبان الوضع أمام برج إيفل بقلب باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

لم تفلح، حتى مساء أمس، الجهود الاستثنائية التي تبذلها شرطة باريس والأجهزة الأمنية المختصة، في القبض على الشخص الذي أطلق النار أول من أمس داخل مبنى صحيفة «ليبراسيون» اليسارية وعلى واجهة بنك «سوسييتيه جنرال»، في منطقة ديفانس بقلب العاصمة الفرنسية. فالرجل البالغ من العمر، وفق تقديرات الشرطة، ما بين الـ35 والـ45 سنة، اختفى عن الأنظار في حي الشانزليزيه بعد أن أجبر صاحب سيارة على نقله إلى شارع متفرع عن الجادة الشهيرة. وأفاد الأخير بأن الهارب هدده ببندقية الصيد التي يحملها وبالقنبلة اليدوية التي زعم أنها في حوزته إذا فتح فاه. وبالفعل، فإن السائق اعترف بأنه عاد إلى بيته عقب «مغامرته»، ولم يتحدث إلى الشرطة إلا لاحقا.

والمفارقة في القضية، أن الشرطة التي تملك تسجيلات فيديو لمطلق النار وعينات تدل على حمضه النووي - لم تنجح حتى الآن في تحديد هويته. وتلعب مختبراتها دورا كبيرا في المساعي الهادفة إلى تحقيق هذا الغرض، بعده شرطا أساسيا لوضع اليد عليه. وقال وزير الداخلية، مانويل فالس، أمس، إن الرجل الهارب «يمثل تهديدا حقيقيا».

وتراهن الأجهزة الأمنية على تعاون المواطنين للتعرف على مطلق النار بعد أن بثت صورا له أخذت من كاميرات المراقبة، وأوضحها تلك التي التقطتها كاميرا مركبة في محطة مترو «الكونكورد» في أسفل جادة الشانزليزيه. وما يحير الخبراء، أن هذا الرجل لم يحاول أن يخفي ملامحه الأوروبية ولا أن يمحو بصماته، إذ إن الكاميرات صورته يوم الجمعة في مبنى القناة الإخبارية «بي إف إم» في الدائرة الـ15 من باريس، حيث دخل البهو وأخرج بندقيته التي هدد بها أحد رؤساء التحرير من غير أن يطلق النار. كما التقطت كاميرات صحيفة «ليبراسيون» صورا له، وأخرى للكاميرات المركبة في حي الأعمال «لا ديفانس» وهو الأشهر في باريس.

ومنذ نشر أولى صوره، تلقت الشرطة نحو 400 مكالمة من المواطنين، عد ما يقل عن 120 منها جديرة بالاهتمام. كما عمدت الشرطة إلى نشر صورة إضافية أمس يبدو فيها أنه غير ثيابه.

وعمدت الفرق المتخصصة إلى رفع البصمات التي تركها مطلق النار على خرطوشتين سقطا منه في بهو القناة التلفزيونية الإخبارية وفي السيارة التي نقلته إلى جادة الشانزليزيه. وساعد تحليل البصمات على التعرف على حمضه النووي. بيد أن المشكلة أن بصماته الجينية غير مسجلة في أرشيف الشرطة، مما يجعل تحديد صاحبها أمرا بالغ التعقيد.

وما زاد من قلق الشرطة، أن ملعب «استاد دو فرانس» الكبير، الواقع على بعد كيلومترات من شمال العاصمة، استضاف أمس مباراة التصفية بين الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم ونظيره الأوكراني. ويتسع الملعب المذكور لسبعين ألف متفرج.

وسعى رئيس الحكومة، جان مارك أيرولت، إلى طمأنة المواطنين بتأكيده أن «كل قوى الشرطة تبحث من غير كلل عن مرتكب هذه الجرائم». وعمدت مديرية الشرطة في باريس إلى تعزيز الحراسة في محيط الوسائل الإعلامية الرئيسة وفي الأماكن والساحات العامة التي تحتشد بالناس، وخصوصا في منطقة الشانزليزيه وامتداداتها إلى ساحة الكونكورد إلى منطقة الشاتليه التي تشكل قلب العاصمة الفرنسية.

وتعود الصعوبة في وضع اليد على مطلق النار لقدرة الشخص المعني على التخفي داخل باريس أو الخروج منها إلى مدينة أخرى. لكن المصادر الأمنية تعد أنه سيقع في أيديها عاجلا أم آجلا، إذ سيتمكن أحدهم في لحظة ما من التعرف عليه، الأمر الذي سيسهل عملية توقيفه.

وأوقفت الشرطة أمس شخصا يشبهه، غير أنها عمدت إلى إطلاق سراحه سريعا بعد أن تبين لها أنه ليس الشخص المطلوب. وقال وزير الداخلية إنه «لن يهدأ له روع قبل القبض» على هذا الشخص.

وتواجه القوى الأمنية أعمالا إجرامية أو إرهابية من نوع جديد، يختلف تماما عما عرفته في السابق من أعمال ذات طابع جهادي أو على علاقة بالدور الفرنسي في أفريقيا أو في أماكن أخرى. وحتى أمس، لم تتوصل الشرطة وأجهزتها المختصة إلى رسم «بروفايل» سيكولوجي أو عقائدي لمطلق النار لعدم توافر العناصر والأدلة اللازمة.