الأمير عبد العزيز بن عبد الله: الدين براء من كل الصراعات والنزاعات التي تمارس باسمه نتيجة الجهل بمقاصده

وزير التربية والتعليم السعودي ونائب وزير الخارجية زارا مركز الملك عبد الله العالمي بالعاصمة النمساوية

وزير التربية والتعليم السعودي ونائب وزير الخارجية خلال زيارتهما مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان في العاصمة النمساوية فيينا (واس)
TT

أكد الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز، نائب وزير الخارجية السعودي، دعوة بلاده الدائمة والراسخة لإرساء مبادئ المساواة والتكافؤ بين جميع الإرادات الإنسانية وتعزيز القيم والمبادئ الإنسانية «بوصفها قواسم مشتركة بين أتباع الأديان والثقافات»، آملا أن يكون الحوار العالمي جسرا ممدودا لهذا الاحترام والتعايش. وأشار إلى أن جميع المبادرات التي تطرحها السعودية من آن لآخر، تهدف إلى تحقيق هذا الاحترام والتعايش والخير للإنسانية بأسرها عبر استراتيجية منهجية واضحة وآليات واقعية.

ونقل في كلمته في افتتاح أعمال الجلسة الأولى من فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر العالمي «صورة الآخر» الذي يعقد تحت عنوان «صورة الآخر في التعليم المشترك بين أتباع الثقافات» تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمشاركين في أعمال المؤتمر وتمنياته أن توفق جهودهم في تقديم عمل معرفي متميز يثري الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

وقال نائب وزير الخارجية السعودي في الجلسة التي شارك فيها أعضاء المجلس الوزاري ممثلو مجلس الأطراف بالمركز: «لقد جئت من المملكة بعد أيام معدودات من انتهاء موسم الحج الذي يعد أكبر تجمع للسلام تعرفه الإنسانية، حيث يجتمع ملايين المسلمين ويتحررون من كل القيود المادية في مشهد يجسد أرقى معاني المساواة والتسامح والسلام والمحبة لمختلف الأمم والشعوب لأشارككم الرأي والرؤية من أجل حوار موضوعي يحقق التقارب والتفاهم بين كل أتباع الأديان والثقافات».

وبين أن التسامح والفضائل مثل وقيم دعت إليها كل الأديان والثقافات، مؤكدا أن الدين براء من كل الصراعات والنزاعات التي تمارس باسمه نتيجة الجهل بمقاصد الدين من قبل البعض أو نتيجة لصورة سلبية ترسخت لدى أتباع الأديان عن غيرهم، وقال: «يجب أن لا نغفل الدور السلبي لما يكتب أو ينقل من صور سلبية عن أتباع الأديان والثقافات، ولا سيما ما يجري من خلال المناهج التي يدرسها الناشئة أو من خلال كتب التاريخ»، مؤكدا ضرورة عدم القبول أو التسليم بهذه الممارسات السلبية العدائية، وكذلك ضرورة السعي لمعرفة الآخر وهو الأمر الذي تحقق وأثمر من خلال حركة الترجمة التي لازمت عصور نهضة الحضارة العربية الإسلامية وعم نفعها دول أوروبا.

وأوضح أن جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، تأتي في إطار العمل على إيجاد آفاق جديدة للتعاون والبناء لردم الفجوة بين المفاهيم والقيم الدينية والثقافية والإفادة من طاقات الباحثين والمختصين في مجال التربية والتعليم والمؤسسات الثقافية في مناقشة الإيجابيات والسلبيات ذات العلاقة بصورة الآخر وبحث أفضل السبل لتصحيح القصور فيها بما يثري الحوار الهادف البناء بين أتباع الأديان والثقافات ويحقق الالتقاء حول القواسم المشتركة والقيم الإنسانية النبيلة وإرساء قيم العدل والسلام.

وأكد أن مبادرة خادم الحرمين للحوار بين أتباع الأديان، ترفض التطرف وتؤمن بالاعتدال، بقدر ما ترفض الانحلال وتحقق التوازن بين جوانب التقدم المادي وحاجات الإنسان الروحية وتعلي من قيم التسامح والإخاء وتعزز الاحترام والحفاظ على قدسية المواقع والرموز الدينية والأخلاق، وتفتح آفاقا للتعاون في مواجهة مشكلات الفقر والحفاظ على البيئة والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية.

وبين الأمير عبد العزيز بن عبد الله أن هذه المبادرة توجت بافتتاح مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات العام الماضي ليكون كيانها المؤسسي والحاضنة العالمية لمثل هذه المبادرات الإنسانية الرائدة التي تؤكد حضور بلاده المعهود عنها على الساحتين الإقليمية والدولية وإيمانها بما يشكله التنوع الثقافي من رافد للإنسانية لتقود السعودية المنطقة العربية المعروفة بتنوع أديان أبنائها ومذاهبها وأعراقها قاطرة الحوار، وتؤكد حاجة المنطقة والعالم المعاصر الحيوية إلى الفهم المعمق وصياغة استراتيجيات جديدة للتعامل مع التنوع الثقافي وتعزيز ثقافة الحوار على أسس ومبادئ حقوق الإنسان التي توافق المجتمع الدولي عليها قبل أكثر من 60 عاما وكذلك تعزيز قيم التسامح الديني.

وبين نائب الوزير السعودي دور بلاده الدولي وموقفها الإيجابي من خلال الكثير من المبادرات التي تبنتها أو دعمتها لنشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح ونبذ الكراهية ودعم الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب بكل أنواعه وتأسيس مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، منطلقة في ذلك من تعاليم الإسلام وقيمه الإنسانية التي تحرم الاعتداء على الأنفس والأموال وتؤكد على ضرورة احترام العهود والمواثيق، وصولا إلى إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وإنشاء جائزة الملك عبد الله العالمية للترجمة، وإنشاء برنامج الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي لنشر ثقافة الحوار والسلام بالتنسيق مع منظمة اليونيسكو والمشاركة في إنجاح مشروعات الأمم المتحدة ذات العلاقة مثل منتدى تحالف الحضارات.

وختم نائب وزير الخارجية كلمته بضرورة الحوار، للوصول إلى القواسم الإنسانية المشتركة، وتقاسم الوعي المعرفي من أجل حضور ثقافي وعلمي يفيد كل المجتمعات، مؤكدا دور المؤسسات التربوية والتعليمية في صناعة الفكر الإنساني الخلاق والإسهام في تقديم صورة إيجابية عن الآخر تتسم بالموضوعية وبأساليب علمية لا يشكلها الإعلام النمطي ولا تعتمد على الصور القديمة المأخوذة سلفا عن أمة من الأمم أو حضارة من الحضارات، مشددا على تغيير الصورة النمطية التي طالما أثرت سلبا في الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وفتح صفحة جديدة تزخر بالفكر وتحض على السلام والتعايش والتعاون، مؤكدا ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع من أجل مستقبل أفضل للأجيال الجديدة.

وكانت الجلسة شهدت كلمات لممثلي مجلس الأطراف بمركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات - مجلس الأطراف النمساوي والإسباني وممثل الفاتيكان - أجمعوا خلالها على الدور الكبير والمحوري الذي تقوم به السعودية لنشر ثقافة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، مثمنين لحكومة خادم الحرمين الشريفين جهودها في دعم أنشطة المركز وبرامجه ونشر السلام العالمي وتعزيز ثقافة الحوار بين شعوب العالم.

وكان الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم السعودي، والأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز، نائب وزير الخارجية، زارا مساء أول من أمس مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بالعاصمة النمساوية فيينا، على هامش مشاركتهما في مؤتمر «صورة الآخر» الذي ينظمه المركز على مدى يومين بالعاصمة النمساوية فيينا، واطلعا على ما يضمه المركز من أقسام وأنشطة، وشهدا مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين المركز وعدد من الجهات العالمية في مجالات البحوث العلمية، التي وقعها أمينه العام فيصل بن معمر.

وأكد وزير التربية والتعليم السعودي أهمية الحوار بين أتباع الأديان والثقافات لما له من دور في إيجاد التفاهم بين شعوب العالم، مشيرا إلى ضرورة تضافر جهود الدول من أجل تهيئة البيئة المناسبة لحوار فاعل ومثمر بين أتباع الأديان والثقافات على أساس من الاحترام والقبول بالآخر.

وقال: «إن الحوار أكبر من أن يكون منهجا دراسيا، إلا أنه من الأهمية أيضا أن تكون البيئة مؤهلة للحوار مع الآخر وهو الأمر الذي يتحمل التعليم العبء الأكبر لتحقيقه لأنه الأساس في تهيئة البيئة المشجعة على الحوار»، مشيرا إلى أن النجاح في إرساء قيمة الحوار مع الآخر عبر السياسات التعليمية والممارسات التربوية تمثل بداية لمستقبل أفضل للعالم بأسره.

من جهته، أكد الأمير عبد العزيز بن عبد الله، أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات التي حظيت بتأييد وتفاعل المجتمع الدولي، انطلقت من رؤية شاملة للمشكلات التي يعاني منها عالم اليوم وحالة الصراع والتناحر التي أثبتت التجارب أهمية الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات لتجاوزها وتجنب آثارها الوخيمة.

وشدد نائب وزير الخارجية على أهمية الحوار بين جميع أتباع الأديان والثقافات من أجل تحقيق السلام والخير لكل أعضاء الأسرة الإنسانية على اختلاف أديانهم وثقافتهم وتقاليدهم، لافتا إلى أن الحوار أساس للتفاهم والتعايش والسلام الذي تعدو إليه كل الأديان السماوية.

وفي هذا الصدد قال لـ«الشرق الأوسط» فيصل بن معمر إن المركز أثبت خلال عامه الأول للعالم وللرأي العام النمساوي على وجه الخصوص أنه مؤسسة دولية معترف بها يرجع تأسيسها لتعاون مشترك بين ثلاث دول، هي السعودية وإسبانيا والنمسا، ويتكون مجلس إدارته من ممثلين لمختلف الديانات، وبخصوص ما يرد من معلومات مغلوطة يمكن تصحيحه عندما يتعرفون على المركز عن قرب.

وقال بن معمر إن المركز قد يكون مطالبا إعلاميا بتصحيح بعض المفاهيم عن المملكة التي سبقت كل منطقتها في الحوار الوطني. في عام 2003 تأسس مركز الملك عبد الله للحوار الوطني وتوسعت جهوده وانعكست في كثير من الأمور والقضايا التي ناقشها، بما في ذلك الغلو والتطرف وقضايا المرأة والشباب، مما أكسبه تقديرا دوليا لما يقوم به، لكن وللأسف الصورة لا تزال غير واضحة عما تشهده المملكة من حوار داخلي.

وأشار بن معمر إلى أن المركز يسعى بالحوار لمواجهة كل التحديات، ومن يقومون بالحوار لا بد أن يتحلوا بسعة الصدر والقدرة على مخاطبة الآخر حتى نصنع السلام والخير للبشرية، مما يتطلب بالطبع قدرات ومهارات عالية. وقال: «عموما المشترك بين الأديان متوفر، وما ينقصه هو تعزيزه وتهيئة المجالات لتعاون مشترك، إذ داخل كل دين توجد رسالة خير واضحة وما يجمع الناس أكثر مما يفرقهم».

وحول تمويل أعمال المركز بيّن بن معمر أن السعودية التزمت بمصاريف مرحلة التأسيس بالإضافة إلى مشاركة الدولتين الأخريين المؤسستين، أي النمسا وإسبانيا، في فترة لاحقة. حاليا يجري إعداد مشروع يبحث استمرارية التمويل عبر صندوق تمويل عالمي مشترك.