قمة الكويت العربية ـ الأفريقية تدعو لتقارب سياسي وتنسيق لمواجهة الإرهاب.. وإصلاح الأمم المتحدة

أمير الكويت: علينا مواصلة البناء.. فالآمال كبيرة والتحديات كثيرة > العاهل المغربي: منطقة الساحل باتت مرتعا للجماعات الإرهابية ويستوجب تحصينها

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد مترئسا الجلسة الختامية للقمة العربية الأفريقية أمس (أ.ف.ب)
TT

اختتمت في الكويت أمس أعمال القمة العربية الأفريقية الثالثة التي انعقدت على مدى يومين تحت شعار «شركاء في التنمية والاستثمار» بمشاركة وفود أكثر من 71 دولة ومنظمة عربية وإقليمية ودولية. ودعت القمة إلى مزيد من التقارب السياسي والاقتصادي، والتعاون في محاربة الإرهاب.

واتفقت هذه القمة في «إعلان الكويت» على النهوض بالتعاون بين البلدان العربية والأفريقية، وتعزيز «العلاقات الدبلوماسية.. لتنسيق المواقف وتطوير سياسات مشتركة». كما دعت إلى «تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان العربية والأفريقية لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، بما في ذلك تجريم دفع الفدية للإرهابيين.. وتقديم المزيد من الدعم للجهود الدولية في هذا الصدد».

وجاء إعلان قمة الكويت متضمنا 32 مسألة وقضية، أبرزها تأكيد الدول العربية والأفريقية التزامها بتعزيز التعاون بين الطرفين على أساس الشراكة الاستراتيجية التي تسعى إلى الحفاظ على العدل والسلم والأمن الدوليين، ودعم إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان في مملكة البحرين وإدانة للإرهاب والقرصنة، إلى جانب ترحيب المشاركين بتبرع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بمبلغ 100 مليون دولار أميركي لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ودعوا إلى إنشاء مركز أفريقي عربي لتبادل المعلومات للحد من تسلل المهاجرين غير الشرعيين، كما قدروا الموقف الأفريقي حول إصلاح الأمم المتحدة، وطالبوا بإقامة مؤسسات أفريقية عربية مشتركة للتنسيق، واختتموا توصياتهم بتأكيد مبدأ التناوب في استضافة القمة العربية الأفريقية على أن تعقد القمة المقبلة في أفريقيا عام 2016.

وأدان الزعماء «بشدة الأعمال الإرهابية وعمليات التهريب بكل أشكالها في أفريقيا وفي المنطقة العربية، وخصوصا في منطقة الساحل والصحراء التي نجمت عنها الأزمة الخطيرة التي تشهدها مالي». وأكد البيان «تصميمنا والتزامنا العمل معا في هذا الصدد وتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان الأفريقية والعربية في هذا الشأن».

وطالب إعلان الكويت بـ«الالتزام القوي بالإصلاح الشامل لمنظومة الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن ليعكس الواقع العالمي الحالي وجعله متوازنا إقليميا وأكثر ديمقراطية وفعالية وعدالة».

وعلى الصعيد الاقتصادي، دعا الإعلان الحكومات إلى وضع «الشروط الضرورية في البلدان الأفريقية والعربية لتشجيع وتسهيل الاستثمار.. وزيادة حجم تدفقات التجارة والاستثمار ودعم مبادرات التنمية الصناعية الحالية بغية الحد من الفقر وخلق فرص العمل للمواطنين من الشباب». وطالب بـ«تعزيز التعاون وتشجيع وتسهيل الاستثمار في مجال الطاقة، وتشجيع الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية وتوسيع نطاق الوصول إلى خدمات طاقة موثوق بها وحديثة بأسعار معقولة في المنطقتين».

كما دعا الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية إلى «مفاتحة المؤسسات والصناديق المالية القائمة في المنطقتين لتشكيل فريق عمل لتمويل تنفيذ المشروعات الأفريقية العربية المشتركة».

وطالب إعلان الكويت بتنسيق المواقف إزاء المفاوضات المتعددة الأطراف حول التجارة والعمل معا من أجل تحقيق نتائج متوازنة من خلال المؤتمر الوزاري التاسع لمنظمة التجارة العالمية المقرر عقده في بالي بإندونيسيا في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ودعا المؤسسات المالية الأفريقية والعربية وكذلك أصحاب المصلحة الآخرين المعنيين إلى دعم التجارة بين دول المنطقتين الأفريقية والعربية.

أما بالنسبة للوضع الصحي فقد شدد إعلان الكويت على ضرورة «ضمان وصول الفئات المستضعفة إلى الأنواع الأساسية والضرورية من الأدوية.. وإدراج مكافحة الأمراض الوبائية مثل الملاريا والسل والإيدز، والأخرى غير السارية في برامج التعليم والإعلام».

وعلى الصعيد الاجتماعي، أكدت القمة «دعم الاستراتيجيات والمبادرات الرامية إلى القضاء على التمييز ضد المرأة بغية تحقيق المساواة والإنصاف ورفع مستوى الوعي العام بالمبادئ والقيم الإنسانية التي تضمن حقوق المرأة ودورها في المجتمع». ودعت «جميع الحكومات إلى سن القوانين اللازمة لحماية المرأة وضمان مشاركتها في عملية صنع القرار على قدم المساواة مع الرجل في جميع جوانب الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية».

كما طالبت القمة بـ«تعزيز قدرات مفوضية الاتحاد الأفريقي والأمانة العامة لجامعة الدول العربية وتزويدهما بجميع الوسائل الضرورية، بما في ذلك الدعم المالي والفني لتمكينهما من تنفيذ استراتيجية الشراكة الأفريقية العربية». وأكدت على أهمية «إنشاء مركز أفريقي عربي لتبادل المعلومات للحد من تسلل المهاجرين غير الشرعيين».

وفي كلمته أمام الجلسة الختامية شكر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح المشاركين في أعمال القمة، وقال: «علينا مواصلة البناء، فالآمال كبيرة والتحديات كثيرة.. ونجاحنا في التركيز على الجوانب الاقتصادية في تعاوننا المشترك سيؤسس منطلقا لعملنا المستقبلي وسنجني ثماره مما يستوجب منا مواصلة التمسك بهذا النهج وصولا إلى ما ننشده من شراكة استراتيجية».

من جهته، قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن البلدان العربية الأفريقية من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، ومن البحر المتوسط إلى خليج غينيا ومنطقة أفريقيا الوسطى، باتت مهددة، لا سيما من فقدان حدودها للمناعة ضد الاضطرابات السياسية والتحديات الأمنية، فضلا عن تداعيات التقلبات المناخية، مبرزا أن بؤر التوتر انتشرت في أكثر من بقعة، حيث وجدت في الفقر والهشاشة مجالا خصبا لانتشار القرصنة وتهريب الأسلحة والمخدرات والأشخاص، «وهو ما ساعد على استفحال نزوعات التطرف والإرهاب وانتشار الآيديولوجيات الظلامية، التي لا يمكن محاربتها ولا الحد من اتساع تأثيرها، إلا بتضافر الجهود وتعبئة وسائل الدفاع والتصدي لها بكل حزم».

وأضاف الملك، في الخطاب الذي وجهه إلى القمة العربية الأفريقية الثالثة بالكويت وتلاه عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة، أن هذه القمة «تشكل منعطفا حاسما في مسار التعاون الأفريقي - العربي، على درب إرساء أسس شراكة متينة ومثمرة، من خلال تطوير وتنفيذ خطة عمل 2011 - 2016 للشراكة الأفريقية العربية، التي تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري بين المجموعتين، إضافة إلى تسهيل انتقال البضائع والخدمات ورؤوس الأموال بين المنطقتين».

وأعرب العاهل المغربي عن الأسف الشديد لكون منطقة الساحل والصحراء أضحت مرتعا خصبا للجماعات الإرهابية والمتطرفة، مما يستوجب تضافر الجهود من أجل تحصينها، والعمل على جعلها فضاء للسلم والازدهار، داعيا في هذا الصدد إلى توفير الظروف الملائمة لإقامة سلام شامل بالمنطقة وضمان الأمن والاستقرار لسكانها، والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة، على اعتبار أن ذلك لن يتأتى إلا بالتعبئة الشاملة لكل وسائل الدفاع والرد الاستراتيجية، وكذا توفير كل أسباب التنمية الشاملة، بما يحقق التكامل الضروري بين الأمن والتنمية.

كما أعرب الملك محمد السادس عن اعتقاده بأن التجمعات الجهوية تشكل الإطار الأمثل للرد على التهديدات، وخصوصا المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية، الذي يحظى المغرب فيها بصفة عضو مراقب، وكذا تجمع دول الساحل والصحراء الذي ستنعقد قمته المقبلة في المملكة المغربية.

غير أن ما يبعث على الأسف، يقول الملك محمد السادس، حالة الجمود المؤسساتي التي يمر بها اتحاد المغرب العربي، الذي لم يتمكن، حتى اليوم، من لعب الدور المنوط به سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، رغم كونه يحاذي منطقة الساحل والصحراء ويواجه نفس المخاطر والتحديات.

ومن جانبه، أكد نائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي أن القمة تحاول ردم الهوة بين الجانبين وتطوير برامج لدمج القوى الاجتماعية وتحولها إلى ديناميكية متطورة وثابتة. ونقل الخزاعي ترحيب العراق بكل المبادرات العربية والأفريقية في هذا المجال، لا سيما أن «أفريقيا أرض الموارد وتضم نحو ثلثي الشعب العربي، وأن التكامل بين الاقتصاد العربي والأفريقي يضمن رخاء الشعوب شرط تحييد النزاعات السياسية».

أما رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور فبين أن «الأمل يحدونا في المسير إلى الأمام بالتعاون العربي الأفريقي وخلق مزيد من الفرص بين شعوبنا وتحقيق مصالحنا المشتركة، لا سيما أن القمة العربية الأفريقية الثالثة جاءت في وضع دقيق، فالوضع في المنطقة يحتم تفعيل عملية الشراكة بين الدول والشعوب في المنطقتين العربية والأفريقية والارتقاء بها بشكل جدي وعلى أسس سليمة وراسخة، وهذه الاستراتيجية تعزز الاقتصاد والاستثمار في مجالات عدة، منها الطاقة والبنية التحتية والأمن الزراعي والغذائي»، داعيا إلى استغلال قارة أفريقيا لكي تكون سلة العالم في الغذاء وتأمينه للمنطقتين العربية والأفريقية.

وتطرق النسور في كلمته إلى أهمية التنسيق في المواقف بشأن القضية الفلسطينية وتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية. أما في ما يتعلق بالشأن السوري فطالب الجميع بدعم الجهود الرامية إلى إنهاء تلك الأزمة من خلال حوار هادف يؤدي إلى تطلعات الشعب السوري وحل سياسي يعيد الاستقرار إلى سوريا ويحفظ استقلالها ووحدة أراضيها ويكفل إعادة اللاجئين السوريين.

وأشار الرئيس الغامبي يحيى جامع إلى ضرورة أن تكون مكافحة الإرهاب في أفريقيا والدول العربية من أولويات العمل المشترك، داعيا إلى إنشاء أمانة مستمرة تكون مسؤولة عن تنفيذ الاتفاقيات والقرارات التي تصدرها مثل هذه القمم وإزالة كل العوائق المتعلقة بالعلاقات بين الدولة الأعضاء، وإنشاء صندوق الشراكة العربية الأفريقية وأن تعقد هذه الاجتماعات دوريا كل سنتين ليتسنى متابعة تنفيذ القرارات الصادرة.

وأصدرت القمة بيانا خاصا بالقضية الفلسطينية أكد الزعماء فيه ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المستمر منذ الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وفقا للقرارات الدولية ومبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام وخطة خارطة الطريق. وأدان البيان استمرار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والانتهاكات العنصرية الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، محذرين من تأثير استمرار النشاط الاستيطاني على تقويض حل الدولتين وتقليل فرص تحقيق السلام.