المعارضة التونسية تتمسك بشروطها للعودة إلى الحوار

تخوف من تداعي الأوضاع الليبية على الداخل التونسي

TT

واصلت المعارضة التونسية مطالبتها باستقالة حكومة علي العريض والتراجع عن التعيينات في الإدارة، وتمسكت بهذه الشروط وعدتها أساسية قبل العودة إلى الحوار.

واستفادت حركة النهضة، حسب التحاليل الس+ياسية، من أخطاء المعارضة في إدارتها للحوار والاستفادة من الوضع المتأزم. ولم تستفد قيادات المعارضة من حالات الضعف التي شهدتها حركة النهضة، خاصة بعد حادثة اغتيال شكري بلعيد في فبراير (شباط) الماضي، كأول اغتيال سياسي في تونس وتكرار الأمر مع النائب البرلماني محمد البراهمي يوم 25 يوليو (تموز) الماضي.

وقال محمد الكيلاني رئيس الحزب الاشتراكي (حزب يساري تأسس بعد الثورة) لـ«الشرق الأوسط» إن فشل المعارضة في تحقيق مطالبها وراءه غياب استراتيجية واضحة في التعامل مع الحكومة. واضاف ان من بين الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها المعارضة، مطالبتها في نفس الوقت بحل المجلس التأسيسي (البرلمان) وإسقاط الحكومة والتكفل بمهام إنقاذ البلاد. وأشار الكيلاني إلى السقف العالي للمطالب التي وضعتها أحزاب المعارضة ولم تتمكن من تحقيقها، وقال إن المعارضة تصرفت على أساس أن البلاد تمر «بوضع ثوري» والحقيقة أن تونس في ظرف انتقالي يتطلب عملية إصلاح بدلا من المواجهة والنزول إلى الشارع، والمطالبة بحل المؤسسة الدستورية الوحيدة التي انتخبها التونسيون.

ونفى رئيس الحزب الاشتراكي التونسي أن تكون المعارضة قد استفادت من أخطائها الماضية وقال إنها «لم تنتبه بعد إلى أخطائها»، وهي بذلك لم تقدر على إدارة التفاوض والبقاء في موقع القوة. وأشار إلى حالة الاستنزاف التي عاشتها الجماهير التونسية بنزولها في أكثر من مناسبة إلى الشارع للاحتجاج من دون تحقيق مطالب ملموسة لفائدة التونسيين. وقال إن هذا الأمر «جعل حركة النهضة تحكم قبضتها على البلاد».

وبشأن مستقبل العلاقة بين الحكومة والمعارضة، قال الكيلاني إن حل الأزمة اليوم بات بين أيدي حركة النهضة التي استفادت من مسلسل الهجمات عليها وأدارت الأزمات السياسية المتتالية بحنكة ودهاء.

وفي السياق ذاته، كشف حمة الهمامي، المتحدث باسم تحالف الجبهة الشعبية المعارض، عن جملة من الشروط الواجب توافرها لإعادة قاطرة الحوار إلى سكتها. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن التراجع عن التعديلات التي أدخلت على المجلس التأسيسي، والاتفاق المسبق على شخصية رئيس الحكومة، وضمان التزام كل من المجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية بنتائج الحوار هي الشروط الأساسية لاستئناف الحوار من جديد بعد تعليقه من قبل الرباعي الراعي للحوار يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

ودعا الهمامي قيادات الرباعي الراعي للحوار إلى «صرامة أكبر في التعامل مع من يخرق وثيقة خارطة الطريق أو ينتهك بنودها». وتوقع الرباعي الراعي للحوار استئناف جلسات الحوار الرسمي بداية الأسبوع المقبل بعد الاتفاق المسبق حول المرشح لرئاسة الحكومة.

وحافظت المعارضة التونسية على تمسكها بـ«حزمة» الشروط تلك لاستئناف الحوار السياسي المعلق منذ أكثر من أسبوعين مع الحكومة، وقالت إنها «لن تعود إلى الحوار» إلا بعد الاستجابة لتلك الشروط. وأعادت الجبهة الشعبية وهي من مكونات جبهة الإنقاذ المعارضة، اتهام حكومة «الترويكا» المشكلة من حركة النهضة وحزبي المؤتمر والتكتل، بالمناورة والتمسك بالحكم والابتعاد عن فكرة إنهاء الأزمة السياسية التي تفاقمت بعد اغتيال النائب البراهمي .

في غضون ذلك، أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته الجمعية التونسية «استشراف وتنمية» أن 76 في المائة من التونسيين عبروا عن عدم رضاهم الكلي على أداء الحكومة، وترتفع النسبة إلى 89 في المائة في ولايات (محافظات) الكاف وسليانة وجندوبة وباجة وزغوان، وهي المناطق الأكثر فقرا في تونس. ولم تسلم المعارضة من «سخط» التونسيين، فقد عبرت نسبة 73 في المائة منهم عن عدم رضاها عن أدائها.

ولم تتجاوز نسبة الراضين عن الأوضاع الأمنية في تونس نسبة 44.5 في المائة، وعبرت نسبة 87.5 في المائة عن عدم رضاها عن الأوضاع الاقتصادية، وعبرت نسبة 81.5 في المائة عن عدم رضاها عن الأوضاع الاجتماعية. وفي سياق ذلك، تبدي تونس تخوفات جدية من انزلاق الوضع الأمني في ليبيا وتأثيره على الداخل التونسي. وتتابع القيادات الأمنية والعسكرية بأعين حذرة، المنحى الدراماتيكي الذي أضحى عليه النزاع المسلح بين الجماعات المتناحرة في ظل غياب شبه كلي لمؤسسات الدولة الليبية.

وحسب تقارير أمنية، فإن تونس تتخوف من إمكانية انتقال جزء من الأزمة من الأراضي الليبية إلى الداخل التونسي بعد فتح أبوابها لأكثر من مليون ليبي للاستقرار في تونس بعد الإطاحة بالنظام الليبي، وتوزع الليبيين أنفسهم بين موالين للنظام السابق ومساندين للثورة، وهو ما قد يكون سببا لاندلاع مواجهات بين الطرفين. كما تبدي تونس تخوفات من وجود امتدادات قبلية بين سكان المدن الصحراوية في كلا البلدين وإمكانية انزلاق الصراع المسلح بين الجماعات المتطرفة والجماعات القبلية هناك إليها.

وقال عبد الحميد الشابي، الخبير الأمني التونسي في مجال الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»، إن خيطا رهيفا يمنع تدهور الأوضاع الأمنية بين تونس وليبيا، وإن تاريخ العلاقات المميزة بين الطرفين وفتح الأبواب أمام الليبيين الفارين من جحيم المعارك أثناء الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، من بين الأسباب التي منعت انزلاق العلاقة بين البلدين إلى حدود التصادم.

وأشار الشابي إلى حاجة التنظيمات الجهادية في المنطقة إلى الأموال وانتباهها إلى أهمية ثروة النفط الليبي في تمويل عملياتها الجهادية، وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن التضييقات المتكررة التي تعرفها تلك التنظيمات ومحاصرتها بتكوين «منطقة عسكرية عازلة» في الجنوب الشرقي التونسي وتضييق الخناق على عمليات التهريب، قد تكون من بين أسباب النزاع في المستقبل بين أكثر من طرف سياسي. وأفاد الشابي بأن ارتباط بعض التنظيمات الجهادية التونسية بمقاتلين في الجزائر ومالي والنيجر وليبيا، قد تكون محل قلق جماعي على الاستقرار الأمني في منطقة المغرب العربي برمتها.

وتلعب التهديدات التي أطلقها «أبو عياض» زعيم تنظيم أنصار الشريعة السلفي الجهادي المحظور بمهاجمة الجنوب التونسي، دورا حاسما في تنامي تلك المخاوف. ولم تعد القيادات الأمنية والعسكرية التونسية تأمن لمقولة إن تونس «أرض عبور» للجماعات الجهادية بعد استيطان مجموعات مسلحة في جبال الشعانبي وسط غربي تونس, واستهداف قوات الأمن والجيش عبر زرع الألغام المضادة للأشخاص والعربات وتنفيذ هجمات مسلحة قاتلة.

ونبه محمد الصالح الحدري العقيد العسكري المتقاعد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى ضرورة تحليل كل الأحداث الأمنية والسياسية التي تحدث في الجارة الشرقية. ويرى أنه من السذاجة تبسيط الأمور وعدم الانتباه إلى الترابط التاريخي في المصالح بين البلدين. وأشار إلى احتضان ليبيا لأكثر من 80 ألف عامل تونسي قبل الثورة وعودة الآلاف منهم إليها، وفتح تونس أبوابها أمام قرابة المليون ليبي، وهذا ما يجعل أبواب التأثير والتأثر مفتوحة على مصراعيها.