باريس: اللحظة موائمة للحصول على تنازلات إضافية من إيران

فرنسا تضع أربعة شروط للوصول إلى اتفاق

TT

تمسك باريس، من خلال مواقفها المتشددة، بأحد المفاتيح المتحكمة بالتوصل إلى اتفاق مرحلي بين إيران ومجموعة الست (الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا) بشأن ملفها النووي.

وتعي الحكومة الفرنسية أنها أصبحت «طرفا في المعادلة» منذ اللحظة التي دفع وزير الخارجية لوران فابيوس نظراءه يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، إلى إعادة النظر في «مسودة» الاتفاق الذي توصل إليه الأميركيون والإيرانيون بمشاركة وزيرة الشؤون الخارجية الأوروبية كاثرين اشتون التي تترأس مجموعة الست. وخلال زيارته الرسمية والأولى إلى إسرائيل، بقي الرئيس الفرنسي على تشدده مطالبا بالتوصل إلى اتفاق مع ضمانات كافية منذ الاتفاق «المرحلي» الذي يناقش حاليا في جنيف، وطارحا شروطا أربعة لتذييل الاتفاق بتوقيع فرنسا، وهي: وضع كل المنشآت ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني تحت الرقابة الدولية ممثلة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقف التخصيب بنسبة 20% والتخلص من مخزون إيران من هذا اليورانيوم والبالغ 196 كلغ، وأخيرا وقف العمل وتعطيل مفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة وبإمكانه عبر إعادة معالجة نفايات البلوتونيوم التي يستخدمها بالتوصل إلى تصنيع القنبلة النووية.

واضح أن باريس ماضية في نهجها المتشدد، وهي تريد، كما أكدت الخارجية الفرنسية مجددا، «اتفاقا جديا صلبا ومحصنا بكل الضمانات»، كما أنها لم تتردد في الرد بشدة على تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي على لسان رئيسها فرنسوا هولاند الذي وصفها بأنها «استفزازية» و«لا يمكن قبولها». ودعا هولاند الطرف الإيراني إلى «الإجابة على الأسئلة المطروحة عليه» بدل اللجوء إلى التعابير التي «تجعل المسألة (النووية) أكثر تعقيدا». وكان هولاند يشير بذلك إلى ما قاله خامنئي عن إسرائيل «الكلب المسعور» وعن قرب زوالها. كذلك وصف خامنئي فرنسا بأنها تحولت إلى خدمة الولايات المتحدة وإسرائيل.

بيد أن السؤال المطروح اليوم على الدبلوماسية الفرنسية يتناول مدى تقييمها لتوافر الشروط التي تراها ضرورية للقبول باتفاق مرحلي ومدى ركونها إلى الضمانات التي تقبل بها إيران بشأن المسائل الأربع التي أجهضت مشروع الاتفاق في اجتماعات جنيف الماضية.

تعتبر مصادر فرنسية أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أميركيا وأوروبيا ودوليا «أنهكت الاقتصاد الإيراني». وبعكس المسؤولين السابقين الذين كانوا ينفون تأثير العقوبات على مستوى المعيشة وعلى حالة السكان، فإن الإدارة الإيرانية الجديدة لا تخفي الهدف الذي تسعى إليه وهو التوصل سريعا لرفع العقوبات وإن جزئيا، وذلك لسببين: الأول تحقيق إنجاز دبلوماسي يثبت شرعية انفتاح الطاقم الحكومي الجديد على الغرب وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص، والثاني تخفيف معاناة الشعب اليومية من خلال تحسين ظروف معيشتهما ليزيد من شعبيته. ويعي الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف والطاقم المفاوض في جنيف أن الفشل سيسحب الشرعية من العهد الجديد وسيقوي حجة المحافظين الرافضين للتوجهات الجديدة. ولذا فإن المفاوضين الإيرانيين مضطرون إلى البقاء ضمن «الخطوط الحمراء» التي أعاد خامنئي تحديدها تحت طائلة فقدان دعمه واهتزاز مواقعهم.

لكن باريس لها حسابات أخرى وفق ما أفادت به لـ«الشرق الأوسط» مصادر ذات علاقة وثيقة بملف المفاوضات، إذ إنها تعتبر أن اللحظة «موائمة» للحصول من إيران على تنازلات وضمانات إضافية لم تحصل عليها الدول الست منذ أن بدأوا بالتعاطي بالملف النووي الإيراني. وتبدو باريس التي التزمت منذ البداية موقفا متشددا من النووي الإيراني مقتنعة تماما بأن غرض البرنامج الإيراني هو إنتاج القنبلة النووية وليس الاستفادة من استخداماتها السلمية. ولذا فإنها ترد على الذين يتهمونها بالعمل لصالح إسرائيل وسعيها لإرضاء بعض الأطراف العربية أن همها الأول المحافظة على صدقية معاهدة منع انتشار السلاح النووي، ولأنها تعتبر أن تحول إيران إلى دولة نووية سيعني فتح باب السباق النووي في الشرق الأوسط، إذ إن دولا مثل مصر والسعودية والجزائر ستنخرط في السباق. وعليه فالوسيلة الفضلى، رغم إشكالية النووي الإسرائيلي، هي قطع طريق النووي العسكري على إيران والسماح لها بالاستفادة من النووي المدني شرط «تأطير» هذه الاستخدامات ومنعها من عسكرتها.

وقال فابيوس أمس إن باريس «تأمل في التوصل إلى اتفاق متين لن يكون بالإمكان بلوغه إلا بالتمسك بموقف متشدد». وأردف فابيوس، في مقابلة صباحية مع القناة الثانية للتلفزة الفرنسية، أن الإيرانيين «لم يجدوا، حتى الآن، أنه يتعين عليهم قبول موقف الدول الست وآمل أن يفعلوا ذلك». ويفهم من قول فابيوس أن الدول الست متمسكون بقبول إيران الشروط الأربعة التي أدخلت إلى نص الاقتراح المقدم لها في 9 نوفمبر الماضي. وبرأي الوزير الفرنسي فإن ممانعة الوفد الإيراني المفاوض سببها وجود «تناقضات» داخل القيادة في طهران.

غير أن أصواتا غير رسمية في باريس، ومن بينها سفير فرنسا السابق لدى طهران نيكولو، تحذر من «لعبة» الدبلوماسية الفرنسية التي إن استمرت على تشددها فمن شأنها إغلاق الباب الذي فتح مع وصول فريق الرئيس روحاني إلى الحكومة في طهران. وتدعو هذه الأصوات إلى التمييز بين الاتفاق المرحلي الذي غرضه إعادة الثقة إلى علاقات طهران مع الدول الست الذي لن يسري إلا لستة أشهر وبين الاتفاق النهائي الذي سيبدأ التفاوض بشأنه مباشرة بعد توقيع الاتفاق المرحلي. ويفترض بهذا الاتفاق أن يحسم موضوع حق إيران في التخصيب وبأية نسبة وأية كميات، فضلا عن المصير النهائي لمفاعل آراك والمسائل الخلافية الأخرى. ولذا تدعو هذه الأصوات إلى إعطاء الدبلوماسية فرصة جدية بدل إسداء خدمة لفريق المتشددين في إيران نفسها وفي الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. وبين هذا الموقف وذاك تتأرجح باريس التي وجدت في الملف النووي الإيراني فرصة للعودة إلى واجهة الساحة الدبلوماسية الشرق أوسطية.