واشنطن تتعهد باحترام سيادة أفغانستان في ظل أي معاهدة أمنية بين البلدين

كرزاي: أقل من 15 ألف جندي أجنبي يمكن أن يبقوا في بلادنا بعد 2014

الرئيس الأفغاني حميد كرزاي خلال حديثه أمام زعماء القبائل في اجتماعات اللويا جيرغا في العاصمة كابل أمس (رويترز)
TT

تعهدت الولايات المتحدة باحترام سيادة أفغانستان في ظل أي معاهدة أمنية دائمة بين البلدين. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما في رسالة رسمية إلى الرئيس الأفغاني حميد كرزاي إن الجيش الأميركي لن يهاجم أي منازل أفغانية، بعد انسحاب القوات الأميركية بنهاية عام 2014، إلا «في الظروف الاستثنائية». وصرح الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أمس أن الاتفاقية الثنائية الأمنية بين كابل وواشنطن لن تقر إلا بعد الانتخابات الرئاسة التي ستجرى في الخامس من أبريل (نيسان)، إذا وافق عليها المجلس التقليدي الكبير (اللويا جيرغا).

وقال كرزاي إن هذه المهلة ستسمح للبلاد بالتأكد من «تعاون» الولايات المتحدة في الاقتراع. وكان كرزاي يتحدث أمام المجلس التقليدي الكبير (اللويا جيرغا) الذي بدأ أعماله أمس لإعلان موقفه من بقاء قوة أميركية في أفغانستان بعد 2014. وقال كرزاي إن «الاتفاق سيبرم عندما تنظم انتخاباتنا بشكل صحيح وبكرامة وعندما نكون متأكدين من أنهم (الأميركيين) يتعاونون معنا في هذه المسألة». ولا يمكن لكرزاي الترشح للانتخابات لأن الدستور لا يسمح له بولاية رئاسية ثالثة. وكان كرزاي يتحدث أمام المجلس التقليدي الكبير (اللويا جيرغا) الذي بدأ أعماله أمس لإعلان موقفه من بقاء قوة أميركية في أفغانستان بعد 2014.

وينص مشروع اتفاق بين واشنطن وكابل نشرته الحكومة الأفغانية أول من أمس على أن يحصل الجنود الأميركيون الذين سيبقون في أفغانستان على حصانة قضائية. ووفقا للمادة 13 من مشروع الاتفاق الذي يحمل تاريخ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 توافق أفغانستان على أن «يكون للولايات المتحدة الحق الحصري في محاكمة» الجنود الأميركيين الذين يمكن أن يرتكبوا جرائم على الأراضي الأفغانية.

وكانت مسألة الحصانة نقطة أساسية في المفاوضات الصعبة بين كابل وواشنطن.

وقال كرزاي إن الجنود الأميركيين سيتمكنون من تفتيش المنازل الأفغانية في حالات استثنائية فقط، وذلك بحسب ما ينص عليه مشروع الاتفاقية التي جرى التوصل إليها بين كابل وواشنطن في وقت متأخر أمس. وقال كرزاي: «أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطاب بعث به إلي الليلة الماضية إن القوات الأميركية لا يمكن أن تدخل المنازل الأفغانية إلا في حالات استثنائية للغاية». وأضاف خلال حديثه أمام مجلس شيوخ القبائل لويا جيرغا لمناقشة مشروع الاتفاقية «كما أكد لي أوباما أن هذه الحالات ستكون عند وجود خطر شديد يهدد حياة المواطنين الأميركيين».

وأعلن كرزاي أن ما بين 10 آلاف و15 ألفا من القوات الأجنبية سيبقون في أفغانستان ما بعد عام 2014 في حال توقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية مع الولايات المتحدة. وقال «سيبقون لعشرة أعوام أخرى للمساعدة وتدريب القوات الأمنية الأفغانية وسيغادرون عام 2024». وأشار كرزاي إلى أن واشنطن تسعى إلى استخدام تسع قواعد في أنحاء أفغانستان من أجل القوات الأجنبية. وأوضح كرزاي أنه لا يثق في الحليف الرئيس لأفغانستان، الولايات المتحدة الأميركية، وأن هذا شعور متبادل. وقال كرزاي خلال الاجتماع المقرر أن يناقش مسودة الاتفاقية الأمنية التي جرى التوصل إليها بين كابل وواشنطن: «الثقة بيني وبين الولايات المتحدة ليست جيدة. فأنا لا أثق بهم وهم لا يثقون بي. فخلال الأعوام العشرة الماضية قاتلت معهم، وهم أثاروا الدعاية ضدي». وأوضح أنه رغم انعدام الثقة بين الطرفين، هناك حاجة للتوقيع على الاتفاقية الأمنية من أجل مستقبل أفضل، وأكثر استقرارا لأفغانستان.

وإذا أقر مجلس لويا جيرغا المعاهدة، فإنها يجب أن تعرض على البرلمان الأفغاني من أجل إقرارها.

وقالت طالبان إنها ستهاجم اجتماع لويا جيرغا واصفة إياه بأنه «مخطط أميركي». وهددت باستهداف المندوبين إذا أقروا المعاهدة. وفجر انتحاري سيارة مفخخة الأسبوع الماضي بالقرب من مقر اجتماع لويا جيرغا، ما أدى إلى مقتل 12 شخصا، معظمهم مدنيون. يذكر أن المعاهدة إذا أقرت من شأنها أن تحدد مستقبل الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان. وقالت الأمم المتحدة إن مستوى العنف في أفغانستان بلغ مستويات قياسية لم يشهدها البلد منذ عام 2010 بعدما صعدت حركة طالبان هجماتها.

من جهته, أكد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في رسالة إلى نظيره الأفغاني، حميد كرزاي، أن الولايات المتحدة سوف تحترم السيادة الأفغانية بموجب الاتفاقية الأمنية الجديدة، وأن الجيش الأميركي لن يهاجم أي منازل أفغانية إلا في ظروف استثنائية - تتعلق بمخاطر تهدد المواطنين الأميركيين - بعد انسحاب معظم القوات الأميركية بنهاية عام 2014.

ونشر البيت الأبيض صباح أمس نص الرسالة التي قال خلالها أوباما: «إننا سوف نستمر في بذل كل جهد ممكن لاحترام حرمة وكرامة الأفغان في بيوتهم وفي حياتهم اليومية تماما كما نفعل لمواطنينا». وأضاف: «بصفة خاصة خلال الفترة الماضية، ضاعفنا جهودنا لضمان أن تحترم قواتنا المنازل الأفغانية وأن تجري عملياتنا بما يتفق مع قوانينكم».

وأنهى أوباما رسالته بتأكيد التضحيات التي قدمها الجنود الأميركيون، من الرجال والنساء، الذين فقدوا حياتهم أو أصيبوا بجروح خطيرة من أجل حماية الأفغان. وحث أوباما كرزاي على إبرام الاتفاقية، وقال: «نحن نتطلع إلى الانتهاء من هذا الاتفاق على وجه السرعة».

وبموجب الاتفاقية الأمنية التي وقع وزير الخارجية الأميركي جون كيري والرئيس الأفغاني حميد كرزاي على مسودتها الأربعاء الماضي، فإنه من المتوقع أن يبقى ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف جندي من القوات التابعة لحلف شمال الأطلسي، إضافة إلى قوات من بعض الدول الإسلامية الأخرى. وتتضمن مسودة الاتفاقية موافقة الحكومة الأفغانية على أن يكون الجنود الأميركيون الباقون في أفغانستان خاضعين للقوانين الأميركية، وهو ما كان موضع خلاف بين الطرفين، وهددت الولايات المتحدة بسحب جنودها في حال رفضت السلطات الأفغانية منحهم حصانة قانونية.

إلى ذلك, يعترف قادة الجيش الأفغاني بصعوبات تواجههم في مواجهة متمردي طالبان دون المساعدات الأميركية من مساعدات مالية وأسلحة ومعدات ودعم لوجيستي. ويسعى الرئيس الأفغاني لتوقيع معاهدة دفاع تتعاون فيها الولايات المتحدة مع أفغانستان بشأن الاستجابة لأي عدوان خارجي تتعرض له أفغانستان. ورغم تصريحات كيري بأنه لن يكون هناك دور قتالي لقوات الولايات المتحدة في أفغانستان بعد عام 2014، فإن مسؤولين عسكريين أوضحوا أن لغة الاتفاقية لا تمنع القوات الأميركية من القيام بعمليات خاصة بالتنسيق مع القوات الأفغانية. ويوضح مارفن وينباوم، المدير التنفيذي لمركز دراسات باكستان بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن هناك اثنتين من نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة وأفغانستان، الأولى تتعلق بمسألة الحصانة لأفراد الخدمة الأميركية المتبقين وخضوعهم (في حال ارتكاب مخالفة) للقانون الأفغاني أم للقانون الأميركي رغم إصرار الرئيس كرزاي على اختصاص القانون الأفغاني بمعاقبتهم، إلا أنه اعترف في نهاية المطاف بأن هذه المسألة خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة.

ويضيف وينباوم: «أما القضية الثانية، فهي تتعلق بحق الولايات المتحدة في دخول وتفتيش المنازل في الغارات الليلية، وقد انتقد كرزاي هذه العمليات التي تسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين، في حين تشعر الولايات المتحدة بقوة بأن هذا الخيار يجب أن يبقى متوافرا للقوات الأميركية بغرض مكافحة الإرهاب بفاعلية، وقد جرى حل هذه المشكلة بتعهد الولايات المتحدة بالقيام بهذه العمليات في ظروف استثنائية فقط».

وتوقع الباحث الأميركي أن يعطي «اللويا جيرغا» الرئيس الأفغاني الغطاء السياسي الذي يحتاجه للمضي قدما في هذا الاتفاق، وأن يحظى الاتفاق بموافقة البرلمان الأفغاني أيضا. وأوضح أن «إعلان كرزاي المفاجئ توقيع الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) هو مجرد إجراء شكلي ولا يشكل مشكلة، إلا إذا كان يعني أن يقوم رئيس جديد بالتوقيع على الاتفاق وإعادة التفاوض عليه، وهذا من شأنه أن يضع صعوبات على خطط الولايات المتحدة لإبقاء بعض قواتها في أفغانستان إلى ما بعد 2014».