نقابة العمال في تونس تلوح بشن إضرابات في قطاعات النقل والصحة والتعليم

التهديد باحتجاجات ضد وزارات تشرف عليها قيادات من «النهضة»

TT

هددت مجموعة من النقابات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) بشن موجة من الإضرابات الاحتجاجية في قطاعات التعليم العالي والنقل والصحة، بسبب تعطل لغة الحوار بين تلك النقابات والوزارات التي تشرف على تسييرها قيادات من حركة النهضة (عبد اللطيف المكي بوزارة الصحة وعبد الكريم الهاروني بوزارة النقل، والمنصف بن سالم وزير التعليم العالي).

ونفى عبد السلام الزبيدي المتحدث باسم رئاسة الحكومة غلبة الطابع السياسي على الاحتجاجات الاجتماعية المتوقعة، ودعا إلى التعاطي الإيجابي مع الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس، وعدم اغتنام الفرصة للتصعيد الذي لا يفيد أي طرف على حد قوله.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة تسعى بكل الوسائل الممكنة إلى تجنب تلك الإضرابات، وهي تعمل مع الوزراء المشرفين على تلك القطاعات على ضمان التهدئة وعدم الانسياق وراء دعوات إغلاق باب الحوار.

وسيطرت لغة التهديد بين الطرفين (الحكومة ونقابات العمال) بعد تحديد تواريخ ثابتة لشن إضرابات، من بينها إضراب قرابة 50 ألف عون في قطاع الصحة يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ويتزامن هذا الإضراب مع وقفة احتجاجية سينفذها في اليوم نفسه اتحاد أصحاب الشهادات الجامعية المعطلين عن العمل.

وفي هذا الشأن، قال سالم العياري رئيس اتحاد المعطلين عن العمل لـ«الشرق الأوسط» إن مسار الثورة لا ينبئ بتحسن ظروف من قامت من أجلهم تلك الثورة، فأعداد العاطلين عن العمل في ازدياد، والحلول تكاد تكون منعدمة.

وأشار إلى انسداد الأفق أمام كثير من الشباب التونسي خاصة من أصحاب الشهادات الجامعية، ودعا إلى حلول هيكلية لظاهرة البطالة.

وفي هذا التوجه العام نحو الشحن الاجتماعي، هددت نقابة النقل بالإضراب في مختلف أنواع النقل البري والجوي والبحري، وذلك يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، هذا بالإضافة إلى تهديد نقابة الأساتذة الجامعيين الباحثين بتحركات احتجاجية بعد «مماطلة الوزارة في إدماج عمال المناولة والأعوان المتعاقدين والتغافل عن الترقيات المهنية».

وطالبت أمس الهيئة الإدارية القطاعية للجامعة العامة للصحة بإقالة وزير الصحة بتهمة محاولة شق صفوف النقابيين داخل قطاع الصحة والتدخل في الشؤون النقابية وكيل التهم للنقابيين.

ويهدد القضاة من ناحيتهم بالعودة إلى الاحتجاج والدخول في إضراب مفتوح بكل المحاكم التونسية، في صورة عدم تراجع وزارة العدل عن التسميات والتمديد لصالح قضاة بعد بلوغهم سن التقاعد. وكانت الهياكل النقابية للقضاة ممثلة في نقابة القضاة وجمعية القضاة قد نفذت إضرابا يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين. وتوعدت القيادات النقابية في سلك القضاء بمواصلة الاحتجاج إلى حين التراجع عن قرارات وزارة العدل.

وقررت نقابة الشباب والطفولة (قطاع الوظيفة العمومية) من ناحيتها، تنفيذ إضراب يوم 13 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وطالبت بسن القوانين الأساسية المنظمة للقطاع الشبابي.

وبشأن هذه التهديدات باللجوء إلى الحق في الإضراب، قال سامي الطاهري المتحدث باسم نقابة العمال لـ«الشرق الأوسط» إن الظرف الاجتماعي والاقتصادي وما يعرفه من تأزم في صفوف الشباب والعائلات، يدعونا إلى وقفة محاسبة للحكومة، حول مجموعة السياسات التي اعتمدها بعد الثورة لتحقيق أهدافها.

ونفى الطاهري أن يكون الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) تسعى بوسائل أخرى إلى الضغط على الحكومة التي تقودها حركة النهضة، وقال إن كل المطالب ذات طابع نقابي ومبنية في معظمها على محاضر جلسات مع وزارات الإشراف، والنقابة لا تطلب على حد تعبيره غير تطبيق تلك الاتفاقات لتفادي الصراع والمواجهة غير المجدية للجميع.

وسبق هذه التهديدات باللجوء إلى الإضراب، إعلان حسين العباسي عن توجه نقابة العمال نحو فتح مفاوضات مع الحكومة للحد من الجباية المجحفة والحيف في الأجور وارتفاع الأسعار وتأثير ذلك على المقدرة الشرائية للتونسيين، وهو ما اعتُبر مؤشرا على العودة إلى الملف الاجتماعي والاقتصادي بعد الفشل في حلحلة الملف السياسي ووجود نقابة العمال في وضع «الخاسر الأكبر» من التكفل بقيادة الحوار الوطني.

العباسي أشار أيضا إلى أن موعد الاهتمام بالملف الاجتماعي سيكون بعد الانتهاء من الحوار الوطني. ويفتح هذا التصريح الباب على إمكانية التصعيد والمواجهة من جديد بين الحكومة ونقابة العمال. وكانت الحكومة قد دعت في السابق إلى تجميد الأجور خلال سنة 2014، والكفّ عن الانتدابات في القطاع العمومي لتجاوز حالة الركود الاقتصادي.

وتخوض حركة النهضة التي تتزعم «الترويكا» الحاكمة حربا على عدد من الواجهات في بلد ينوء بثقل همومه الاقتصادية والاجتماعية وتعثر مساره الانتقالي، ولا تجد حلولا شافية لمجموعة الأسئلة التي يطرحها آلاف العاطلين عن العمل، وتناقلتها آلاف العائلات التي دخلت مرحلة الفقر والخصاصة بعد تنامي الأسعار وتجميد الأجور.

وتدرك حركة النهضة أن تعطل الحوار السياسي مع المعارضة سيقود لاحقا إلى مواجهات مع الأحزاب اليسارية التي تسيطر على معظم النقابات المهنية وتستند إليها في الضغط على الحكومة. وتحرك نقابة العمال بين الفترة والأخرى قواعدها النقابية في المدن الداخلية لفرض بعض الحلول السياسية على «الترويكا» الحاكمة.

ولا تبدو العلاقة بين حركة النهضة ونقابة العمال (الاتحاد العام التونسي للشغل) في أفضل حال خلال السنوات الثلاث التي تلت الثورة، فقد سارت في أكثر من مناسبة نحو المواجهة. من ذلك اتهام رابطات حماية الثورة بمهاجمة قيادات نقابية يوم 4 ديسمبر سنة 2012، وإلقاء فضلات على عدد من مقرات نقابة العمال، والمطالبة بمحاسبة قياداتها لانخراطهم في ركب النظام السابق.