مصر تخفض التمثيل الدبلوماسي مع تركيا وتطرد سفيرها.. وأنقرة ترد بالمثل

المتحدث باسم الخارجية المصرية لـ «الشرق الأوسط»: العلاقات بين البلدين مستمرة

عناصر أمن مصرية تحرس مداخل السفارة التركية في وسط القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

في خطوة تصعيدية، قررت مصر خفض التمثيل الدبلوماسي مع تركيا من مستوى السفراء إلى مستوى القائم بالأعمال. وأبلغت الخارجية المصرية السفير التركي في القاهرة أمس بأنه شخص «غير مرغوب فيه»، وهو ما ردت عليه تركيا بالمثل. وقالت القاهرة إن خطوتها جاءت احتجاجا على ما عدته دعم أنقرة لـ«اجتماعات لتنظيمات تسعى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار»، في إشارة إلى استضافة تركيا لاجتماعات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.

وقال السفير بدر عبد العاطي المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن «بلاده أقدمت على هذه الخطوة بعد دراسة تداعياتها المحتملة، بعيدا عن الانفعال، وبما يعظم المصلحة الوطنية»، مؤكدا أن العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة مستمرة، إلا إذا قررت تركيا قطعها، و«حينها سيكون لكل حادث حديث»، على حد قوله.

وتوترت العلاقات المصرية - التركية في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، إثر مظاهرات شعبية حاشدة طالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهي الخطوة التي عدتها تركيا «انقلابا عسكريا غير مقبول».

وأشار عبد العاطي ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بشأن وديعة تركية لدى البنك المركزي المصري تبلغ مليار دولار، إلى أن بلاده من جانبها لا تنوي في الوقت الراهن رد الوديعة التركية، مؤكدا أن الخارجية على اتصال بالقائم بالأعمال المصري في أنقرة لمتابعة تطورات الموقف.

وقال عبد العاطي، في مؤتمر صحافي أمس، إن مصر قررت استدعاء سفيرها في أنقرة، وطلبت من السفير التركي حسين عوني بوستالي مغادرة البلاد، مشيرا إلى أن خطوة بلاده جاءت بعد أن منحت القاهرة «الفرصة تلو الأخرى للقيادة التركية لعلها تحكم العقل وتغلب المصالح العليا للبلدين وشعبيهما فوق المصالح الحزبية والآيديولوجية الضيقة».

وتابع عبد العاطي قائلا إن القيادة التركية «أمعنت في مواقفها غير المقبولة وغير المبررة بمحاولة تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية، وبدعم اجتماعات لتنظيمات تسعى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في البلاد، وبإطلاق تصريحات أقل ما توصف به أنها تمثل إهانة للإرادة الشعبية التي تجسدت في 30 يونيو (حزيران) الماضي».

وقال بيان الخارجية المصرية إن حكومة مصر «تابعت ببالغ الاستنكار تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة مساء يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري قبيل مغادرته إلى موسكو حول الشأن الداخلي في مصر، التي تمثل حلقة إضافية في سلسلة من المواقف والتصريحات الصادرة عنه تعكس إصرارا غير مقبول على تحدي إرادة الشعب المصري العظيم واستهانة باختياراته المشروعة وتدخلا في الشأن الداخلي للبلاد، فضلا عما تتضمنه هذه التصريحات من افتراءات وقلب للحقائق وتزييف لها بشكل يجافي الواقع منذ ثورة 30 يونيو».

واستدعت القاهرة منذ نهاية يوليو (تموز) الماضي السفير التركي في القاهرة لإبلاغه احتجاجها على انتقادات وجهها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للحكومة الجديدة المدعومة من الجيش.

وسحبت أنقرة سفيرها في القاهرة للتشاور عقب فض السلطات المصرية لاعتصامين مؤيدين للرئيس السابق منتصف أغسطس (آب) الماضي، ما أدى إلى موجة من أعمال العنف سقط خلالها مئات القتلى، وهو الإجراء الذي ردت عليه القاهرة بالمثل.

وكان أردوغان أول من استخدم إشارة رابعة العدوية (كف طويت إبهامها)، التي يستخدمها أنصار جماعة الإخوان المسلمين في مظاهراتهم المعارضة للسلطة الجديدة في البلاد.

وفي أول رد فعل تركي، قال الرئيس التركي عبد الله غل على الهواء مباشرة في قناة «تي آر تي» التلفزيونية الرسمية: «أتمنى أن تعود علاقتنا مرة أخرى إلى مسارها». لكن مسؤولا تركيا قال إن بلاده تعد السفير المصري شخصا غير مرغوب فيه أيضا بعد ساعات من الخطوة المصرية.

ودعمت تركيا الاقتصاد المصري المتردي خلال حكم مرسي، وقدمت حكومتها مليار دولار وديعة في البنك المركزي المصري، لدعم الاحتياطي النقدي الذي تراجع بشدة في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، لكنها أوقفت حزمة مساعدات أخرى بقيمة مليار دولار مقدمة كتسهيلات ائتمانية عقب ثورة 30 يونيو.

ويصل حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا إلى 4.2 مليار دولار، تستحوذ الصادرات التركية لمصر منها على نحو 3.9 مليار دولار، بينما تقدر الاستثمارات التركية في مصر بنحو 1.5 مليار دولار.

من جانبه، قال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن الخطوة المصرية بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة شجعها على الأرجح تحسن الموقف الدولي بشأن ما جرى في مصر في 30 يونيو، لافتا إلى أن الإدارة المصرية رأت في الموقف التركي نشازا عن الموقف الدولي وإصرارا تركيا على النظر للعلاقات بين البلدين من منظور الموقف الآيديولوجي الضيق، وليس من منظور سياسي.

وأشار نافعة إلى أن الميزان التجاري يميل لصالح مصر، ما يعني أن المتضرر الأكبر في فتور العلاقات المصرية - التركية هو الجانب التركي، محملا أردوغان مسؤولية تدهور العلاقات بين البلدين، قائلا: «إن رئيس الوزراء التركي جعل من بلاده ساحة داعمة سياسيا وعسكريا ربما لحرب اغتيالات تشهدها مصر حاليا.. ما يضر ضررا بالغا بالأمن القومي».