مصادر عسكرية تنفي الموافقة على إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في تونس

إحالة أكثر من مائة أمني إلى القضاء على خلفية رفع شعار «ارحل» في وجه الرؤساء الثلاثة الشهر الماضي

TT

خلفت زيارة الجنرال الأميركي ويليام رودريغيز، قائد قوات «الأفريكوم» (القوات الأميركية بأفريقيا)، تساؤلات عدة حول خفايا الزيارة وإمكانية إحياء الأميركيين لطلب قديم بالحصول على موطئ قدم في شمال أفريقيا لمقاومة التيارات الدينية المتشددة.

وسارعت وزارة الدفاع التونسية إلى نفيها الموافقة على بعث قاعدة عسكرية أميركية في تونس مباشرة بعد زيارة رودريغيز، مهندس الحرب الأميركية في أفغانستان، ولقائه علي العريض رئيس الحكومة. وقالت إن «الزيارة كانت بغرض تقديم الدعم الأميركي المادي واللوجيستي لتونس في حربها ضد الإرهاب».

وكان النظام السابق قد صادق على قانون مكافحة الإرهاب في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) 2003 وزج بأكثر من ثلاثة شاب منتم للتيارات الإسلامية الشابة في السجون، بحسب منظمات حقوقية تونسية. واتهم نظام بن علي آنذاك بدعمه المخططات الأميركية وخدمة الأجندات الغربية بعد تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إلا أن تمكين الأميركيين من قاعدة عسكرية لم يطرح على القيادات الأمنية والعسكرية التونسية.

وفي هذا الشأن، قال المختار بن نصر، الخبير العسكري والمتحدث السابق باسم وزارة الدفاع التونسية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحديث عن اتفاق مع قائد «الأفريكوم» على إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في تونس «لا أساس له من الصحة». وأضاف موضحا أن سياسة تونس اعتمدت منذ عقود خلت على رفض الدخول في أحلاف عسكرية أو اتفاقيات دفاع مشترك، وفضلت في المقابل قبول التعاون الثنائي في المجال العسكري والأمني مع عدة دول من بينها الولايات المتحدة الأميركية.

ولا تستبعد مصادر أمنية وعسكرية تونسية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن يكون تخوف الحكومة التونسية من رد فعل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أساسا لرفض أي طلب لقاعدة عسكرية في تونس. وتتخوف دول المنطقة من التورط المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية في حربها ضد الإرهاب، وتسعى إلى تجنب «انتقام» القاعدة في صورة تقديم الدعم اللوجيستي للأميركيين المتشوقين لنقل القاعدة العسكرية الأميركية من شتوتغارت الألمانية إلى مكان يطل على الصحراء الكبرى والاستقرار على مرمى حجر من التنظيمات المتشددة. وتعتقد القيادات الأميركية أن تلك التنظيمات قد وجدت الفضاء مهيأ لمزيد من التطور والامتداد في ظل ضعف الحكومات في دول الربيع العربي، وتأثير التغيرات السياسية على المنطقة بأسرها.

وفي هذا الشأن، قال اعلية العلاني، الخبير في شؤون الإرهاب، لـ«الشرق الأوسط»، إن تونس في حاجة ماسة خلال مواجهتها للتنظيمات الإرهابية للدعم اللوجيستي والمادي في ظل تنامي عمليات الإرهابيين في المنطقة بأكملها. وأشار إلى ظاهرة «إقليمية المواجهة مع الإرهاب» في ظل ارتباط تلك المجموعات الإرهابية وتنسيق أعمالها وتحركاتها الميدانية. وذكر العلاني بتحذير المخابرات الأميركية القيادات الأمنية قبل أسبوعين من اغتيال محمد البراهمي يوم 25 يوليو (تموز) المنقضي، وقال إن تلك الوثيقة تؤكد على وجود تعاون وثيق بين الطرفين. ونفى العلاني حاجة تونس إلى وجود عسكري مباشر على أراضيها وقال إن هذا القرار ستكون عواقبه وخيمة على استقرار البلاد والمنطقة بأسرها خلال الفترة المقبلة.

ويرجع تنامي الظواهر الإرهابية إلى الأول من يوليو 2010، حين نجح مسلحون في قتل 11 عنصرا أمنيا جزائريا قرب مدينة «ين زوايتن» الواقعة على الحدود مع جمهورية مالي. وأشارت التقارير الأميركية حينها إلى تنامي قوة تنظيم القاعدة في الساحل الصحراوي، وهو ما استغربته القيادات الأمنية والعسكرية في كل من تونس والجزائر. وكانت نبوءة قادة «الأفريكوم» في محلها، وتحولت منطقة المغرب العربي وكامل شمال أفريقيا إلى فضاء للتوتر الأمني بعد مواجهات مع الأطراف المتشددة في الجزائر ومالي، واتخاذ الحكومة التونسية قرارا بتصنيف تنظيم أنصار الشريعة السلفي الجهادي في تونس ضمن التنظيمات الإرهابية تحت ضغوط غربية.

في غضون ذلك، واصلت حركة النهضة عقد اجتماعا لمجلس الشورى لليوم الثاني على التوالي برئاسة الشيخ راشد الغنوشي، وحمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة. وبشأن هذا الاجتماع، قال زياد العذاري، المتحدث باسم الحركة، لـ«الشرق الأوسط»، إن ملفي الحوار الوطني والملف الاقتصادي ستكون لهما الأولوية. وتوقع أن يستأنف الفرقاء السياسيون جلسات الحوار خلال الأسبوع المقبل بعد تعميق الاقتراحات حول شخصية رئيس الحكومة المقبل على حد قوله، وأكد التزام حركة النهضة بإنجاح المرحلة الانتقالية.

من ناحية أخرى، شهدت مدينة قابس (500 كم جنوب تونس) مسيرة سلمية اعتراضا على قرار الحكومة التونسية باستثناء قابس من مشروع إحداث مجموعة من كليات الطب بجهات داخلية تونسية. وطالب المحتجون ببعث كلية طب بقابس وهو مطلب يعود إلى سنة 1978، وهددوا بالدخول في إضراب عام يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وكانت وزارتا الصحة والتعليم العالي قد أعلنتا أول من أمس عن مشروع لبعث خمس كليات جديدة للطب بكل من مدنين والكاف وجندوبة والمنستير وسيدي ثابت.

وفي الشأن الأمني، كشف قيادي نقابي في سلك الأمن عن رفع رئاسة الجمهورية التونسية قضية ضد 101 نقابي أمني على خلفية رفع شعار «ارحل» (ديفاج) في وجه الرؤساء الثلاثة بثكنة العوينة الشهر الماضي، خلال موكب تأبين شهيد في صفوف أعوان الأمن.

في غضون ذلك، أعلنت رئاسة الجمهورية عن تعيين محمد هنيد مستشارا أولا لدى رئيس الجمهورية مكلفا بملف الإعلام. وهنيد أستاذ جامعي تونسي بجامعة السوربون الفرنسية، وهو يشتغل في حقل تحليل الخطاب وعلم الدلالة الإدراكي واللسانيات، ويدرس دلالات الخطاب السياسي العربي المعاصر ومنطق العلاقات الدولية.