نتنياهو يصف الاتفاق النووي بـ«الخطأ التاريخي» ويؤكد «حق الدفاع عن النفس»

وزراء إسرائيليون في حل منه وآخرون مع تعديله.. وبيريس يغرد خارج السرب

TT

بدت إسرائيل في حيرة من أمرها أمام اتفاق جنيف الذي وقعته الدول الكبرى مع إيران حول برنامجها النووي، فبينما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق بـ«الخطأ التاريخي»، ملمحا إلى تحرك عسكري ضد طهران عاجلا أو آجلا، أقر وزراء ومسؤولون إسرائيليون بصعوبة مثل هذا التحرك، داعين إلى تكثيف الضغط الدبلوماسي على العالم خلال الأشهر المقبلة لتعديل الاتفاق، فيما غرد الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس خارج السرب، داعيا إيران إلى الالتزام به.

وبدا الغضب على نتنياهو في مستهل الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية أمس، بعد ساعات من توقيع الاتفاق، قائلا: «ما حصل في جنيف ليس اتفاقا تاريخيا، وإنما خطأ تاريخي». وأضاف: «أصبح العالم اليوم مكانا أكثر خطورة، لأن النظام الأخطر في هذا العالم تقدم خطوة أخرى ملموسة نحو امتلاك أخطر الأسلحة في العالم». وتابع متجهما: «لأول مرة، وافقت الدول العظمى على تخصيب اليورانيوم في إيران، متجاهلة قرارات مجلس الأمن التي سعت تلك الدول نفسها إلى تبنيها (داخل المجلس)، وشملت عقوبات مرت سنوات طويلة حتى فعلت وكانت تنطوي على أفضل فرصة للتوصل إلى حل سلمي.. والآن فإنهم يرفعون هذه العقوبات مقابل تنازلات إيرانية تجميلية يمكن أن تتراجع عنها في غضون أسابيع قليلة».

وخاطب نتنياهو وزراءه: «تداعيات هذه الاتفاق تهدد دولا كثيرة وبالطبع منها إسرائيل. إن إسرائيل غير ملزمة بهذا الاتفاق. ولها الحق والواجب في الدفاع عن نفسها وبقواها الذاتية أمام التهديد الذي يشكله النظام الإيراني الملتزم بتدمير إسرائيل». وأردف في لهجة تهديد: «أود أن أوضح بصفتي رئيس الوزراء لدولة إسرائيل، أن إسرائيل لن تسمح لإيران بتطوير القدرات النووية العسكرية».

وهذه ليست أول مرة يتعهد فيها نتنياهو بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لكنه التصريح الأول من نوعه بعد توقيع الاتفاق.

ويشير نتنياهو بوضوح إلى تحرك إسرائيلي منفرد ضد إيران، وهذا ما لمح إليه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان كذلك، قائلا لإذاعة الجيش الإسرائيلي: «إنه اتفاق يؤسس لواقع جديد.. القلق لا يشملنا وحدنا، بل دول المنطقة كافة. وسيكون على دولة إسرائيل من الآن فصاعدا أن تعيد تقديراتها من جديد.. هناك حاجة لدراسة الوضع الجديد الناشئ، وعلى ما يبدو، فإننا سنضطر إلى اتخاذ قرارات.. كل الخيارات الآن مطروحة على الطاولة». وأضاف: «سنضطر إلى اتخاذ قرارات مستقلة وبمعزل عن الولايات المتحدة. إنها الصديق والحليف الأكبر، لكننا قد نتحرك بعيدا عن ذلك، لأن المسؤولية تقع فقط على كاهلنا مع التقدير للمجتمع الدولي والعلاقة المميزة لنا معه ومع الولايات المتحدة».

ولكن عندما سئل ليبرمان عما إذا كانت الولايات المتحدة خذلتهم، قال: «لا سمح الله».

ولا يبدو خيار تحرك منفرد ضد إيران واقعيا الآن أو سريع التنفيذ.

ولا تعتقد أوساط أمنية إسرائيلية أن تل أبيب ستتحرك سريعا. وقالت مصادر أمنية إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ستنتظر ردود فعل ومواقف الدول العربية القريبة والمهمة في المنطقة قبل أن تعيد صياغة الموقف.

وأقر وزير الدفاع المدني الإسرائيلي جلعاد اردان بذلك، وقال: «الاتفاق يصعب كثيرا الحديث عن خيار عسكري الآن». وأضاف اردان، وهو عضو في مجلس الوزراء الأمني الذي يتخذ القرارات المصيرية: «سنواصل مراقبة الأنشطة الإيرانية وممارسة الضغوط من أجل التوصل لبنود أفضل في أي اتفاق نهائي». وتابع: «أمامنا ستة أشهر من الآن ويمكن إجراء تعديلات».

ويؤمن وزراء إسرائيليون بإمكانية إدخال تعديلات على الاتفاق، وحذر وزير الطاقة عوزي لانداو، من أن الاتفاق يفسح المجال أمام إيران لإنتاج أسلحة نووية على جناح السرعة، ومن أن الاتفاق سرعان ما سيصبح اتفاقا دائما. ودعا لانداو إلى بذل جهود حثيثة على الحلبة الدبلوماسية بهدف إظهار مخاطر الاتفاق وتعديله.

وأيد وزير المالية عضو مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يائير لابيد، مواقف لانداو وأردان، وقال: «الاتفاق الدبلوماسي بالطبع أفضل من حرب، الاتفاق الدبلوماسي أفضل من المواجهة الدائمة، ولكن ليس هذا الاتفاق». وأضاف: «سندرس الاتفاق ونطلب إيضاحات. فنحن مثلا لا نفهم ماذا تعني زيادة مراقبة المنشآت الإيرانية؟».

ومن بين الأسئلة التي ستطرحها إسرائيل أيضا، كما أكدت مصادر مسؤولة: لماذا لم يفكك مفاعل آراك، وهو شرط كانت تمسكت به إسرائيل؟

وظهر وزراء إسرائيليون آخرون بصورة أكثر تطرفا من زملائهم. وقال وزير الاقتصاد نفتالي بينت، وهو عضو في مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر: «إسرائيل لا ترى نفسها ملزمة بهذا الاتفاق السيئ للغاية». وأضاف: «إذا انفجرت حقيبة نووية في نيويورك أو مدريد بعد خمس سنوات، سيكون ذلك بسبب هذه الاتفاقية. نحن لن ننتظر ولنا الحق وقادرون على حماية أنفسنا». ووصف وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتز الاتفاق بـ«خدعة إيرانية وأوهام».

وكان من المرتقب أن يتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت متأخر أمس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لوضعه في صورة الاتفاق مع إيران في محاولة لامتصاص الغضب الذي اختصره المحلل الإسرائيلي آفي سخاروف، بقوله: «أوباما غرس سكينا في ظهر إسرائيل».

ووحده الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس غرد خارج السرب، موجها رسالة إلى الشعب الإيراني دعاه فيها إلى تطبيق الاتفاق الذي وقع في جنيف «لأن البديل سيكوم أسوأ وأخطر بكثير». وأضاف أن «الاتفاق الذي وقع مرحلي، وأنه سيختبر بناء على النتائج وليس على الأقوال فقط». وتابع: «إسرائيل ليست عدو الشعب الإيراني، ونحن ندعو إيران إلى اختيار طريق السلام الحقيقي».

أما فلسطينيا، فرحبت الرئاسة بالاتفاق واعتبرته رسالة مهمة لإسرائيل. وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، تعقيبا على الاتفاق: «إننا نريد شرق أوسط خاليا من الأسلحة النووية». وأضاف في تصريح بثته الوكالة الرسمية أن «الجهود الدولية التي نجحت في جنيف، هي فرصة لتفعيل اللجنة الرباعية لأخذ دورها في إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي». وعدّ «الوصول إلى اتفاق في جنيف رسالة هامة لإسرائيل كي تدرك أن السلام هو الخيار الوحيد في الشرق الأوسط».