لجنة الدستور المصري تتجه لحذف «مدنية الدولة».. والكنيسة تجدد تهديدها بالانسحاب

تسريبات عن موافقتها على ترك تحديد «حصة المرأة والأقباط» لرئيس الدولة

TT

كشفت مصادر في لجنة تعديل الدستور المصري لـ«الشرق الأوسط» عن أن الديباجة، التي ناقشها أعضاء «لجنة الـ50» أمس، تخلو من وصف «مدنية الدولة» من مقدمة الدستور بعد أن اعترض الأزهر الشريف على وضع كلمة مدنية «حتى لا يساء تفسيرها»، يأتي هذا بالتزامن مع انفراجة في أزمة النظام الانتخابي في الانتخابات المقبلة، وحصة المرأة والأقباط والفلاحين والعمال في البرلمان، مع اتجاه لترك تحديدهما للرئيس.

وواجهت لجنة الدستور، التي شكلها الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور لتعديل دستور 2012 المثير للجدل، أزمة في مناقشة الديباجة بين الأعضاء حول وضع مدنية الدولة في الديباجة أو حذفها.

وكشف المستشار محمد عبد السلام، ممثل الأزهر ومقرر لجنة المقومات الأساسية في الخمسين، عن أن تحفظ ممثلي الأزهر بلجنة الدستور على جملة «مدنية الدولة» يرجع إلى أن «ما تثيره هذه الكلمة لدى الناس في الفهم، فالبعض يفسرها على أنها علمانية»، مشيرا إلى أن ممثلي الأزهر أكدوا أن «الإسلام لا يعرف الدولة الدينية بمفهومها الغربي، وأن المعنى المراد من مدنية الدولة إنما يتحقق في نصوص الدستور من سيادة القانون وتداول السلطة والفصل بين السلطات والنظام الديمقراطي السليم». بينما هدد الأنبا بولا، ممثل الكنيسة الأرثوذكسية، للمرة الثانية بالانسحاب من لجنة الخمسين مجددا، اعتراضا على حذف «مدنية الدولة»، قائلا «فوجئنا بحذفها من دون الرجوع إلينا. وهو أمر لا نقبله. كما فوجئنا بوضع تفسير كلمة «مبادئ الشريعة» وفقا للمادة 219 دون الرجوع إلينا ونحن لن نقبل به، وهذا كفيل بانسحاب ممثلين للكنائس الثلاث».

وضغط حزب النور السلفي لحذف وصف «مدنية الدولة» من مقدمة الدستور المصري، وقال عضو في لجنة الدستور، جرى حذف «مدنية الدولة» التي توافق عليها غالبية أعضاء لجنة الخمسين، وكشف العضو عن أن النور السلفي أصر هو والأزهر على حذف كلمة «مدنية» من المادة الأولى، مقابل استبعاد المادة 219 (المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية) وهي المادة المثيرة للخلاف في بند مواد الهوية، ووضع تفسير لكلمة مبادئ التي تضمنتها المادة الثانية.

وانسحبت الكنيسة المصرية من دستور عام 2012 الذي هيمن عليه الإسلاميون بعد وضع مادة برقم 219 تفسر المادة الثانية بشكل أكثر تشددا، وهي المادة التي تأكد حذفها من ديباجة الدستور الحالي.

وأكد عضو باللجنة، فضل عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» أن «خلافا شهدته ديباجة الدستور بعد حذف كلمة مدنية»، لافتا إلى أن أعضاء لجنة الخمسين حرصوا على وضع كلمة مدنية للتأكيد على هوية الدولة انطلاقا من مطالب القطاعات العريضة من الشعب التي تطالب بمدنية الدولة؛ وليست الدولة الدينية.

ووفقا لمصادر لجنة الخمسين المنوط بها كتابة الدستور المعدل، وفيما يتعلق بإدراج تفسير «مبادئ الشريعة» في الديباجة، فإن «الأمر لا يزال محل نقاش، ولم يستقر على الصيغة التي سيدرج بها التفسير، وهل سيجري الأخذ بالتفسير الخاص بالمحكمة الدستورية العليا من عدمه»، وأشارت المصادر إلى أن «هناك اتجاها لإلغاء التفسير مع وضع قواعد ضابطه للتشريع».

وفشلت محاولات عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لإنهاء الخلاف المحتدم بين ممثلي الكنائس الثلاث من ناحية، والأزهر وحزب النور من ناحية أخرى، لإنهاء الخلاف القائم حول تضمين تفسير كلمة مبادئ الشريعة في ديباجة الدستور.

وفسرت المحكمة الدستورية عام 1996 كلمة مبادئ الشريعة الإسلامية الواردة في المادة الثانية بأنها «النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة». وتنص المادة الثانية أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع».

وأضافت المصادر أن اللجنة لم تتوصل لاتفاق حول النسب المقررة لحصة «المرأة والأقباط والشباب والعمال والفلاحين» في البرلمان، وقررت إحالة الأمر إلى المشرع؛ وهو الرئيس المصري المؤقت باعتباره من يملك سلطة التشريع حاليا. وتابعت المصادر بقولها إن اللجنة لم تصل لحل في تحديد النظام الانتخابي في البرلمان المقبل، لذلك «جرى ترك تحديد النظام البرلماني للرئيس»، ولوحت على أنه قد يتنوع بين الانتخاب بالنظام الفردي والقائمة أي «المختلط».

من جانبه، قال عضو لجنة الخمسين إن «اللجنة وافقت على أن يحق للبرلمان سحب الثقة من الحكومة بعد موافقة 50% من أعضاء البرلمان، وفي حالة إقالة وزير أو إجراء تغيير وزاري محدود يتطلب الأمر موافقة ثلث أعضاء البرلمان».

وقال المستشار محمد عبد السلام، مقرر لجنة المقومات الأساسية بالخمسين، إن نصوص السلطة القضائية مُرضية لمعظم أعضاء اللجنة، مشيرا إلى أن النصوص التي جرى إقرارها تحقق للسلطة القضائية استقلالها، وتنظم اختصاصاتها بما ينعكس على المواطن، بتحقيق أمله في العدالة الناجزة، وتوفير الجو المناسب لسيادة القانون، وتوفير العدل والمساواة وحفظ حقوق المواطنين وحرياتهم عبر قضاء عادل نزيه.

في ذات السياق، قال المستشار نبيل صليب، رئيس محكمة استئناف القاهرة رئيس اللجنة العليا للانتخابات، في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية في مصر، إن الإعداد للاستفتاء على مشروع الدستور سوف يتطلب مدة شهر على الأقل من تاريخ صدور قرار الرئيس بدعوة الناخبين للاستفتاء، حتى يتسنى إعداد بطاقات الاستفتاء مستوفية البيانات وطباعتها، تمهيدا لتوزيعها على اللجان في كافة أنحاء البلاد، والانتهاء من كافة إجراءات عملية الاستفتاء.

وأضاف أنه من بين تلك الخطوات التي جرى بحثها أيضا إعداد وتجهيز مقار اللجان العامة والفرعية على مستوى مصر، وإعداد كشوف الناخبين بعد تنقيتها، وإعداد كشوف رؤساء اللجان العامة والفرعية من أعضاء الهيئات القضائية وأمناء اللجان من العاملين بالدولة وغيرها من الإجراءات.

ويعد تعديل الدستور السابق أول خطوة في خارطة المرحلة الانتقالية، التي أعلنها الرئيس منصور في إعلان دستوري في الثامن من يوليو (تموز) الماضي، على أن يتبعه إجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية خلال تسعة أشهر من إصدار ذلك الإعلان.