«اللويا جيرغا» في أفغانستان يصادق على الاتفاقية الأمنية مع واشنطن

كرزاي: الاتفاق يجب أن يقودنا إلى السلام وإلا ستقع الكارثة

الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بين أعضاء اللويا جيرغا خلال اليوم الأخير من اجتماعاتهم في العاصمة كابل أمس (رويترز)
TT

افق «اللويا جيرغا»، المجلس التقليدي الأفغاني الكبير، الذي يضم 2500 عضو، أمس، على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة التي أكد الرئيس حميد كرزاي استعداده لتوقيعها، لكنه وضع في المقابل سلسلة شروط. وأضاف: «السلام شرطنا المسبق. على أميركا أن تحقق لنا السلام ومن ثم نوقع هذا الاتفاق». ولم يوضح كرزاي ما قاله، ولكنه كان قال من قبل إن هناك حاجة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لضمان السلام في أفغانستان.

واجتمع المجلس الأعلى للقبائل «لويا جيرغا»، لاتخاذ قرار بشان الاتفاق الأمني، لكن كرزاي أثار الشكوك بشأنها، بقوله إنه سيرفض توقيعها إلى أن تجري الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) 2014. وكانت الولايات المتحدة ذكرت مرارا أنها لا يمكنها الانتظار بعد نهاية هذا العام. لكن كرزاي بدا في كلمة ختامية وجهها إلى الاجتماع الذي استمر أربعة أيام متمسكا بموقفه السابق، وهو أنه لن يوقع على الاتفاق إلا بعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل.

وقال صبغة الله مجددي رئيس المجلس الأعلى للقبائل لكرزاي، في ختام الاجتماع: «إذا لم توقع عليه، فإننا سنشعر بخيبة الأمل». ورد كرزاي قائلا: «حسنا»، ثم غادر المنصة.

وأعلن فضل كريم ايماك نائب رئيس المجلس التقليدي الكبير المنعقد في كابل، منذ الخميس، «موافقة أعضاء (اللويا جيرغا) على هذه الاتفاقية». وأضاف بعد أن وافقت 50 لجنة بالإجماع على الاتفاقية في ختام نقاشات دامت أربعة أيام إن «(اللويا جيرغا) يطلب من الرئيس المصادقة على الاتفاقية قبل نهاية العام الحالي». وهذه الاتفاقية الأمنية الثنائية ستحدد أطر الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان بعد انسحاب جنود حلف شمال الأطلسي، المقدر عددهم بـ75 ألفا في نهاية 2014. ويثير هذا الأمر مخاوف من اندلاع أعمال عنف في البلاد، التي تسيطر حركة طالبان على قسم منها.

فبعد أشهر من المفاوضات الشاقة اتفقت كابل وواشنطن هذا الأسبوع على مضمون الاتفاقية. وأمس، في خطاب اختتام أعمال «اللويا جيرغا»، لم يعلن كرزاي بوضوح أنه قد يعيد النظر في قراره توقيع الاتفاقية، بعد الاقتراع الذي لا يمكنه المشاركة فيه، لأن الدستور الأفغاني يحظر ترشحه لولاية ثالثة. لكنه أعرب عن استعداده لـ«قبول» قرار «اللويا جيرغا» وتوقيع الاتفاقية، مشيرا إلى شروط مسبقة. وقال «هذا الاتفاق يجب أن يقودنا إلى السلام وإلا فستقع كارثة».

ويقول منتقدون إن إصرار كرزاي على عدم التوقيع حاليا على الاتفاق ربما يعكس رغبته في أن ينأى بنفسه عن أي اتفاق مع الولايات المتحدة. ويعتقد البعض أن كرزاي متخوف من أن الولايات المتحدة وبلدانا غربية أخرى ربما تحاول التدخل في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. ولا يحق لكرزاي الذي قضى مدتين رئاسيتين خوض الانتخابات المقبلة.

ويثير هذا الأمر مخاوف من اندلاع أعمال عنف في البلاد التي تسيطر حركة طالبان على قسم منها، بعد أشهر من المفاوضات الشاقة اتفقت كابل وواشنطن هذا الأسبوع على مضمون الاتفاقية. ويعني عدم حسم الاتفاق الأمني انسحابا كاملا للقوات الأميركية لتترك أفغانستان وحدها في مواجهة تمرد حركة طالبان.

جدير بالذكر أن القوات الأميركية موجودة في أفغانستان منذ قادت حملة للإطاحة بحكم حركة طالبان، أواخر عام 2001. وقال وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والدفاع تشاك هيغل ومسؤولون أميركيون آخرون إنه يجب توقيع الاتفاق بنهاية هذا العام لبدء ترتيبات للوجود العسكري الأميركي بعد عام 2014. وأمس، في خطاب اختتام أعمال «اللويا جيرغا»، لم يعلن كرزاي بوضوح أنه قد يعيد النظر في قراره توقيع الاتفاقية بعد الاقتراع الذي لا يمكنه المشاركة فيه، لأن الدستور الأفغاني يحظر ترشحه لولاية ثالثة. ولم تفضِ المحاولات لفتح مفاوضات سلام مع المتمردين التي شاركت فيها الولايات المتحدة، إلى أي نتيجة ملموسة حتى الآن. وترفض طالبان التحاور مع كرزاي لأنها لا تعترف بشرعيته، وتعتبره «دمية» بأيدي واشنطن.

كما أكد كرزاي أن على الولايات المتحدة وقف جميع العمليات العسكرية التي تستهدف منازل أفغانية، والتي تنتهك سيادة البلاد (على حد قوله).

وقال من على منبر «اللويا جيرغا» في قاعة واسعة في حرم معهد الفنون التطبيقية غرب كابل: «إذا عادت الولايات المتحدة مجددا إلى منازلنا فلن يكون هناك اتفاق». ولمح كرزاي إلى أنه سيواصل المباحثات مع واشنطن حول الاتفاقية، حتى إن اختبر صبر أبرز داعم عسكري ومالي لبلاده.

وقال: «سأواصل العمل على الاتفاق. وسأستمر في التفاوض». وقد تترتب نتائج عن توقيع الاتفاق من عدمه على البلاد. وعلى الرغم من الحرب التي استمرت 12 عاما، تبقى الحكومة الأفغانية ضعيفة أمام تمرد طالبان التي طردها تحالف عسكري بقيادة أميركية من السلطة في نهاية 2001.

وفي الجانب الأميركي، فإن توقيع الاتفاقية سيسمح لواشنطن بالاستمرار في الاستفادة من القواعد في منطقة ذات رهانات جيواستراتيجية مهمة، لأن موقع أفغانستان استراتيجي بين إيران وباكستان والهند والصين. وجاء الإقرار الحاسم لمشروع الاتفاقية الأمنية الثنائية من قبل الاجتماع الذي ضم 2500 زعيم في كابل، بعد أربع ساعات من المناقشات في «اللويا جيرغا» أو «المجلس الأعلى».

وفي وقت سابق، أمس، قدم رؤساء اللجان الخمسين في «جيرغا» اقتراحاتهم للرئيس، وبثت مباشرة على شاشات التلفزيون. وأصدر المجلس توصية من 31 نقطة لكرزاي، بينها إجراء تغييرات على مشروع الاتفاقية. وحث وجهاء القبائل واشنطن على تسليم أكثر من 19 سجينا أفغانيا محتجزين في معتقل غوانتانامو في أسرع وقت ممكن. ويعد أحد أكثر المواضيع الشائكة في مشروع الاتفاقية هو منح حصانة للجنود الأميركيين من القانون الأفغاني، في حال ارتكابهم جرائم في أفغانستان.

وقال المجلس إن محاكمات الجنود الأميركيين يجب أن تجري في أفغانستان قدر الإمكان، ويجب أن تجري في وجود محققين أفغان وأعضاء أسر الضحايا، سواء داخل أو خارج أفغانستان.

كما كانت قضية تفتيش القوات الأميركية لمنازل أفغانية واحدة من النقاط العالقة، حيث أوصى المجلس بضرورة إيقاف المداهمات الليلية على الفور. وقال المجلس إنه يتعين على الحكومة الأفغانية إلغاء الاتفاق في حال لم تلتزم الولايات المتحدة بتعهداتها.

كما قال إن القوات الأميركية لا يمكنها إدارة مراكز احتجاز وسجون في أفغانستان، وأوصت بعدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن أي عمليات عسكرية من قبل الولايات المتحدة ضد دول أخرى.

وذكر مشروع الاتفاق أن المتعاقدين الأميركيين يتعين منحهم حصانة من دفع ضرائب في أفغانستان، إلا أن مجلس زعماء القبائل دعا إلى قيامهم بدفع الضرائب كاملة داخل البلاد.

وأدان متمردو طالبان «بشدة»، أمس، قرار «اللويا جيرغا» المجلس التقليدي الأفغاني الكبير، بالمصادقة على الاتفاقية الأمنية الثنائية بين كابل وواشنطن. وقال المتمردون في بيان تلقت وكالة الصحافة الفرنسية نسخة عنه أن «إمارة أفغانستان الإسلامية (التسمية التي استخدمتها طالبان عندما كانت في السلطة) تدين بشدة مجلس (اللويا جيرغا) وقراره».