اتفاق أولي مع إيران يعد بـ«حل شامل».. ويبقي ثغرات في التفسير

تقارير إخبارية تؤكد فتح واشنطن قنوات اتصال مع طهران قبل انتخاب روحاني

وزير الخارجية الأميركي يعانق آشتون بعد الإعلان عن الاتفاق مع إيران في جنيف صباح أمس بحضور وزراء خارجية الدول الست وإيران (أ.ب)
TT

بعد عقد من التوتر الدولي حول الملف النووي الإيراني، أنجزت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا اتفاقا تاريخيا مع إيران وصف بـ«خطوة أولى» لمعالجة الملف النووي الشائك. وبموجب الاتفاق، توقف إيران تخصيب اليورانيوم عند خمس في المائة وتسمح للمفتشين الدوليين لتفتيش مواقع نووية بشكل يومي، وفي المقابل، تتعهد الدول الست بعدم فرض عقوبات جديدة على إيران خلال الأشهر الست المقبلة، بهدف التوصل إلى اتفاق شامل حول ملف إيران النووي خلال هذه الفترة. وبينما «الحل الشامل» يعد الهدف الأهم من الاتفاق الأولي الذي أبرم أمس، ما زالت هناك ثغرات في الاتفاق يجعله من الصعب التأكد من نجاحه خلال الأشهر المقبلة.

ومع اقتراب عقارب الساعة من الرابعة صباح أمس وقع وزراء خارجية مجموعة 5 + 1 وإيران على الاتفاقية التي تحد من النشاط النووي الإيراني مقابل تعليق بعض العقوبات المفروضة على طهران. وعقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، رئيس وفد بلاده في المفاوضات التي دارت بجنيف وتمت كمرحلة أولى بعد ثلاث جولات، مؤتمرا صحافيا في الرابعة فجرا ليعلن أن «الاتفاق أقر بحق إيران في تخصيب اليورانيوم بأراضيها أي اعترف بحق إيران في التخصيب»، واصفا الاتفاق بالأهمية لكونه فرصة تتيح إعادة الثقة في سلمية النشاط النووي الإيراني في الرابعة و55 دقيقة من صباح أمس، عقد وزير الخارجية الإيراني جون كيري مؤتمرا صحافيا في ذات القاعة التي استضافت ظريف وأمام ذات الحشد من الصحافيين قال، إن «الاتفاق لا يعترف بحق إيران في التخصيب»، مشيرا إلى أن الاتفاق ومدته ستة أشهر لا يستبعد القوة كخيار في حال عدم التزام إيران، مع تأكيده أنه هو ورئيسه باراك أوباما يفضلان الحل الدبلوماسي.

ولحظات بعد إعلان خبر الوصول للاتفاق، وصفه الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه اعتراف دولي بحقوق إيران النووية مهنئا فريق المتفاوضين بينما وصف بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الاتفاق بأنه «خطأ تاريخي» وصفقة سيئة.

هذا التباين وتفسير كل للاتفاق حسب وجهة نظره لم يقتصر على مجرد التعليقات بل شمل حتى تفسير نقاطه نقطة تلو الأخرى خاصة من قبل وجهتي النظر الإيرانية مقابل الأميركية. وعلى سبيل المثال تقول إيران، إن الاتفاق ألغى الحظر على قطاع النفط بينما قال كيري، إن رفع الحظر جزئي ويبقيه عند مستوياته الحالية المنخفضة، وسيتم السماح بنقل سبعة مليارات دولار من حصيلة المبيعات على دفعات بشرط التزام إيران بتنفيذ شروط الاتفاق كافة.

وأجمع الطرفان أن الاتفاق في حال تنفيذه يعتبر خطوة أولى مهمة وصولا لخطوة ثانية أشد وأصعب لحل قضية الملف النووي الإيراني التي شغلت المجتمع الدولي لأكثر من عقد من الزمان ودفع ثمنه الشعب الإيراني الذي عانى من العقوبات والحظر.

هذا وكان الوصول للاتفاق بمثابة مخاض عسير وحار استمر يوم أول من أمس فقط لأكثر من 18 ساعة ما بين محادثات ثنائية وثلاثية وجماعية ارتقى مستواها من المدراء والخبراء للوزراء برفقة لم تنقطع ووجود تام لمفوضة الشؤون الدبلوماسية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون.

إلى ذلك أجمعت مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» في جنيف على صعوبة التفاوض بسبب انعدام الثقة بين المتفاوضين، وللاهتمام بأصغر التفاصيل منذ الجلسة الأولى خاصة عندما دخلت المفاوضات اللحظات الحساسة في مراحل الصياغة والتدوين واختيار المفردات والعبارات. ورغم أن المحادثات بدأت واستمرت باللغة الإنجليزية كلغة مشتركة يجيدها ظريف وأفراد وفده فيما حرص الوفد الأميركي، على وجه الخصوص، أن يكون ضمن وفده من يتحدث الفارسية وتم توكيله بالرد على أسئلة الإعلاميين الإيرانيين فقط لدرجة رفضه الرد على أسئلة إعلاميين آخرين بدعوى أنه غير مخول.

من جانبهم أبدى رئيس الوفد الإيراني ظريف ونائبه عباس عراقجي اهتماما واضحا بإرسال إشارات عبر حساباتهم في صفحات التواصل الاجتماعي سواء «تويتر» أو «فيس بوك» ومن ذلك تغريدة بعث بها ظريف ظهر اليوم الثالث للتفاوض قال فيها: «وصلنا مرحلة بالغة الصعوبة صلوا من أجلنا» طالبا الدعوات ليتمكنوا من الحفاظ على ما وصفه بحقوق الشعب الإيراني.

وفي جنيف، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو أول العائدين لجنيف حيث لعب دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر خاصة وأن روسيا تربطها علاقات نووية واقتصادية ومصالح قوية مع إيران، وحسب مصادر فإن موسكو تعتبر من أول الكاسبين برفع عقوبات عن إيران.

وبعد ساعات من إبرام الاتفاق، لفت وزير الخارجية الأميركي إلى أن المرحلة «الأصعب» قد بدأت الآن وهي السعي إلى التوصل إلى اتفاق كامل مع إيران حول برنامجها النووي، وقال كيري وإلى جانبه نظيره البريطاني ويليام هيغ في مقر إقامة السفير الأميركي في لندن التي وصلها قادما من جنيف «الآن، بدأ فعلا القسم الأصعب، وهو الجهود التي ستبذل للتوصل إلى الاتفاق الكامل الذي سيتطلب خطوات هائلة على صعيد التحقق والشفافية والمسؤولية».

وفي تعليق حول تداعيات الاتفاق النووي قال مصدر رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن «تصريحات المسؤولين الإيرانيين سواء الرئيس روحاني ووزير الخارجية مقصود بها الاستهلاك المحلي». وأضاف أن «إيران وفقا للاتفاق عليها وقف عمليات التخصيب طيلة الستة أشهر القادمة وإلا اعتبرت غير متجاوبة وغير ملتزمة مما سيمهد الاتفاق ويحرم حكومة طهران مما تم الاتفاق عليه كمقابل برفع بعض العقوبات وفك الحظر عما تقدر قيمته بـ7 مليارات دولار». ولفت المصدر المطلع إلى أن آليات الرقابة والتفتيش على مدى الالتزام الإيراني ستكون دقيقة وحازمة عبر لجنة مشتركة وعبر المفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية.

وينص الاتفاق على إلزام إيران بتعليق كل عمليات تخصيب اليورانيوم التي تتجاوز نسبة خمسة في المائة في إشارة لتجميد التخصيب بنسبة 20 في المائة الموصوفة بأنها الأصعب وصولا لتخصيب بنسبة 90 في المائة المطلوبة في حالة رغبت إيران في إنتاج قنابل نووية. ويذكر أن إيران تمتلك 196 كيلوغراما مما خصبته بتلك النسبة العالية. إلى ذلك أكد الاتفاق على أهمية أن تعلق إيران عمليات التخصيب بالنسبة الأصغر 3.5 في المائة ولإيران من هذه النسبة ونسبة خمس ما تقدره الوكالة بأكثر من سبعة آلاف كيلوغرام. ومطلوب من إيران طيلة فترة الستة أشهر(وهي الفترة المحددة للاتفاق) ألا تزيد من تركيب أي أجهزة طرد مركزي خاصة تلك التي من الجيل الجديد وهي الأسرع والأكثر حداثة.

وسيتم فك حظر على عقوبات فرضت على الذهب ومعادن نفيسة وعقوبات مصرفية وصادرات بتروكيماوية بمبلغ 1.5 مليار دولار كما يسمح لها بإجازة إصلاحات تتعلق بسلامة الخطوط الجوية الإيرانية وإجازة تحويل 400 مليون دولار لمؤسسات تعليمية وتسهيل تحويلات لشراء أغذية ومواد طبية ومساعدات إنسانية قال جون كيري في معرض حديثه إنها «لم يكن مفروض أن تحظر في المقام الأول».

وبعد ساعات من إعلان التوصل إلى الاتفاق، كشفت وسائل إعلام أميركية أن الولايات المتحدة مدت جسورا إلى الإيرانيين منذ أشهر بهدف إنجاح الاتفاق. وأفادت وكالة «أسوشييتد بريس» أن مسؤولين أميركيين بقيادة وكيل وزير الخارجية ويليام بيرنز مدوا جسورا للإيرانيين منذ مارس (آذار) الماضي، أي قبل انتخاب روحاني بأكثر من ثلاثة أشهر. وأفادت الوكالة الأميركية أن اللقاءات بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين جرت في عمان، وأنه بعد تولي روحاني الرئاسة عقد لقاءين «فورا» في أغسطس (آب) ، تلاهما لقاءان في أكتوبر (تشرين الأول) ، مما مهد للاتفاق النووي في جنيف. ونفت الخارجية الإيرانية إجراء اللقاءات الثنائية مع الأميركيين، بينما رفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على التقرير. وسارع وزير الخارجية الأميركي إلى طمأنة الأطراف القلقة من الانفتاح الأميركي المبكر على طهران، مؤكد أن «هناك جوانب أخرى في سلوك إيران في حاجة لتغيير من أجل حدوث تطور في العلاقات على المدى البعيد».

وهناك مخاوف من عرقلة الكونغرس الأميركي مسار العمل على اتفاق نهائي مع إيران. وأعلن عدد من النواب الأميركيين أمس أن على الكونغرس الأميركي أن يبقى على موقفه ويتبنى قرارا بتشديد العقوبات الأميركية الحالية المفروضة على إيران، لكن هذه العقوبات الجديدة لن تدخل حيز التطبيق خلال الأشهر الستة المقبلة إذا التزمت إيران بالاتفاق.