خسائر قطاع الكهرباء السوري في ازدياد.. وتكلفة إصلاحه تتخطى ملياري دولار

السلطات تقر بانخفاض الإنتاج بنسبة 28%.. وتكرار غرق محافظات بأكملها في الظلام

TT

تكررت في الأسابيع الأخيرة ظاهرة غرق محافظات أو مناطق سورية بأكملها في ظلام دامس نتيجة ما يصفه مسؤولون رسميون بـ«اعتداء الإرهابيين» على خطوط غاز أو محطات التوليد والإنتاج. وفي حين اعتادت محافظات عدة منذ بدء أزمة سوريا على انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وارتفاع ساعات التقنين، اعترف وزير الكهرباء السوري عماد خميس، الأسبوع الماضي، بانخفاض توليد الكهرباء بنسبة 28%، بموازاة انخفاض الطلب على الطاقة بنسبة 22%، نتيجة توقف بعض المعامل والمصانع.

وتظهر مراجعة سريعة للأحداث الميدانية منذ شهر تقريبا، إعلان النظام السوري، من خلال وسائل الإعلام المحسوبة عليه أو من خلال مصادر رسمية، انقطاع الكهرباء بالكامل عن محافظات عدة، حيث تكرر قطع الكهرباء في العاصمة دمشق وريفها، بعد استهداف خط الغاز العربي في منطقة البيطارية القريبة من مطار دمشق الدولي بالغوطة الشرقية، في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي حين انقطع التيار الكهربائي عن حلب، شمال سوريا في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي نتيجة «اعتداء إرهابي على محطة توليد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن «مصدر في وزارة الكهرباء السورية»، انقطع التيار الكهربائي في 17 من الشهر الحالي عن كل محافظة دمشق وريفها والمحافظات الجنوبية درعا والسويداء والقنيطرة، ومحافظة حمص وسط سوريا. وقال وزير الكهرباء السوري إن ذلك نتج عن «تخريب المجموعات الإرهابية المسلحة خطوط التوتر العالي المغذية للمنطقة الجنوبية».

في موازاة ذلك، انقطع التيار الكهربائي، منذ فجر أمس عن محافظة دير الزور بسبب «سيطرة مقاتلي (جبهة النصرة) على حقل العمر للغاز الذي يغذي مدينة حمص»، وفق ما ذكره «مكتب أخبار سوريا»، لافتا إلى أن «حمص تعتبر مصدر التيار الكهربائي في دير الزور عبر خط الجندلي».

ووفق وزارة الكهرباء السورية، فإن التحدي الأكبر يكمن في تأمين الوقود إلى المحطات الحرارية؛ «إذ لديها ثلاثة آلاف ميغاواط متوقفة عن العمل لعدم توفر الوقود، إضافة إلى وجود 68 خطا لنقل الكهرباء خارج الخدمة نتيجة الاعتداءات المتكررة على هذه الخطوط»، وفق ما نقلته «سانا» عن الوزير خميس.

وتظهر البيانات الإحصائية الصادرة عن وزارة الكهرباء السورية بلوغ الطلب على الكهرباء العام الماضي نحو 50 مليار كيلوواط في الساعة، فيما تتوقع ازدياده العام الحالي إلى 148 مليار كيلوواط في الساعة.

وفي حين قدر خميس، وزير الكهرباء السوري، تجاوز خسائر القطاع الكهربائي خلال أزمة سوريا، عتبة 80 مليار ليرة سورية (أكثر من 600 مليون دولار أميركي)، حيث تتراوح الخسائر اليومية بين 100 و150 مليون ليرة سورية، وفق ما أعلنه منتصف الشهر الحالي، يقدر تقرير صادر أخيرا عن «مجموعة عمل اقتصاد سوريا»، التي يرأسها الدكتور أسامة قاضي، مساعد رئيس الحكومة السورية المؤقتة للشؤون الاقتصادية، ما جرى تدميره من شبكة الكهرباء حتى نهاية عام 2012 بـ150 مليون دولار أميركي، وفق تقارير دولية تعتمد على بيانات وزارة الكهرباء السورية.

لكن التقرير، الذي يتناول قطاع الكهرباء في سوريا ويصدر في إطار سلسلة تقارير حول «الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة»، يقدر أن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير، مستندا في ترجيحاته هذه إلى أن «الإحصاءات المتداولة تفيد بتدمير 2.4 مليون منزل في سوريا، وهذا العدد من المنازل يحتاج إلى ما بين مليار و1.2 مليار دولار فيما يتعلق بالكهرباء، عدا المشافي والمتاجر المحترقة والمستودعات والمصانع المدمرة..».

ويؤكد التقرير الصادر قبل يومين عن «مجموعة عمل اقتصاد سوريا» الحاجة إلى «عدد كبير جدا من محطات ومراكز التحويل والكابلات والأمراس، بجميع أنواعها»، مقدرا تكلفة «إعادة بناء ما تهدم فيما يتعلق بتكاليف شبكة الكهرباء العامة وتوابعها والأضرار الناتجة عن المباني المهدمة، بنحو ملياري دولار على الأقل».

وفي حين تعدّ نسبة الهدر في قطاع الكهرباء في سوريا من أعلى النسب المسجلة في العالم، يتوقف التقرير عند «التحديات الكبرى» التي يواجهها قطاع الكهرباء، ليس نتيجة الدمار الناتج عن الأزمة التي تعصف بالبلاد فحسب؛ بل نتيجة الوضع البائس للقطاع في مرحلة ما قبل الأزمة، والتحديات المستقبلية التي ستواجه سوريا بسبب الانخفاض في كميات النفط.

وحول ما يتعلق بخسائر الاقتصاد السوري جراء انقطاع الكهرباء، ترجح التقديرات تراوحها بين 30 و40 مليار دولار أميركي، علما بأن تقارير عدة تقدر أن الخسارة الكلية التي تعرضت لها سوريا نتيجة التدمير تجاوزت عتبة 200 مليار دولار، من دون خسائر البنى التحتية والمرافق العامة.

يذكر أن نسبة توليد الطاقة الكهربائية بواسطة النفط والغاز تتراوح بين 90 و93% من كمية الطاقة الكهربائية الكلية المنتجة في سوريا، وهي موزعة بنسبة 62% على التوليد باستخدام الفيول، و31% للتوليد باستخدام الغاز الطبيعي، في حين يجري توليد النسبة الباقية باستخدام المحطات الكهرومائية المنشأة على السدود، وجزء يسير باستخدام الكتلة الحيوية والطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقات الهجينة.

ويوضح التقرير ذاته، الصادر عن «مجموعة عمل اقتصاد سوريا»، أن تكلفة الوقود السنوية اللازمة لتشغيل محطات توليد الطاقة تصل إلى ما يقارب 1.5 مليار دولار. ويؤكد التقرير أن هذا الرقم «ليس بقليل ويحتاج إلى استثمارات كبيرة لتغطيته». وينطلق من تقارير عدة في هذا الصدد ليؤكد أن سوريا تحتاج إلى استثمارات لا تقل عن ملياري دولار لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، خصوصا في العاصمة والمحافظات الجنوبية، في حال توليد الكهرباء بواسطة الدورة المركبة العاملة على الغاز الطبيعي، في حين تتضاعف التكاليف في حال التوجه لاستخدام الطاقات البديلة، علما بأن الطلب على الطاقة الكهربائية في سوريا يزداد سنويا بنسبة 10 في المائة.

ويخلص التقرير إلى تأكيد حاجة سوريا في المرحلة المقبلة إلى قروض طويلة الأجل والتقنية اللازمة من أجل النهوض بقطاع الكهرباء، مطالبا بإشراك رجال الأعمال السوريين والعرب في عملية تطوير القطاع وتشجيعهم على الاستثمار بعد وضع القوانين اللازمة للحفاظ على استثماراتهم وحمايتها.