مصادر فرنسية: لم نفاجأ بخبر المفاوضات السرية الأميركية ـ الإيرانية

قالت إن تغييرا «جذريا» حصل في الملف النووي يمكن أن يقود لتسوية نهائية

TT

بينما توافرت تفاصيل كثيرة عن اللقاءات السرية الأميركية - الإيرانية الثنائية التي مهدت لاتفاق جنيف حول النووي الإيراني، قالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى إنها «لم تفاجأ» بهذه المعلومات، وإنها «كانت تعرف» بوجود مفاوضات ثنائية بعيدا عن مفاوضات مجموعة «5+1» مع ممثلي الجانب الإيراني. وأضافت هذه المصادر أن التعاطي مع الملف النووي «أخذ بعين الاعتبار» هذا الجانب، مشيرا إلى وجود «تنسيق» ولكن من غير إعطاء تفاصيل إضافية حول طبيعة هذا التنسيق. وبالمقابل، فإنها أشارت إلى أن الاتصالات الثنائية التي وصلت إلى علم باريس حصلت بعد وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية، أي بعد شهر يونيو (حزيران) الماضي. لكنها في الوقت عينه «لم تستبعد» أن تكون قد سبقتها اتصالات أخرى قبل نهاية رئاسة أحمدي نجاد.

غير أن صحيفة «لوموند» نقلت عن معلومات لمراسلها في واشنطن أن وجود الاتصالات السرية لم يكشف لشركاء أميركا في المفاوضات مع إيران إلا بعد الاتصال الهاتفي الذي حصل بين الرئيس باراك أوباما وحسن روحاني أثناء وجود الأخير في نيويورك بمناسبة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أي نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. ووفق أوساط سياسية مطلعة في باريس، فإن رد الفعل الفرنسي السلبي على ورقة التفاهم بين الدول «الست» وإيران يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، في الجولة السابقة من المفاوضات في جنيف، جاء بمثابة «رسالة» من باريس إلى واشنطن ردا على المفاوضات السرية التي جرت من وراء ظهر الفرنسيين والأوروبيين الآخرين.

وسعت باريس لاحقا لإبراز التناغم التام بين «الست» عبر تأكيدها أن الورقة النهائية التي قدمت لإيران جاءت باسم ممثلي الدول الست الذين وافقوا جميعا عليها، والتي بدأت على أساسها المناقشات الأخيرة في جنيف. وأكدت المصادر المشار إليها التي رافقت عن قرب جولات المفاوضات في جنيف وقبلها في مدن أخرى أنه «حتى آخر لحظة لم يكن المشاركون في المفاوضات متأكدين من الوصول إلى اتفاق»، والذي رفض اعتباره «انتصارا لفريق على آخر»، بل وصفه بأنه «نص مشترك قدم فيه الطرفان تنازلات متبادلة»، وأن الغرض اليوم هو الانطلاق منه للوصل إلى اتفاق نهائي الذي يمثل «التحدي» الكبير.

وحرصت المصادر الفرنسية على نفي الصورة الشائعة التي تجعل من الفرنسي «رجل التشدد» بينما الأميركي مثل دور «الرجل الضعيف»، مشيدة في الوقت عينه بالدور «الرائع» الذي لعبته في المفاوضات وفي إنجاحها «وزيرة» الشؤون الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون.

وترى باريس أن الاتفاق «فتح أفقا رحبة» للتوصل إلى اتفاق نهائي حتى عام من الآن، بموجب نص الاتفاق الصالح لستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة. وتؤكد المصادر الفرنسية أن التحدي الأكبر الذي سيواجه المفاوضين هو كيفية التعاطي مع الوسيلتين اللتين يمكنهما تمكين إيران من الوصول إلى السلاح النووي أي تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم. وهذا يعني بحسبها أن العقبتين اللتين سيكون التغلب عليهما صعبا ستكونان حق إيران في التخصيب ومصير مفاعل أراك الذي غرضه إنتاج البلوتونيوم. وردا على استفسار «الشرق الأوسط» عما إذا كان هدف «الست» من الاتفاق النهائي تضمينه نصا يقول بتخلي إيران عن التخصيب، جاء الجواب كالتالي «الغرض هو أن تتأكد الأسرة الدولية من أن برنامج إيران النووي «سلمي فقط». وبرأيها، فإن تدابير الثقة المنصوص عليها في اتفاق صبيحة الأحد من شأنها توفير المناخ اللازم للنظر بأمل إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي.

وكررت هذه المصادر أكثر من مرة أن الاتفاق بكليته علني وتم نشره، وأنه «ليست هناك أي تفاهمات أو تدابير سرية». وبرأيها واستنادا للنص، فإن الاتفاق «لا ينص على حق إيران في التخصيب»، بل ينص على حقها في برنامج نووي سلمي، مضيفا أن كل المسائل التي لم تحل في الاتفاق المرحلي يجب أن تسوى في الاتفاق النهائي. وتريد باريس السير سريعا في رفع العقوبات التي تم التوافق على رفعها. بيد أن المباشرة في هذا التدبير يفترض تصويت وزراء الخارجية الأوروبيين الـ28 عليها في اجتماعهم المرتقب يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ويتعين ألا تعارض أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي رفع بعض العقوبات، لأن لكل من الأعضاء الـ28 حق النقض (الفيتو) على المستوى الأوروبي.

وترى باريس أن الاتفاق نزع فتيل التفجير من المنطقة وحرم إسرائيل من إمكانية توجيه ضربة عسكرية للإنشاءات النووية الإيرانية. وقال وزير الخارجية لوران فابيوس، في حديث إذاعي صباحي، إن «أحدا لا يمكن أن يتفهم» أن تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية في الظروف الحالية، وبينما يجري تنفيذ مضمون الاتفاق الذي وافقت عليه الدول الست الكبرى. ومن المنظور الفرنسي، فقد حصلت باريس على ما أرادته من الاتفاق الذي ينص على الشروط الأربعة التي أملتها من أجل الموافقة وهي: وضع كل الإنشاءات الإيرانية تحت الرقابة الدولية ووقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة و«تحييد» المخزون الإيراني من هذه المادة وتجميد العمل في مفاعل أراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة ولإنتاج البلوتونيوم.

ورغم حرص الغربيين على الفصل بين الملف النووي الإيراني والملفات الأخرى التي لإيران دور فيها مثل الملف السوري والوضع الإقليمي، فإن باريس ترى أن التوصل إلى اتفاق نووي «سيريح» الأجواء مع إيران، مما قد ينعكس استعدادا منها للتعاون في الملفات الأخرى وأبرزها الملف السوري. وحتى الآن، يربط الغربيون مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف 2» الذي قررت الدعوة إليه أواخر ديسمبر المقبل، بإعلانها قبول خلاصات مؤتمر «جنيف 1»، وتحديدا القبول بتشكيل حكومة انتقالية تعود إليها كل الصلاحيات التنفيذية للحكومة السورية والرئاسة.