العاهل المغربي يدعو النواب إلى الإسراع في إخراج القوانين التنظيمية

كريم غلاب: البرلمان ليس مجرد بناية جامدة في قلب العاصمة

كريم غلاب رئيس مجلس النواب المغربي خلال الندوة التي نظمها البرلمان أمس بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسه («الشرق الأوسط»)
TT

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس البرلمان إلى الخروج من الفترة الدستورية الانتقالية، والإسراع في إخراج القوانين التنظيمية، ذات الأولوية، كما دعا إلى جعل ما تبقى من الولاية التشريعية الحالية «طفرة نوعية في الإنجاز التشريعي».

وقال الملك محمد السادس، في رسالة وجهها إلى المشاركين في ندوة نظمها البرلمان المغربي بغرفتيه «النواب» و«المستشارين»، أمس بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسه، تلاها كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، إن مخطط تأهيل وتطوير عمل مجلس النواب، يعد بمثابة خطوة واعدة في اتجاه تحسين أدائه في التشريع والمراقبة، وتعزيز انفتاحه وتواصله مع محيطه، وبالتالي في نجاح الولاية التشريعية الحالية، بيد أنه شدد على ضرورة توفر عدد من الشروط لضمان نجاح وتملك أي مخطط لتحديث المؤسسة البرلمانية في البلاد وأبرزها توفر الإرادة السياسية لدى النواب، «مقرونة بتحمل الأمانة العظمى لصفة التمثيلية، بما تفرضه من واجبات قائمة على الوفاء لثوابت الأمة، ومن حرص على خدمة الصالح العام». وهو ما يوافق، يضيف العاهل المغربي، دلالات الميثاق الأخلاقي وحسن السلوك، الذي دعا إلى اعتماده خلال افتتاح الدورة البرلمانية السابقة.

ودعا الملك محمد السادس أعضاء البرلمان إلى «المزاوجة بين الاستقامة السياسية والنزاهة الفكرية والأخلاقية، وبين التحلي بروح المسؤولية العالية»، كما دعا إلى توفر الطاقم الإداري للمؤسسة البرلمانية على الكفاءة المهنية، مشيرا إلى أن نهج الحكامة البرلمانية الجيدة، الذي سبق أن دعا إليه «ينبغي أن يصبح سلوكا ثابتا لمؤسستكم، ثقافة وممارسة».

وأوضح العاهل المغربي أن الدستور الحالي جعل هذه الولاية التشريعية ولاية تأسيسية بامتياز، لاعتبارين اثنين، أولهما في مجال التشريع، حيث أصبح البرلمان المصدر الوحيد للتشريع، وثانيهما في مجال تقييم السياسات العمومية، حيث أقر الدستور، لأول مرة، هذه المهام لصالح البرلمان، وبذلك يوكل الدستور إلى البرلمان مهمة ضمنية، تكمن في رسم وإطلاق نموذج عمل الولايات التشريعية المقبلة.

ونوه ملك المغرب بالمجهود المبذول من طرف أعضاء مجلسي البرلمان في مجال المبادرة التشريعية، سواء بالنسبة للقوانين التنظيمية أو العادية.

وذكر العاهل المغربي أنه من الضروري، في إطار ولاية تشريعية مؤسسة وانتقالية، الالتزام بقيام تعاون هادئ وبناء بين الحكومة والبرلمان خلال المسار التشريعي، ضمانا لنجاح الولاية الحالية، وذلك من خلال إيجاد الصيغ الملائمة لتجسيد هذا التعاون، كمبدأ دستوري، متلازم مع مبدأي الفصل بين السلطات وتوازنها.

ودعا الملك محمد السادس نواب البرلمان أيضا إلى الإسراع في إخراج القوانين التنظيمية مع مراعاة الأسبقية فيما بينها، خاصة القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، وتلك المتصلة بالحكامة الترابية، كمرحلة إعدادية لانبثاق النموذج المغربي في الجهوية المتقدمة. مما يتيح، في الحالة الأولى، تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفي الحالة الثانية، انتخاب مجلس المستشارين في صيغته الدستورية الجديدة. وأكد أن الهدف المنشود يظل، ليس فقط هو الخروج من دائرة الانتقال الدستوري، ولكن أيضا الوصول إلى استعمال كل الإمكانات التي يتيحها القانون الأسمى، في إطار ممارسة سياسية ومؤسسية طبيعية.

من جهته، قال كريم غلاب، رئيس مجلس النواب المغربي، إن الإصلاحات الدستورية الأخيرة هي التي مكنت المغرب من التمتع بالانفتاح والاستقرار السياسي والمجتمعي، مشيرا إلى أنه «بهذه الثقة المتبادلة بين نظام الدولة ونظام المجتمع، أمكن للمغرب أن يكون في الموعد غداة الهزات الكبرى التي شهدها الوطن العربي خلال ما وصف بالربيع العربي سنة 2011، فأنجز المغرب ثورته الهادئة وعزز الإصلاحات التي كانت أوراشها مفتوحة من قبل».

وأضاف غلاب «لم نفعل أكثر من أننا سرّعنا المواعيد التي كانت مسطّرة في الأجندة الوطنية، وكثّفنا الجهد والأداء. وهكذا، لم نخاطر بشيء، ولا تهوّر شبابنا ونخبنا السياسية والاجتماعية والثقافية، ذك لأن الساعة الديمقراطية أصبحت ساعة الجميع في الزمن المغربي الراهن. فلم يعد المغاربة جميعا، ملكا وبرلمانا وحكومة وشعبا، يختلفون حول توقيتها ومواعيدها».

وقال غلاب إن البرلمان في مغرب اليوم ليس مجرد بناية جامدة في قلب العاصمة الرباط، ولكنه أضحى مؤسسة حقيقية مؤثرة مسموعة وفاعلة من مؤسسات الدولة. وإن أي حكم موضوعي، سيأخذ بالاعتبار أن لا أحد اليوم يطعن في مصداقية هذه المؤسسة، وفي حقيقتها التمثيلية على أساس اقتراع عام وشفاف.

أما عبد الواحد الراضي، رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، ورئيس مجلس النواب السابق، فقال إن التحدي الأكبر بالنسبة للديمقراطية البرلمانية في العالم حاليا يكمن في العلاقة بين البرلمان والمواطنين، وهو ما يقتضي، من وجهــة نظره، العمل على توطيد متواصل لعلاقة المواطنين بممثليهم السياسيين، وإذا حدث وتصدعت هذه العلاقة، فإن أشكالا أخرى من التمثيل ستشكل البديل، وقد تضــع الوضع الاعتباري للبرلمان موضع مساءلة بوصفه الإطار الرمزي للديمقراطية وفضاءها الأثير.