سياسيون أتراك قلقون من تجنيد شباب للذهاب إلى القتال في سوريا

تقديرات بسفر مئات ومخاوف من عودتهم إلى تركيا أكثر تشددا

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يحيي نواب من كتلة حزبه «العدالة والتنمية» أثناء اجتماع له في البرلمان بأنقرة أمس (أ.ف.ب)
TT

يقول أبو حسين إنه أرسل العشرات من بلدة شانلي أورفا القديمة في جنوب شرقي تركيا للانضمام إلى جماعات جهادية في شمال سوريا، ويتعهد بالاستمرار في مساعدتهم على القيام بما يصفه بأنه فريضة واجبة.

وأفاد تقرير لـ«رويترز» بأن تقديرات تشير إلى أن مئات الأتراك انضموا إلى آلاف المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة الإسلامية التي تحارب قوات الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا. ويخشى بعض السياسيين من خطر عودتهم يوما لشن هجمات على الأراضي التركية بعد أن يصبحوا أكثر تشددا وتمرسا في القتال.

ويقول سكان لـ«رويترز» إن أبو حسين، التاجر، يساعد في تجنيد مقاتلين في سوريا من هذه المدينة التي يعيش فيها أتراك وعرب وأكراد وتقع على بعد 50 كيلومترا من الحدود مع سوريا. وقال أبو حسين «نرسل من هم على طريق الله إلى الجهاد». وأضاف عبر الهاتف رافضا إجراء مقابلة شخصية معه خوفا من تعرض أنشطته للخطر «لا يأمر أحد هؤلاء الناس بالتوجه للقتال. يكون معظمهم جماعات من ثلاثة أو خمسة أشخاص ويقررون الذهاب».

والمعروف أن تركيا مؤيد قوي لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون الأسد، وتساعدهم بفتح حدودها أمامهم. لكن سياسيين أتراكا من المعارضة يخشون ازدياد نفوذ جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، بين مقاتلي المعارضة السورية وسيطرتها على أراض في شمال سوريا قريبة من حدود تركيا. ويرى هؤلاء أن وجود مقاتلين أجانب من شتى أنحاء العالم الإسلامي ومن بينهم أتراك يضيف إلى خطر امتداد الصراع إلى خارج سوريا، متهمين الحكومة بالتقاعس عن مواجهة هذا التهديد.

وقال نائب تركي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض يدعى محمد صقر في مدينة عنتاب بجنوب شرقي تركيا، لـ«رويترز»: «هذا أكبر مخاوفنا.. يحصلون على تدريبات هناك وتتبلور أفكارهم. يمكن لهؤلاء ببساطة شديدة شن الهجمات في تركيا». ودعا صقر ونواب أتراك آخرون البرلمان إلى فتح تحقيق في تجنيد مقاتلين أتراك في الحرب السورية.

واتضح خطر امتداد العنف إلى دول مجاورة الأسبوع الماضي، عندما استهدف مفجران انتحاريان السفارة الإيرانية لدى لبنان، مما أسفر عن مقتل 25 شخصا. وأعلنت جماعة سنية مسلحة مناهضة للأسد مسؤوليتها عن الهجوم. وفي تركيا، قتل 53 شخصا في هجوم بقنبلة في مايو (أيار) ببلدة ريحانلي الحدودية، لكن السلطات تقول إن المشتبه بهم الذين يحاكمون بسبب الهجوم مرتبطون بالأسد وليس مقاتلي المعارضة الإسلاميين. وينفي المسؤولون الأتراك بشدة أن تكون معارضتهم للأسد وصلت إلى حد دعم خصومه في تنظيم القاعدة.

وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بنبرة غاضبة أمام لجنة برلمانية الأسبوع الماضي «استخدم تعبير حب (القاعدة) في ما يتعلق بي شخصيا. لا يكن أي وزير تركي تعاطفا خاصا مع (القاعدة) ولا لأي جماعة إرهابية». ونفى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هذا الشهر أن تكون تركيا تؤوي مقاتلين مرتبطين بـ«القاعدة»، وقال إنها تقاتلهم. وشددت قوات الأمن التركية القيود على طول الحدود الممتدة لمسافة 900 كيلومتر، وصادرت شاحنة تحمل 1200 رأس حربي، وأسلحة أخرى، في مدينة أضنة الجنوبية هذا الشهر.

ورغم ذلك لا يزال الأتراك يجندون للانضمام إلى مقاتلين أجانب من أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط لمحاربة الأسد مع جماعات إسلامية تعلن ولاءها لـ«القاعدة». وتنشر صور على المواقع الجهادية التركية لأتراك قتلوا في الحرب السورية، بينما تعرض على موقع «يوتيوب» لقطات لمسلحين يتحدثون بالتركية من داخل سوريا على ما يبدو ويدعون أبناء وطنهم إلى الجهاد.

وكان من بين الذين حمستهم هذه الصور للقتال توأمان يبلغان من العمر 20 عاما اختفيا من منزلهما بمدينة أديامان على بعد 150 كيلومترا من الحدود السورية قبل عدة أشهر بينما كان يتعين عليهما الالتحاق بالجامعة. ويحمل محمد والدهما الإسلاميين في المدينة المسؤولية عن تجنيدهما.

وقال محمد، وهو موظف متقاعد توجه إلى سوريا في بحث يائس عن ولديه قبل شهرين وعلم أنهما موجودان في مبنى بمدينة حلب «أخذوا ولدي بالقوة. غسلوا دماغيهما. حتى إن مت سأحاول، وسأحضرهما إلى هنا، وسأضعهما نصب عيني حتى لا يلحق بهما سوء». وأضاف وهو يقسم على العودة مرة أخرى إلى سوريا «رفضوا أن أرى ولدي وأبقوهما في طابق علوي. وعندما جادلتهم أشهروا أسلحتهم وكانوا سيطلقون النار علي لذا اضطررت إلى الرحيل».

وحذر سفير بريطانيا لدى تركيا ديفيد ريداواي الأتراك الأسبوع الماضي من خطر عودة إسلاميين متشددين من سوريا لشن هجمات. وكتب ريداواي في مقال افتتاحي بصحيفة بمناسبة الذكرى العاشرة لتفجير سيارات مفخخة في اسطنبول استهدفت القنصلية البريطانية ومكاتب لبنك «إتش إس بي سي»، يقول «انضم آلاف الأجانب ومن بينهم عدد كبير من المملكة المتحدة إلى جماعات موالية لـ(لقاعدة) في سوريا. نحن قلقون للغاية بشأن احتمال عودة هؤلاء إلى تركيا ودول أخرى لشن هجمات».

وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجمات التي وقعت عام 2003 ضد أهداف بريطانية في اسطنبول وأسفرت عن مقتل 32 شخصا وجاءت بعد أسبوع من تفجير سيارتين ملغومتين في معبدين يهوديين باسطنبول مما أسفر عن مقتل 30 شخصا. وقتل عثمان كاراهان، المحامي التركي للعقل المدبر لتفجيرات 2003، والذي كان مواطنا سوريا - في الحرب السورية العام الماضي. وذكرت مواقع جهادية على الإنترنت أنه قتل في اشتباك مع قوات الأسد في حلب.

وأقيمت جنازة رمزية للأتراك الذين قتلوا في الصراع السوري بمسجد بمدينة اسطنبول التركية هذا الصيف وحضرها مؤيدون للجماعات الإسلامية. ويقدر رئيس جمعية «أوزجور دير» الإسلامية التركية التي تقدم المساعدات للسوريين أن نحو 50 تركيا قتلوا في سوريا من بين المئات الذين توجهوا للقتال فيها.

وقال رضوان كايا، من مكتب الجمعية في اسطنبول، إن أوزجور دير نفسها لا ترسل مقاتلين جهاديين إلى سوريا لكنها ليست ضد الجماعات التي تفعل ذلك. ودافع عنها في مواجهة ما وصفه بالدعاية السوداء في وسائل الإعلام الغربية. وأضاف «لا نعتقد أن هناك حاجة للمقاتلين هناك لأنه يوجد كثيرون في سوريا يقاومون النظام. لكننا نعتقد أن هناك حرب دعاية على المقاتلين الجهاديين الإسلاميين».

ويطالب أهالي الأتراك الذين توجهوا للقتال في سوريا الدولة بالتحرك لمنع اخرين من عبور الحدود. وحكى أب من عنتاب قرب الحدود وقد اغرورقت عيناه بالدموع كيف فر ابنه ذو العشرين عاما عبر الحدود قبل أكثر من عام. وأضاف طالبا عدم ذكر اسمه «كنا سنحول دون حدوث هذا. كنت سأجد له زوجة. كان من الممكن أن أبيع المنزل وأفتح له محلا. لكن الأمر لا علاقة له بابني ولكن بمنع اخرين من الذهاب وهذا ما أركز عليه. لقد ذهب ابني وفقدت الأمل بشأنه».