الجوانب الإيجابية والسلبية في الاتفاق النووي مع إيران

TT

وقعت الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى اتفاقا مع إيران بشأن برنامجها النووي المثير للجدل نهاية هذا الأسبوع، ليشكل خطوة مهمة نحو حل هذا النزاع الذي دام لسنوات طويلة. تقول إيران إنها تريد تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية، والحفاظ على حقها في برنامج نووي سلمي انطلاقا من الكرامة الوطنية الخاصة. أما القوى العالمية الست فترغب في الحد من قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي. وبعض البلدان التي لم تشارك في المحادثات مثل دول الخليج العربي، وكذلك إسرائيل، تريد هذا أيضا، لكنها تنظر إلى القضية بشكل مختلف.

يمكنك تبين مدى صعوبة تحقيق توازن بين هاتين المجموعتين من الأهداف. فالاتفاق مثالي، من وجهة نظر البلدان التي خاضت المفاوضات، لأنه سيسمح لإيران بامتلاك برنامج سلمي بصورة تطمئن العالم الخارجي بأنه سيكون سلميا فقط. كانت الصفقة التي وقعت نهاية هذا الأسبوع أفضل جهد قام به المفاوضون لتحقيق هذا التوازن. لكن دول الخليج العربي وإسرائيل تقول إن الشروط ضعيفة للغاية، وإن أفضل صفقة هي تلك التي لا تسمح لإيران بامتلاك برنامج نووي على الإطلاق.

وهنا تقييم للجوانب الجيدة للاتفاق، التي تحقق أهداف كل جانب، وكذلك الجوانب السيئة التي يمكن أن تعرض تلك الأهداف للخطر، والجوانب القبيحة، والمتمثلة في التداعيات السياسية والاستراتيجية التي تجعل أي دبلوماسي يشعر بقلق بالغ.

إيجابيات الاتفاق 1) ستجمد إيران كل عناصر برنامجها النووي المؤهلة لصنع سلاح نووي، كما ستضطر إلى «تحييد» مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، غير الصالح للاستخدام في صنع قنبلة نووية، لكنه كاف لتحويله لذلك في فترة قصيرة. كما ستضطر إلى تفكيك أي معدات يمكن استخدامها في تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 5 في المائة.

2) وافقت إيران على تجميد جزء كبير من - وليس كل - أنشطتها النووية. ولن تتمكن من تخصيب اليورانيوم بنسب تتجاوز 5 في المائة (اليورانيوم المستخدم في توليد الطاقة مخصب بنسبة 3.5 في المائة). ولن تتمكن من بناء مزيد من المنشآت النووية أو تركيب مزيد من أجهزة الطرد المركزي. كما ينبغي عليها أيضا وقف كل أعمال البناء في المفاعل النووي الجديد قيد الإنشاء في آراك، الذي تصر إيران على أنه سلمي، لكنه مصمم بصورة يمكن استخدامه معها بفاعلية في إنتاج البلوتونيوم.

3) وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة تقوم بعمليات تفتيش يومي، حيث ستجري الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارات يومية وستقوم بتثبيت كاميرات لمراقبة المنشآت البعيدة.

4) ستتمكن إيران من الوصول إلى 4.2 مليار دولار من أصولها المجمدة بالخارج. وستقدم هذه الأموال على هيئة دفعات في الوقت الذي تفي فيه إيران بالتزاماتها. كما سيتم تخفيف بعض العقوبات على التجارة الإيرانية تقدر بنحو 1.5 مليار دولار. وهي إشارة جيدة تعني أن موافقة إيران على التعاون تصب في مصلحتها الاقتصادية. وهو ما سيسهل على القادة الإيرانيين الترويج للاتفاق في بلدهم.

5) تحصل إيران على اعتراف ضمني بحقها في التخصيب. وقد أكد القادة الإيرانيون مرارا على رغبتهم في اعتراف العالم بحقهم السيادي في تخصيب اليورانيوم، والذي يعتبرونه دليلا على استقلاليتهم وكبريائهم الوطني. كانت العقوبات الدولية السابقة تأمر إيران بوقف كل أنشطة التخصيب، وهذا الاتفاق لا يقول صراحة إن العالم يعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم. وفي الوقت ذاته لا ينكره، كما ستلاحظ أيضا أنه لا يمنع إيران من استخدام بعض منشآت التخصيب السابقة أو تخصيب اليورانيوم بنسبة خمسة في المائة.

6) شاركت الصين وروسيا في الاتفاق. فانضمت هاتان القوتان إلى توقيع الاتفاق إلى جانب الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية. وهذا تطور بارز لأن موسكو وبكين هما الحليفان الأقرب إلى طهران، ولديهما أيضا عادة التشاحن مع القوى الغربية. لكن حقيقة أن هذه الدول تتخذ الموقف ذاته ستسهل بشكل كبير من تنفيذ الاتفاق ومتابعته.

الجوانب السيئة 1) هناك احتمالية كبيرة الآن لأن يتداعى تحالف العقوبات، فعلى سبيل المثال إذا اختلفت الصين وروسيا مع الولايات المتحدة بشأن الخطوات المقبلة، أو بشأن ما إذا كانت إيران ملتزمة بجانبها من الاتفاق، حينئذ قد تنهار جبهتهم الموحدة. ومن المتوقع أيضا أن يختلف القادة الأوروبيون مع الولايات المتحدة. وفي أسوأ الأحوال، ربما تخالف إيران الاتفاق وتتداعى كل العقوبات الدولية التي عملت إدارة أوباما جاهدة لتوحيدها.

2) الحديث عن نكوص إيران أمر متوقع. فقد تداعى اتفاق عام 2004 غير الشامل الذي ألزم إيران بوقف كل أنشطة التخصيب، بعد نحو عام. ومنذ ذلك الحين والبرنامج النووي الإيراني يزداد توسعا، بما في ذلك الأنشطة النووية السرية.

3) تبدي إسرائيل وبعض الدول العربية قلقا من أن يكون ذلك خدعة إيرانية، وحذروا من إمكانية استخدام طهران هذا الاتفاق لإضعاف العقوبات في الوقت الذي تواصل فيه تطوير برنامجها النووي. وإذا كانوا على صواب فهذا سيئ، لأن هذه النتيجة ستعمق من الأزمة. حتى وإن كانوا مخطئين في ظنهم هذا، فسوف يظل سيئا بالنسبة لهم، لأن موقفهم يجعل الاتفاق أقل فاعلية. كما يثير أيضا إمكانية أن يقوموا بعمل أحادي ضد إيران ويخاطروا بحدوث توترات أكبر في المنطقة.

4) تحصل إيران على حق ضمني بالتخصيب، هذا الحق مدرج تحت «الجوانب الجيدة»، لكنه يمكن أن يكون سيئا في الوقت ذاته، لأنه يسقط المطالب التي فرضتها الأمم المتحدة سابقا والتي تفرض على إيران وقف التخصيب. وبالتخلي الضمني عن هذه المطالب سيسمح لإيران بالبقاء على مقربة من برنامج أسلحة نووي، وستكون هناك صعوبة أكبر في إعادة تجديد هذا المطلب بعد ذلك.

الجانب القبيح 1) تستمر الاتفاقية لمدة ستة أشهر فقط. ولذا فإنها اتفاقية مؤقتة، والشيء الجيد في هذا الأمر هو أن المخاطر ستكون أقل في حال انهيار الاتفاق، ولكن يعني ذلك أيضا أن عملية التفاوض ستعود على الأغلب إلى المربع الأول على الفور. لقد تطرقت الاتفاقية المبرمة في عطلة هذا الأسبوع إلى جميع التحديات الرئيسة، بيد أنها في الواقع لم تقدم حلا لأي شيء لأنها ستنتهي خلال نصف عام.

2) ستكون عملية إبرام النسخة الدائمة من هذه الاتفاقية أمرا أكثر صعوبة. وربما تتمثل كبرى العقبات في عقوبات الأمم المتحدة. وربما ترغب القوى الغربية في تمرير قرار من مجلس الأمن بالأمم المتحدة جديد مؤقت كل عام أو «وقف» العقوبات، وبهذه الطريقة، إذا رأوا أن إيران لا تلتزم بالجزء الخاص به من الاتفاق، فسيكون من السهل إعادة فرض العقوبات. ومن المتوقع أن تتعلل الحكومة الإيرانية، التي تخشى بشدة أن يسعى الغرب إلى تدميرها، بأن هذا التأكيد غير كاف لضمان التزام الغرب بجانبه من الاتفاق، وتصر على إلغاء عقوبات الأمم المتحدة كاملة.

3) يمكن أن تنهار الاتفاقية في واشنطن أو طهران. وقد يحاول المتشككون في كلا البلدين خرق الاتفاقية. فعلى سبيل المثال، تعهدت الولايات المتحدة بعدم فرض عقوبات جديدة لمدة ستة أشهر، في حين يحاول الكونغرس تمرير عقوبات جديدة بأي طريقة كانت. ومن المؤكد أن الرئيس أوباما سيعترض على ذلك باستخدام حق الفيتو، بيد أن الكونغرس يمكنه أن يحظى بالأصوات الكافية لإلغاء هذا الرفض، وهو ما سيؤدي بكل تأكيد إلى القضاء على المفاوضات تقريبا. وعلاوة على ذلك، يستطيع المتشددون في طهران إثارة ضجة هناك أيضا. فرغم أن المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي يبارك المفاوضات بما له من سلطة عليا مطلقة، فإنه يبدي ترددا في بعض الأوقات في معارضة المتشددين في الداخل. ويمكن أن تضغط بعض الجماعات مثل الحرس الثوري على خامنئي رويدا رويدا لينكث بتعهدات إيران.

4) لم يتعامل الاتفاق مع النزاعات الأخرى الدائرة مع إيران. ستواجه الولايات المتحدة حتما مأزقا بسبب العقوبات الخاصة بها، والتي ليست مجرد عقاب على البرنامج النووي لإيران فحسب، بل، من بين أمور أخرى، بسبب رعايتها للإرهاب الدولي أيضا. هل ستحتاج الولايات المتحدة الأميركية وإيران، في وقت ما، إلى التوصل إلى حل بشأن هذه القضايا أيضا لإبرام اتفاقية ذات جدوى؟

5) قد تؤدي هذه الاتفاقية إلى إعادة صياغة سياسة الشرق الأوسط من خلال طرق غير متوقعة. فالتوتر السائد بين الغرب وإيران كان إحدى السمات الواضحة في المنطقة منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979. وفي حال خفتت حدة هذا التوتر، فإنه لا يمكن لأي شخص أن يتنبأ بشكل أكيد بشأن ما سيحدث في المنطقة ذات النظام الهش، خاصة أن الدول المعارضة لإيران تضم القوى الغربية وإسرائيل والدول العربية. وفي حال تحقيق الاتفاقية لأي تقدم، فماذا سيعني ذلك بالنسبة لعملية السلام التي يشوبها الاضطراب بين إسرائيل وفلسطين.. وماذا عن العلاقات المتدهورة بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية.. والعلاقة بين إسرائيل وأوروبا؟ لا يمكن لأي شخص أن يتكهن بأي شيء حيال ذلك، كما أن الغموض لم يعد أمرا مرحبا به على الإطلاق في منطقة الشرق الأوسط.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»