رئيس الحكومة المغربية يكشف عن استراتيجية بلاده للدفاع عن قضية الصحراء

ابن كيران: أقول للجزائريين نحن إخوة وسنتحملكم لكن المغاربة لن يفرطوا في وحدة ترابهم

عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية وعبد الله باها وزير الدولة ومصطفى الخلفي وزير الاعلام يستمعون الى مداخلات الندوة خلال جلسة المساءلة النيابية الشهرية أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

كشف عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، عن الملامح الكبرى للاستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة للدفاع عن قضية الصحراء، وذلك خلال جلسة المساءلة الشهرية التي عقدت في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) أمس والتي خصصت، للمرة الأولى، لمناقشة المستجدات والتطورات الأخيرة لنزاع الصحراء.

وأوضح ابن كيران أن هذه الاستراتيجية تتمثل في «إطلاق تفاوض حقيقي حول مشروع الحل السياسي في إطار الأمم المتحدة على أساس مبادرة الحكم الذاتي، وصيانة الدعم الدولي لها، ومواجهة كل انحراف عن المقاربة الأممية الساعية لاعتماد حل سياسي، بالإضافة إلى توفير شروط تنزيل الجهوية المتقدمة (الحكم اللامركزي) من خلال النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وتعزيز حقوق الإنسان، واحترام الخصوصية الثقافية الصحراوية الحسانية، والتصدي لمناورات خصوم الوحدة الترابية، والتعريف بانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها الانفصاليون ضد مواطنينا المحتجزين في مخيمات تندوف وإقرار إحصائهم، وتعزيز موقف المغرب الحازم الرافض لأي محاولة لاستغلال حقوق الإنسان في هذا النزاع المفتعل، مع مواصلة مجهود إقناع الدول المتبقية والمحدودة لسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية».

وجاء عرض ابن كيران لتطورات نزاع الصحراء أمام البرلمان، بعد أيام من الزيارة الناجحة التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتأكيد البيت الأبيض خلالها =أن مبادرة الحكم الذاتي «جادة وواقعية وذات مصداقية». كما تأتي بعد أسابيع من التوتر الذي حدث في العلاقة بين الرباط والجزائر بسبب الرسالة التي وجهها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى مؤتمر أبوجا، التي طالب فيها بإقرار آليات أممية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، الأمر الذي عدته الرباط مسا بسيادتها.

وفي هذا السياق، قال ابن كيران ردا على مداخلات نواب المعارضة والغالبية بشأن هذا النزاع، إن قضية الصحراء قضية مصيرية للأمة المغربية، ملكا وحكومة وشعبا، ولا مجال لحدوث أي تراجع بشأنها، وشدد على ضرورة تعاون كل من الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني للدفاع عن القضية، مشيرا إلى أنه لا عيب في الإقرار بالأخطاء وتجاوزها.

وأوضح ابن كيران أن هذه القضية يقودها الملك وتتجاوب فيها معه جميع مكونات المجتمع من أحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني. وأضاف: «نحن على حق مسنود بالإجماع منذ 40 عاما والعالم يعرف أننا على حق، وهذا ما مكننا من المحافظة على حقوقنا التي، للأسف، تعاكسنا فيها دولة جارة بإمكانات مادية هائلة وجندت دبلوماسيتها لهذا الغرض».

وأضاف ابن كيران: «لا بد أن يعرف الإخوة الجزائريون أننا لن نتبدل عنهم، فنحن إخوة وسنتحملهم، لكن يجب أن يعلموا أن المغاربة لن يفرطوا في وحدتهم الترابية».

ولم يظهر تباين كبير في وجهات النظر بين نواب المعارضة والغالبية حول هذا الملف، فالجميع أقر بالأخطاء التي ارتكبت في السابق بشأن طريقة تدبير ملف الصحراء المتمثلة في احتكاره من قبل الدولة من دون إشراك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى اعتماد مقاربة أمنية في معالجة القضية، وإهمال المقاربة الاجتماعية والتنموية في المنطقة، مقابل تشجيع الريع الاقتصادي في الأقاليم الجنوبية، وهو ما كشف عنه التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بشأن الوضع في هذه الأقاليم.

وأشاد نواب المعارضة والغالبية في المقابل أيضا بالسياسة الخارجية التي يقودها الملك محمد السادس بشأن هذا النزاع والنتائج الإيجابية التي حققتها الزيارة الأخيرة للملك إلى واشنطن، كما نوهوا بالسياسة الجديدة للتعامل مع الملف التي كشف عنها الملك والتي أصبحت «تسمي الأمور مسمياتها»، حسب تعبيرهم، وهو ما عكسه خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء، التي اتهم فيه للمرة الأولى منظمات حقوقية دولية بتلقي أموال من الخصوم للإساءة إلى بلاده، وتبخيس مكاسبها الحقوقية، لا سيما في الأقاليم الصحراوية، وقبل ذلك أقر الملك محمد السادس، في افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بأن قضية الصحراء تواجه «وضعا صعبا» بسبب مناورات خصوم المغرب، وأن «الأمور لم تحسم بعد».

وأوضح ابن كيران في مداخلته أن عمل الدبلوماسية الوطنية الرسمية والموازية سيؤطره عدد من الاختيارات والآليات؛ أهمها: مواصلة تعبئة الدبلـومـاسية المغربية لمـواكبـة وتفعيل التـوجـه لتطـويـر عـلاقـات المغرب الثنـائيـة مـع دول جنـوب الصحـراء، والعمل على تفعيل الاندماج المغاربي كخيار استراتيجي للتكامل والاندماج بين البلدان الخمسة المغاربية، والمجال العربي بصفته امتدادا طبيعيا لهذه البلدان، ثم العمل على تعـزيـز الشـراكـة الاستراتيجية النمـوذجيـة التـي جرى إرسـاؤهـا فـي 2011 بين المغرب ودول مجلـس التعـاون الخليجـي، التي أكدت دائما موقفها الثابت والمتضامن مع المغرب للحفاظ على وحدته الوطنية، وتدعيم الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي. وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة، وهو ما اتضح جليا، يقول ابن كيران، من خلال الزيارة الرسمية للملك لواشنطن، بالإضافة إلى تكريس سياسة الانفتاح والتقارب مع دول أميركا اللاتينية ومواصلة الجهود لضمان تموقع متميز للمغرب في منطقة آسيا والشرق الأقصى من خلال تشجيع التشاور السياسي والتبادل الاقتصادي.

كما كشف ابن كيران عن مجموعة من الإجراءات التي سيجري اعتمادها لدعم قضية الصحراء، من بينها «التعبئة والمشاركة الفعالة في جميع المناسبات والنقاشات الدائرة في إطار الأمم المتحدة على مستوى مختلف أجهزتها بهدف التصدي للمناورات المعادية للمغرب ولنصرة قضيته الوطنية، وتفعيل الدبلوماسية غير الحكومية عن طريق البرلمان والأحزاب السياسية والنقابات والمثقفين ورجال الأعمال والإعلام والمرأة للتواصل مع الشعوب فيما يتعلق بعدالة القضية الوطنية، وتطوير علاقات التعاون والتبادل مع مجمل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وتطوير آليات الرصد الإخبارية وتقوية حضور الأخبار المتعلقة بالصحراء في وسائل الإعلام، وذلك بغية ضمان تواصل واسع وتفاعل منتج مع الأنشطة والمظاهرات المرتبطة بالحقل الدبلوماسي الوطني، مع دعم الإنتاج السينمائي حول القضية الوطنية تاريخا وحاضرا، وإعطاء الأهمية للدور الذي يمكن أن يضطلع به المغاربة المقيمون بالخارج في توعية الرأي العام المحلي وجمعيات المجتمع المدني».

وعرض ابن كيران السياق الدولي والإقليمي لتدبير ملف نزاع الصحراء، وقال إنه سياق «معقد يتسم بتغيرات متلاحقة تؤثر على استقرار العالم وتضعف قدرة النظام الدولي على التفاعل مع التحولات المتسارعة سياسيا وماليا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وبيئيا، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على اقتصادات مختلف البلدان»، إلى جانب توسع دائرة الفاعلين من دول ومنظمات دولية وإقليمية ومنظمات غير حكومية ومجتمع مدني وتداخل تأثيرهم في القضايا الدولية والإقليمية، وحدوث تحولات استراتيجية وسياسية عميقة في المنطقة المغاربية في رأيه، على تعامل الدول والهيئات مع قضية الصحراء وفرض الوعي بالمرحلة الجديدة التي دخلها هذا النزاع المزمن والمفتعل، حيث أبانت تطورات الأشهر الستة الماضية حاجة ملحة لرفع درجة اليقظة وحالة الانخراط الجماعي في الدفاع عن القضية الوطنية، كما أبرزت قدرة المغرب على صد مناورات الخصوم والنجاح في احتوائها وتحجيمها والحد من آثارها.

وقال ابن كيران: «إن السنة الحالية كانت غنية بالأحداث المتعلقة بقضية الصحراء، فمن جهة، شهدنا تأكيد كل من فرنسا والولايات المتحدة للموقف الإيجابي من مقترح الحكم الذاتي، إثر زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى المغرب في أبريل (نيسان) الماضي، وبمناسبة الزيارة الملكية إلى الولايات المتحدة، وذلك رغم حملات الخصوم الهادفة إلى نسف ومحاربة مبادرة الحكم الذاتي وتقويض المسلسل التفاوضي». وأضاف ابن كيران أن «السنة الحالية هي أيضا سنة الإعلان عن النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية الجنوبية، والانخراط في مسلسل التنمية الشاملة القائمة على احترام القانون والإنصاف، فضلا عن كونها سنة كسب معركة الحفاظ على نطاق اختصاصات بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء». أما في الفترة الأخيرة، يقول ابن كيران، «فيمكن التوقف عند ما سمي لقاء أبوجا وما شهده من تجدد مناورة استهداف السيادة الوطنية، حيث كان الرد المغربي واضحا وحازما، لا يقبل المساومة». وذلك في إشارة إلى رسالة بوتفليقة.

وبموازاة ذلك، فقد أنصف البرلمان الأوروبي، يضيف ابن كيران، «في توصياته الأخيرة المتعلقة بسياسة الجوار أو بالساحل والصحراء مواقف وحصيلة المغرب في حماية الاستقرار والنهوض بحقوق الإنسان، وتأكد هذا الإنصاف لاحقا في تصويت 163 دولة على عضوية المغرب في مجلس حقوق الإنسان، رغم الاستغلال المغرض والمتحامل على بلادنا لمسألة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية».

وقال ابن كيران: «إن هذه المتغيرات تفرض رفع مستوى التفاعل معها، سواء من خلال استثمار العناصر الإيجابية، ولا سيما المتعلقة بالنموذج المغربي في الإصلاح مع صيانة الاستقرار، وذلك في محيط إقليمي يعيش تحديات أمنية متصاعدة، أو من خلال اليقظة والمواجهة للعناصر السلبية، وخاصة المتعلقة بمناورات الخصوم الرامية إلى استنزاف المغرب والمس بمصداقيته. كما تؤكد أن العمل من أجل الوحدة الوطنية والترابية هو بمثابة كفاح مستمر ومتجدد».