تقارب تركي ـ إيراني حول الأزمة السورية

البلدان يدعوان لوقف النار في سوريا.. ومسؤول تركي: طهران هي التي اقتربت من موقفنا

TT

أنتجت زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى طهران «صفحة جديدة» في العلاقات بين البلدين وصلت إلى حد إعلانهما التزام التعاون لحل الأزمة السورية، فيما كان لافتا ما نقل عن داود أوغلو من أن إيران هي «ضمانة لاستقرار المنطقة».

وأبان الناطق باسم الخارجية التركية ليفنت جمركجي لـ«الشرق الأوسط» وجود «توافق تام على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين»، مشيرا إلى «محادثات إيجابية حول سوريا»، كاشفا عن «توافق تام على التزام التعاون بين البلدين لحل الأزمة في سوريا ووقف شلال الدم فيها».

وردا على سؤال عما إذا كانت ثمة خارطة عمل تنفيذية لدعوة الوزير التركي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف إلى وقف للنار في سوريا قبل مؤتمر جنيف 2، قال جمركجي: «ليس بعد، لكن الجانبين سوف يعملان، كل بوسائله الخاصة، على استكشاف إمكانية تشجيع الأطراف (السورية) على ذلك».

وفي الإطار نفسه أكد مصدر دبلوماسي تركي لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقات التركية - الإيرانية سوف تشهد تطورات أكثر إيجابية في المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن هذه العلاقات لم تنقطع في أوج الاختلاف مع طهران حول الملف السوري. وأكد المصدر أن أنقرة «لا تقايض» مع طهران حول الملف السوري، مشددا على «الموقف المبدئي» حيال الأزمة في جارة تركيا الجنوبية. وأوضح المصدر أن البلدين توافقا منذ البداية على تحييد تداعيات الموقف السوري عن العلاقات بين البلدين لجهة الاتفاق على الاختلاف في هذا الملف، لكنه أكد وجود أرضية مشتركة في هذا الملف سمحت بالدعوة إلى وقف النار في سوريا. وشدد المصدر على أن الموقف الإيراني هو الذي اقترب من الموقف التركي في هذا المجال لا العكس، مشيرا إلى أن البلدين أكثر قدرة الآن من أي وقت مضى على التعاون في الملف السوري، لكنه رأى أنه ما يزال هناك الكثير لعمله قبل تبلور موقف مشترك.

وأوضح المصدر أن البلدين اتفقا على القيام بما في وسعهما لتخفيف هدر الدماء السائد في سوريا، وتشجيع كل محاولات الحل السلمي «الذي يحقق للشعب السوري ما يستحقه من استقرار وأمان». وأشار إلى أن كلا من الطرفين سيستغل علاقاته من أجل هذا الهدف.

وأكدت مصادر تركية وجود «قنوات اتصال مفتوحة» بين البلدين، مشيرة إلى «رغبة مشتركة» في التقارب بين البلدين على خلفية الملفات المفتوحة في المنطقة، وخصوصا الملفين المصري والسوري. وأشارت المصادر إلى «دور بارز» لمدير الاستخبارات التركية هاكان فيدان في بعض جوانب التواصل الأميركي - الإيراني، مشيرة إلى الاتهامات الإسرائيلية التي أطلقت أخيرا بحق فيدان الذي عدته إسرائيل مهندس العلاقات مع طهران، واتهمته تل أبيب بكشف غطاء 10 جواسيس إسرائيليين لطهران.

وكان وزيرا خارجية تركيا وإيران دعَوَا إلى وقف إطلاق النار في سوريا أمس. ونقلت وكالة مهر للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله في مؤتمر صحافي في طهران مع نظيره التركي أحمد داود أوغلو: «نركز كل جهودنا على إنهاء الصراع ووقف إطلاق النار إن أمكن حتى قبل عقد مؤتمر جنيف 2». وقال داود أوغلو: «ينبغي ألا ننتظر هذين الشهرين» الباقيين قبل عقد مؤتمر السلام. وأضاف: «الشعب السوري في وضع متدهور».

ويرى الباحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية في أنقرة علي حسن باكير، أن ثمة «محاولات إيرانية وأميركية حثيثة أخيرا لاستمالة تركيا مقابل تسهيل بعض المصاعب الإقليمية التي تعترض طريقها». ويشير إلى أنه من الواضح أن لإيران دورا في دفع (رئيس الوزراء العراقي نوري) المالكي ليكون أكثر انفتاحا على تركيا، ناهيك عن تطرق طهران لملفات تحظى باهتمام في السياسة الخارجية التركية كالعمل على تخفيف حدة التوتر الطائفي في المنطقة ومحاربة ما يسمى الإرهاب، وهو ملف حساس في تركيا أخيرا، وذلك كمدخل للتعاون المشترك، وربما لاحقا لتسهيل لأخذ مصالح أنقرة في الاعتبار فيما يتعلق بسوريا أو الحد على الأقل من الخسائر التي قد تنجم عن استمرار الأسد خلال الفترة القصيرة المقبلة.

ويعرب باكير عن اعتقاده أن إيران تهدف من خلال ذلك إلى استقطاب تركيا وعزل دول الخليج فيما يتعلق بالوضع الإقليمي، وكذلك الحصول على غطاء «سني» للاتفاق الأميركي - الإيراني الذي رأى فيه كثيرون تكريسا للنفوذ الإيراني، سيما مع تراجع الدور الإقليمي المصري وامتعاض السعودية بشكل قوي من التوجه الأميركي فيما يتعلق بالموقف من سوريا أو الاتفاق النووي أو غيرها من ملفات المنطقة.

إلى ذلك نقلت وكالة أنباء فارس عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن الجميع قلقون حيال استفحال العنف في المنطقة، معلنا في الوقت نفسه عن عزمه القيام بجولة في الخليج تشمل دول الكويت وعمان والسعودية في المستقبل القريب.

وتابع قائلا: «إننا نتفق مع تركيا حول استحالة الخيار العسكري لحل الأزمة السورية». وأضاف: «كما أن لدى البلدين وجهات نظر مشتركة حول ضرورة تعاون جميع الأطراف المعنية لحض الجميع على الخيار الدبلوماسي». كما أعلن وزير الخارجية الإيراني عن إطلاق تعاون مشترك بين الهلال الأحمر الإيراني والتركي لتقديم المساعدات الإنسانية إلى السوريين على أعتاب فصل الشتاء.

يذكر أن الزيارة أثمرت أيضا الاتفاق على زيارة قريبة سيقوم بها الرئيس الإيراني محمد حسن روحاني إلى أنقرة ستمهد لزيارة يقوم بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران.