الحكومة والمعارضة في المغرب تصلان إلى «باب مسدود» بشأن قانون لجان التقصي البرلمانية

في خطوة من شأنها أن تحدث أزمة دستورية

TT

وصلت الجلسة التي عقدتها لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان)، واستمرت حتى وقت متأخر من الليلة قبل الماضية، إلى الباب المسدود في حسم مصير القانون التنظيمي المتعلق بلجان تقصي الحقائق البرلمانية.

وفشلت الحكومة والمعارضة البرلمانية في إيجاد صيغة توافقية بين مقترح قانون تقدم به في وقت سابق حزبا العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، المشاركان في الائتلاف الحكومي، وهو المقترح الذي أصبح ملكا للجنة البرلمانية بعدما جرت المصادقة عليه داخل لجنة العدل والتشريع بالإجماع، وبين مشروع قانون أعدته الحكومة ووافق عليه العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال المجلس الوزاري الأخير الذي عقد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويتجه شد الحبل بين الحكومة ولجنة العدل والتشريع التي تقودها المعارضة إلى أزمة دستورية في حالة استمرار الطرفين في التشبث بمواقفهما.

واقترح الحبيب شوباني، الوزير المكلف العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الذي يمثل الحكومة داخل المؤسسة التشريعية، ثلاثة سيناريوهات لتجاوز هذه الأزمة. أولها سحب اللجنة البرلمانية لمقترحها لفائدة مشروع الحكومة، وهذا حل ووجه برفض تام من طرف أحزاب المعارضة. أما السيناريو الثاني فيتعلق بسحب الحكومة لمشروعها، وهذا خيار ترفضه الحكومة من الناحية السياسية ما دام قد حصل على الموافقة الملكية خلال المجلس الوزاري. أما الخيار الثالث الذي تقترحه الحكومة فيتجلى في الجمع بين المبادرة الحكومية والبرلمانية، وهو ما يمكن أن يشكل، حسب العارفين بشؤون التشريع، مخرجا للمؤسستين من هذه الورطة الدستورية.

في غضون ذلك تحولت لجنة العدل والتشريع إلى ساحة لاحتجاج المعارضة ضد الهيمنة التشريعية للحكومة، وفي هذا الصدد دعا النائب حسن طارق من فريق الاتحاد الاشتراكي المعارض الحكومة إلى الإسراع بسحب مقترحها، موضحا أنها لم تستوعب بعد مستجدين خلال الأيام القليلة الماضية ويتعلق الأمر بـ«إجازة المجلس الدستوري للمادة 123 من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي تتحدث صراحة على حق النواب في التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية»، أما المستجد الأقوى، حسب طارق، فهو تأكيد الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الندوة الدولية حول الذكرى الخمسين للبرلمان المغربي التي عقدت الاثنين الماضي، وهو الخطاب الذي أكد على أحقية البرلمانيين في التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية.

ورفض النائب طارق الشروع في مناقشة المشروع الحكومي، داعيا أن يسبق ذلك جواب سياسي للحكومة على هذه المستجدات. كما طالب طارق الحكومة بـ«القيام بنقد ذاتي إزاء محاولتها الفاضحة بخرق الدستور والشرعية».

وخاطب طارق الحكومة بحدة، وقال: «ألم تشعروا بالخجل وأنتم تنصتون إلى الرسالة الملكية التي أقرت بالحق الأصلي للنواب في التشريع، الحق الذي أردتم مصادرته؟»، مضيفا: «جلالة الملك يقول لكم احتفظوا بـ(الصواب) عندكم! وعوض ما تعدونه أخلاقا سياسية احترموا الأخلاق الدستورية، واحترموا الدستور».

من جهته دعا الوزير المكلف العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني إلى استحضار مضامين الرسالة الملكية التي أكدت أن الدستور جعل هذه الولاية التشريعية ولاية تأسيسية بامتياز، مشيرا إلى تنويه الملك محمد السادس بالمجهود المبذول من طرف أعضاء مجلسي البرلمان في مجال المبادرة التشريعية، سواء بالنسبة إلى القوانين التنظيمية أو العادية.

في سياق ذلك، سحب النائب عبد الله بوانو رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية أول من أمس مقترح قانون تنظيمي حول المحكمة الدستورية، بعدما تقدم مصطفى الرميد وزير العدل والحريات بمقترح للحكومة في نفس الموضوع، وبرر بوانو قرار السحب بأنه أخلاقي لتجنب أي تعارض بين الحكومة وأغلبيتها البرلمانية.

ويسمح النظام الداخلي لمجلس النواب لأي فريق سحب مقترحاته التشريعية شريطة عدم تبنيها من طرف اللجنة كما حدث في مقترح القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق.