مفكر مغربي يدعو إلى تبسيط اللغة العربية.. ويرفض استعمال العامية في التدريس لأنه يهدد الوحدة الوطنية

عبد الله العروي: خبراء اليونيسكو لديهم أفكار مسبقة لا تراعي خصوصية مجتمعاتنا

عبد الله العروي و نور الدين عيوش
TT

انتقد المفكر المغربي عبد الله العروي الدعوة التي أطلقها رجل أعمال مغربي بشأن اعتماد الدارجة المغربية (العامية) لغة للتدريس بدل اللغة العربية الفصحى، وقال إنه في حال اعتمادها فإنها ستشكل تهديدا للوحدة الوطنية، بالإضافة إلى أنها ستفصل المغاربة عن ثقافتهم العليا ومحيطهم العام. وفي المقابل أيد فكرة تبسيط اللغة العربية.

جاء ذلك في مناظرة تلفزيونية بينه وبين نور الدين عيوش، مالك شركة إعلانات تلفزيونية ورئيس مؤسسة «زاكورة» للتربية، على أثر الضجة التي خلفتها دعوة عيوش إلى اعتماد العامية المغربية لغة للتدريس ضمن توصيات خرجت بها ندوة دولية نظمتها مؤسسته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في الدار البيضاء.

ومما أسهم في إذكاء هذا الجدال أن التوصيات رفعت إلى الديوان الملكي ورئاسة الحكومة، وكان من بين الذين حضروا الندوة مستشارا الملك محمد السادس فؤاد عالي الهمة، وعمر عزيمان، وهو أيضا رئيس المجلس الأعلى للتعليم، وهو ما أدى إلى الاعتقاد أن جهات عليا تقف وراء هذه المبادرة.

ونفى عيوش في المناظرة التي أجريت بينه وبين العروي خلال حلقة من برنامج «مباشرة معكم» عرضت الليلة قبل الماضية على القناة الثانية «دوزيم»، وقوف القصر وراء مبادرته، وقال «إن القصر الملكي لم يسبق أن تدخل في الموضوع». وشكل حضور العروي، الأستاذ المبرز في الحضارة واللغة العربية، إلى البرنامج وقبوله مناقشة عيوش بعد غياب طويل عن الساحة الإعلامية، وهو في حد ذاته حدث إعلامي حتى إن كثيرين شككوا في إمكانية حضوره، بل منهم من اعترض على قبوله دعوة البرنامج للتحاور مع عيوش بسبب التباين الفكري الصارخ بين الرجلين، لكن العروي فاجأ حتى عيوش نفسه بسلاسته وهدوئه، في الوقت الذي كان يتوقع فيه هجوما عليه.

لم يظهر العروي بالصرامة التي كان يتوقعها البعض بالنسبة لموقفه من اللغة العربية، بل قال إنه لا اعتراض لديه على استعمال العامية كوسيلة لتوصيل المعلومة في مراحل التعليم الأولي.

وطالب وزارة التعليم بالاهتمام برياض الأطفال، كما طالبها بتوفير تكوين للمدرسين بهدف تبسيط اللغة العربية الفصحى، وهي فكرة تبسيط اللغة العربية راقت كثيرا عيوش، وعدها نقطة التقاء بينهما لأنه بدوره يدافع عن الارتقاء بالعامية.

لكن العروي قال بشكل حازم إنه لا يقبل أن تصبح الدارجة «لغتنا الوطنية»، لأن ذلك «سيفصلنا عن ثقافتنا العليا ومحيطنا الثقافي العام»، وأضاف «أرى أن العامية المغربية لا تستطيع أن تكون لغة الثقافة الرفيعة ومتقدمة في مستوى اللغات الأجنبية، فأنا غير مستعد لأن أفرط في لغة دولية (العربية) يتحدث بها 300 أو 400 مليون من الأشخاص وكلهم يشتغلون عليها، وستكون في يوم من الأيام في المدى القريب أو البعيد في مستوى اللغات الأخرى». وفي مقابل ذلك، أشار العروي إلى أن أزمة التعليم ليست مرتبطة باللغة العربية الفصحى أو الدارجة، فكل دول العالم تعيش أزمة في قطاع التعليم، موضحا أن الدارجة مجرد لغة فلكلورية شفوية، من الصعب كتابتها، وهي غير عملية، وزاد قائلا «الناس حينما يذهبون إلى المدرسة فبغرض تعلم الكتابة». وأوضح العروي أن الدعوات التي يطلقها خبراء اليونسكو لاعتماد اللغة الأم في التدريس، تنطلق من أفكار مسبقة، لا تراعي خصوصية المجتمع المغربي.

ودافع عيوش عن وجهة نظره أكثر من مرة بالقول إن العامية المغربية هي لغة عربية وحروفها عربية. وأضاف أن الدافع وراء دعوته هو ألا ينقطع الأطفال عن متابعة دراستهم، لأن غالبية الأطفال في القرى لا يفهمون اللغة العربية الفصحى، على حد قوله. لكن عيوش لم يجب عن الإشكال الذي يطرحه تنوع اللهجات واختلافها بين منطقة وأخرى في المغرب، فمعظم المدرسين والمدرسات يعينون في مناطق بعيدة عن مناطق إقامتهم، وبالتالي سيجدون صعوبة في فهم اللهجات المحلية في حال جرى اعتمادها لغة للتدريس.

وتعليقا على النقاش الذي أثير حول هذا الموضوع، قال الدكتور فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في المغرب، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المناظرة بين المفكر والفيلسوف عبد الله العروي، والسيد عيوش، أثبتت ما كنا نردده دائما وهو أن الدعوة إلى استعمال ما يسمى اللغة المغربية لغة للتدريس في المدارس دعوة مغلوطة، والتفاف على مسار دستوري جرى التوافق عليه من مختلف مكونات المجتمع المغربي، وهذا المسار بدأ يؤتي أكله من خلال النقاش حول المجلس الأعلى للغات والقانون التنظيمي للأمازيغية، وقانون حماية اللغة العربية، وإنشاء أكاديمية محمد السادس للغة العربية».

وأضاف بوعلي أن «صاحب الدعوة (عيوش) منذ خرجته الإعلامية الأولى أكد أنه مقرب من دوائر القرار، وهو ما أعطى للنقاش هذا الزخم، وكأنه أراد أن يقول لنا إن دعوته يؤيدها أصحاب القرار، ونحن نقول إن اللغة العربية مسألة مصيرية تتعلق بالوجود المغربي وبالمجتمع بكامله».

وقال بوعلي إن الائتلاف قدم مذكرة إلى رئيس الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للتعليم، تتضمن توصيفا لواقع اللغة العربية في المغرب والاختلالات التي تعرفها، ثم الاقتراحات للارتقاء بها. وأشار إلى أن المذكرة لم تكن جوابا عن النقاش الدائر حاليا. وأضاف أن ابن كيران خلال لقائه أعضاء الائتلاف قبل أيام أكد أن هم اللغة العربية هو إحدى همومه الأساسية ومشاغله وسيعمل ما في وسعه لإجراء السياسات اللغوية. وأضاف بوعلي أن ابن كيران أكد قبل ذلك في لقاء حزبي أن «الحكومة والدولة المغربية ستقف بالمرصاد في وجه كل من يحاول المس بثوابت الأمة وهي الدين واللغة العربية».

وكان الائتلاف قد أصدر عريضة سماها «عريضة انقاد الهوية» تهاجم بشده دعوة عيوش، وقال إنها تهدف إلى «فصل المغاربة عن تاريخهم وتراثهم وقيمهم وذاكرتهم ورموزهم، وذلك بفصلهم عن القرآن الكريم المنزل باللغة العربية الفصحى». كما قال إنها تهدف إلى «تشتيت المغاربة بين لهجات عربية وبربرية، أي بين دويلات تتعدد بتعدد اللهجات، كما حاول الاستعمار بالأمس، وكما يحاول اليوم في ليبيا والعراق ومصر وسوريا واليمن، وذلك بتعميق التفرقة الطائفية أو المذهبية أو القبلية أو الجهوية أو القومية».