لجنة الخمسين تنهي أولى خطوات خارطة المستقبل بالتصويت على الدستور المصري

عمرو موسى قال إن مواده تمهد لعودة القوة الناعمة إلى البلاد

أعضاء لجنة الخمسين خلال مناقشات مسودة الدستور المصري أمس (أ.ف.ب)
TT

تنتهي لجنة تعديل الدستور المصري (لجنة الخمسين)، اليوم (الأحد)، من التصويت النهائي على مواد الدستور الجديد، بعد أن أقرت، أمس، مواد به، في خطوة من شأنها دفع المسار السياسي قدما، تجتاز بها البلاد أول مقررات خارطة المستقبل، التي وضعها الجيش بالتوافق مع قوى سياسية ورموز دينية، في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، في يوليو (تموز) الماضي.

وتضمنت خارطة المستقبل تعديل دستور وضعته في 2012 جمعية تأسيسية هيمن عليها الإسلاميون. كما تتضمن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. ويرجح الانتهاء من خطوات خارطة المستقبل، الصيف المقبل.

وعقدت لجنة الخمسين، أمس، أول اجتماع للتصويت النهائي على مواد الدستور. وبث التلفزيون الرسمي الجلسة على الهواء مباشرة، بعد سلسلة جلسات مغلقة، تجاوزت اللجنة خلالها مواد مثيرة للجدل.

وقال عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين، في افتتاح جلسة أمس، إن «الدستور الذي نبدأ التصويت عليه هو دستور المستقبل، ويمهد لعودة القوة الناعمة المصرية، التي هي القوة الحقيقية للدولة، التي بناء عليها استمع الجميع لصوت مصر علما وإبداعا وفنا وتاريخا»، مضيفا أن إقرار الدستور هو أولى خطوات خارطة الطريق.

وأشار موسى إلى أن لجنة الخمسين عملت على مدار 720 ساعة لإخراج دستور يليق بمصر، وأكد أن كل مواد الدستور الجديد جرى التوافق عليها، مشددا على أنه لا توجد مادة غير متوافق عليها باللجنة، منوها بأنه لا تحصين بمشروع الدستور، ولكن هناك مواد انتقالية خاصة بالجيش.

ووافقت لجنة الخمسين بإجماع الحضور (48 عضوا)، على ديباجة الدستور، التي جاء فيها «هذا دستورنا، مصر هبة النيل للمصريين، ومصر هبة المصريين للإنسانية، مصر - بعبقرية موقعها وتاريخها – رأس أفريقيا المطل على المتوسط، ومصب لأعظم أنهارها: النيل. ومصر العربية - بعبقرية موقعها وتاريخها - قلب العالم كله، فهي ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته. هذه مصر، وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب».

وأضافت الديباجة أن «ثورة 25 يناير - 30 يونيو فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية، التي قدرت بعشرات الملايين وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق وبتجاوز الجماهير للطبقات والآيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية، وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهي أيضا فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معا».

وتابعت: «نحن نؤمن أننا قادرون أن نستلهم الماضي، وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل، قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا. نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق بالعيش على أرض هذا الوطن في أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقا في يومه وفي غده. نحن نؤمن بالديمقراطية طريقا ومستقبلا وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمي للسلطة، ونؤكد على حق الشعب في صنع مستقبله، هو - وحده - مصدر السلطات، والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا - ولأجيالنا القادمة - السيادة في وطن سيد».

وفي مسعى لتجاوز خلافات على مفهوم مدنية الدولة التي أصر أعضاء بلجنة الخمسين على النص عليها في الدستور الجديد، أقر الأعضاء، أمس، في ديباجة الدستور أنهم يكتبون «دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكمها مدني».

وحسمت لجنة الخمسين خلافات حول هوية الدولة بالنص في ديباجة الدستور على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، كما جاء في الأحكام المطردة للمحكمة العليا، وهي الجهة المختصة وحدها بتفسير مواد الدستور في أحكامها». ودأبت المحكمة الدستورية العليا في البلاد، عبر عدة أحكام سابقة، على تأكيد أن مبادئ الشريعة تعني الأحكام قطعية الثبوت والدلالة، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها، التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة، التي لا تحتمل تأويلا أو تبديلا.

وقال موسى، قبل بدء جلسة التصويت النهائي، خلال مؤتمر صحافي، إن «اللجنة انتهت من الاتفاق والتوافق الشامل على مواد الوثيقة الدستورية الجديدة التي عدلت جذريا، وتنتقل بمصر إلى المستقبل في وثيقة تتضمن 247 مادة، ومنها 42 مادة مستحدثة، و18 عن الحقوق والحريات، ومواد تحدثت عن التنمية الاقتصادية مثل العدالة الاجتماعية».

ويواصل أعضاء اللجنة التصويت الإلكتروني على مواد الدستور المصري الجديد حتى كتابة هذا التقرير، في جلسة سادها الهدوء، لم تشهد مناقشات. وتعلقت أنظار الأعضاء بشاشة كبيرة تظهر نتائج التصويت.

واعترض عضوان باللجنة على نص المادة الثانية التي تنص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع». بينما اعترض أربعة أعضاء، وامتنع عضو، على نص المادة الثالثة التي تقول: «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية».

ومرت المادة السابعة الخاصة بمؤسسة الأزهر بصعوبة، بعد أن رفضها خمسة أعضاء وامتنع عن التصويت خمسة آخرون، ووافق عليها 38 عضوا.

وتحتاج المادة الدستورية إلى موافقة 75 عضوا ليجري إقرارها في الدستور، بحسب اللائحة التي وضعها الأعضاء في جلستهم الثانية، في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي. ومن المقرر أن يسلم رئيس اللجنة مشروع الدستور إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور، في موعد أقصاه 3 ديسمبر (كانون الأول)، على أن يدعو منصور المواطنين للاستفتاء على الدستور خلال 30 يوما.

وتعترض جماعة الإخوان وحلفاؤها من الإسلاميين على خارطة المستقبل، ولا تعترف بعزل مرسي، لكن قياداتها قالت إنها لم تقرر بعد ما إذا كانت ستطالب أعضاءها بالمشاركة في الاستفتاء أم لا.

ومن المقرر أن تواصل اللجنة، اليوم (الأحد)، التصويت على باقي مواد الدستور، التي ستشهد ترقبا بشأن مواد مثيرة للجدل، منها مادة يقول معارضوها إنها تبيح محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، لكن مؤيديها يقولون إنها تحدد ضوابط صارمة لذلك.

ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت قوى ثورية تعترض على مادة المحاكمات العسكرية سوف تدعو إلى التصويت برفض الدستور الجديد أم لا، لكن مراقبين قللوا من شأن دعوة رفض الدستور.

وتنص مادة المحاكمات العسكرية على أن «القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى».

وتمسك مشروع دستور البلاد الجديد بانتخاب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، لا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة، وحدد الشروط فيمن يترشح رئيسا للجمهورية، وهي أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل، أو أي من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفي منها قانونا، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن 40 سنة ميلادية، ويحدد القانون شروط الترشح الأخرى. كما نص في شأن رئيس الجمهورية على أن يزكي المترشح 20 عضوا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها.

كما يصوت أعضاء اللجنة على مادة انتقالية تحصن منصب وزير الدفاع، نصها «يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور».