باريس تستضيف الجمعة «القمة الفرنسية ـ الأفريقية للسلام والاستقرار» في القارة السمراء

استبعاد رئيسي السودان ومصر من حضورها.. والملفات الأمنية محور الاجتماعات

تقني يفحص أمس طائرة بدون طيار (درون) تابعة لقوات الأمم المتحدة الموجودة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن المؤمل أن تستخدم الطائرة لمراقبة الحدود مع رواندا (رويترز)
TT

تستضيف باريس يومي الجمعة والسبت المقبلين القمة الفرنسية الأفريقية، التي تلتئم على خلفية حرب أهلية مشتعلة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وتهديدات إرهابية تضرب الكثير من البلدان الأفريقية، منها نيجيريا ومالي والنيجر، فضلا عن النزاعات المحتدمة في أماكن أخرى من القارة السوداء.

وبما أن الاهتمامات الأمنية هي التي ستغلب على أعمال قمة الإليزيه، فقد كان من الطبيعي أن تنعقد تحت شعار «قمة الرئاسة الفرنسية للسلام والأمن في أفريقيا». ووجه المفارقة فيها أن المصادر الفرنسية تركز، من جانب، على الحاجة لتتحمل البلدان الأفريقية مسؤولية الأمن والاستقرار في ربوعها بعد نحو خمسين عاما من حصولها على استقلالها عن فرنسا وبريطانيا والدول المستعمرة السابقة، بينما في الجانب المقابل بدأت باريس تعزز حضورها العسكري في أفريقيا الوسطى بانتظار صدور قرار من مجلس الأمن تقوم بموجبه بمهمة «القبعات الزرقاء» للحفاظ على الأمن وفرض النظام فيها.

وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قد عرض بوضوح نظرته لعلاقة فرنسا بالبلدان الأفريقية في خطاب ألقاه العام الماضي في دكار، حيث أكد أن «مستقبل أفريقيا سيبنى عبر تعزيز قدرة الأفارقة على أن يديروا بأنفسهم الأزمات الأفريقية». وحسب أكثر من مصدر فإن الرئيس هولاند يسكنه هوس أن لا تبقى صورة فرنسا «شرطي أفريقيا» عالقة بأذهان الناس وأولهم الأفارقة أنفسهم. والحال أن هولاند نفسه بعد أن أرسل مظليي الفرقة الأجنبية إلى مالي في أوائل العام الحالي لطرد الجماعات الإسلامية هو بصدد التدخل العسكري في أفريقيا الوسطى بينما الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أمر القوات الفرنسية بإزاحة رئيس ساحل العاج لوران غباغبو بالقوة. وخلال السنوات الخمسين الماضية تدخل المظليون الفرنسيون والفرقة الأجنبية نحو أربعين مرة في أفريقيا، ما يعني أن سياسة «النأي بالنفس» عن أفريقيا نظرية أكثر مما هي واقع ملموس.

ويغيب عن القمة الفرنسية الأفريقية اثنان من الزعماء العرب الأفارقة، أولهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، والثاني الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور الذي لم يدعَ إلى القمة بسبب تعليق عضوية مصر داخل الاتحاد الأفريقي بعد أحداث الثالث من يوليو (تموز) الماضي، وإزاحة الرئيس السابق محمد مرسي. والغريب أيضا أن رئيس أفريقيا الوسطى سيكون غائبا هو الآخر أيضا بينما سيكون ملف بانغي مطروحا داخل القمة الجماعية وفي إطار قمة مصغرة مخصصة لأفريقيا الوسطى ستعقد يوم السبت المقبل في قصر الإليزيه وتشارك فيها بلدان الجوار والقوى الفاعلة.

ودعا الرئيس هولاند الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس الاتحاد الأوروبي فون ريمبوي للمشاركة في القمة لإعطائها بعدا دوليا وتلافي حصرها بفرنسا وأفريقيا.

ويصادف انعقاد قمة الإليزيه ترؤس فرنسا لمجلس الأمن لشهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الأمر الذي سيسهل المسعى للحصول على قرار دولي من المجلس حول أفريقيا الوسطى. وترجح باريس أن يجري التصويت على مشروع قررا تقدمت به الأسبوع الماضي، يوم غد أو بعد غد.

ويسبق القمة اجتماع لوزراء الخارجية برئاسة الوزير الفرنسي لوران فابيوس. وكان مقررا سابقا أن يعقد الاجتماع في القاهرة، بيد أن التغيرات التي عرفتها مصر أفضت إلى التخلي عن هذا المشروع ونقل الاجتماع إلى باريس. وقالت المصادر الفرنسية إن مواضيع الإرهاب والحروب والقرصنة ومشكلات الحدود وتهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر ستكون الملفات الرئيسة التي سيسعى رؤساء الدول المشاركون في القمة إلى بلورة سياسة موحدة تجاهها، تعتمد بالدرجة الأولى على الأفارقة أنفسهم ولكن بالاستناد إلى دعم الدول الغربية الكبرى. ويبقى موضوع «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي والمنظمات الجهادية المماثلة لها والمرتبطة بها على رأس قائمة الشواغل التي تقض مضاجع الأفارقة والغربيين معا.

وتعي باريس، وفق ما تقوله مصادرها، أن الأفارقة بحاجة إلى دعم ومؤازرة، علما بأن الغربيين اعتمدوا، في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد أحداث الصومال، إلى تغليب مبدأ إيكال الأمن للأفارقة أنفسهم مع منحهم الغطاء الدولي والدعم المادي واللوجيستي الغربي كما هو حاصل في دارفور ومالي وأفريقيا الوسطى. ويعول الأفارقة على الدعم الغربي لبناء «القوة الأفريقية الاحتياطية» و«قوة التدخل السريع» اللتين ما زالتا في حالة مخاض.