رباعي الوساطة في تونس يمهل السياسيين عشرة أيام لتسمية رئيس للحكومة

ترقب «الكتاب الأسود» حول منظومة دعاية بن علي.. والسجن أربعة أشهر لمغني الراب

مغني الراب التونسي علاء يعقوبي (يسار) مع زميله أحمد بن أحمد عند وصولهما إلى مقر محاكمة الأول في مدينة الحمامات أمس (أ.ف.ب)
TT

منح رباعي الوساطة في تونس مهلة جديدة للفرقاء السياسيين حتى 14 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري للتوافق حول رئيس حكومة الكفاءات أو الإعلان بشكل نهائي عن فشل الحوار الوطني والدخول في «فوضى».

كان الاتحاد العام التونسي للشغل أعلن أنه سيجري تحديد مصير الحوار الوطني أول من أمس الأربعاء على ضوء ما ستؤول إليه المشاورات مع الفرقاء السياسيين بشأن التوافق حول مرشح لرئاسة الحكومة. لكنه أضاف مهلة جديدة بعشرة أيام لمزيد من التفاوض بعد أن فشلت الأطراف السياسية في التوصل إلى توافق.

وقال الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي خلال مؤتمر صحافي مساء أول من أمس «كنا سنعلن فشل الحوار الوطني لكن الأحزاب طلبت منا مهلة جديدة لإنقاذ البلاد وقد استجاب الرباعي لإعطاء الأحزاب فرصة جديدة».

وأضاف العباسي «هي فرصة الأمل الأخير نحن صبرنا كثيرا وشعبنا صبر أكثر لذلك سنمكن الأحزاب السياسية من مهلة جديدة لا تتجاوز عشرة أيام وخلال هذه الفترة نحن كرباعي سنعتمد آليات جديدة في إطار خارطة الطريق».

وعلق الحوار الوطني في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بسبب غياب التوافق حول شخصية وطنية مستقلة لرئاسة حكومة الكفاءات التي تطالب بها المعارضة حيث تمسكت حركة النهضة وحلفاؤها بأحمد المستيري بينما دعمت المعارضة ترشيح محمد الناصر ومن ثم جلول عياد وعبد الكريم الزبيدي وشوقي الطبيب.

وانحصر الخيار في نهاية المطاف بين شوقي الطبيب العميد السابق للمحامين وجلول عياد وزير المالية في حكومة رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي غير أن جبهة الإنقاذ الوطني رفضت ترشيح الأخير لارتباطه بدوائر مالية عالمية.

وجاء في بيان للجبهة «المطلوب هو التوافق على شخصية مستقلة بعيدة كل البعد عن شبهات الفساد المالي والولاء لمصالح فئوية وقادرة على قيادة فريق حكومي كفء ومحايد لتنفيذ برنامج إنقاذ توافقي ويوقف حالة الانهيار الاقتصادي ويحول دون الإفلاس المالي».

وحذرت الجبهة من طول فترة تعطل الحوار و«الخشية من مزيد تعفن الوضع»، كما دعت الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة للتوقف عن سياسة المماطلة والمراوغة وربح الوقت.

وقال العباسي «منذ الآن قررنا أن يوم السبت 14 ديسمبر مع منتصف النهار إما الوفاق وهو الهدف لنا كرباعي وإن لم يتم التوصل إلى توافق فسيكون الإعلان عن فشل الحوار ونشهد فوضى وفي هذه الحالة سنرى كثيرا من المخاطر التي نخشاها على بلادنا».

من جهة أخرى، يتداول الإعلاميون في تونس هذه الأيام سؤالا واحدا يتعلق بما إذا كانت أسماؤهم وردت «بالكتاب الأسود» المثير للجدل والذي تستعد الرئاسة لطرحه في الأسواق هذه الأيام لكشف منظومة الدعاية في النظام السابق.

وفي خطوة مفاجئة للقطاع الإعلامي صدر أخيرا عن رئاسة الجمهورية «منظومة الدعاية في حكم بن علي: الكتاب الأسود» ليكشف عن قوائم أسماء صحافيين ومثقفين وحتى رياضيين وجهت إليهم اتهامات بالتورط مع نظام الاستبداد إما بالتخابر أو تبييض صورة النظام أو بمهاجمة المعارضين مقابل عطايا مالية.

وأثار الكتاب الذي جرى تسريب أجزاء منه على مواقع التواصل الاجتماعي قبل طبعه جدلا واسعا، ليس بشأن مدى اتفاقه مع السياق العام الذي تمر به البلاد من أزمة سياسية خانقة وتدهور اقتصادي خطير، ولكن أيضا بشأن مدى احترامه للآليات القانونية السليمة قبل إصداره.

وقالت رئيسة لجنة التشريع بالمجلس التأسيسي (البرلمان) من حركة النهضة الإسلامية، كلثوم بدر الدين لوكالة الأنباء الألمانية إن «إصدار الكتاب ربما يأتي في وقته في غياب التفاعل داخل المجلس التأسيسي إزاء قانون العدالة الانتقالية الذي جرى إيداعه منذ شهر يوليو (تموز) الماضي إلى جانب قانون تحصين الثورة وكل القوانين المتعلقة بالمحاسبة والمساءلة وكشف الأرشيف».

وأضافت «سيسهم الكتاب بالدفع نحو الإسراع بكشف الحقائق بشأن الانتهاكات التي حصلت في النظام السابق ومن كان مع الشعب ومن كان يتآمر ضده، لا يمكن أن تحصل مصالحة دون أن تكون هناك محاسبة».

واعتمد الكتاب على ما تبقى من ملفات بالأرشيف الرئاسي وقوائم المتعاقدين والمتعاونين مع وكالة الاتصال الخارجي، المؤسسة المهيمنة على الإعلام التونسي في حكم الرئيس السابق.

وجرى إحداث الوكالة في بداية عقد التسعينات بهدف التسويق الاقتصادي والسياحي لتونس غير أنها سرعان ما تحولت إلى الذراع الإعلامية للنظام السابق عبر سيطرتها التامة على وسائل الإعلام المحلية من خلال احتكارها لسوق الإعلانات، كما نجحت في ربط شبكة علاقات معقدة مع وسائل إعلام عربية ودولية.

ومع أن «الكتاب الأسود» تضمن كشفا عن فساد مالي ضخم رصد لصحافيين ومؤسسات إعلامية تمتعت بمزايا واسعة من المال العام في النظام السابق، فإن المآخذ الموجهة للإصدار أنه أخذ الكثير من الصحافيين بجريرة الفاسدين بمجرد ارتباطهم بخدمات هامشية مع وكالة الاتصال.

وأثار الكتاب قلقا حقوقيا كونه بات لدى العامة منطلقا لإدانة أشخاص خارج أي تحقيق قضائي ما يثير شكوكا بوجود نوايا انتقامية لا سيما أن العلاقة ليست في أفضل حالها بين الرئيس المنصف المرزوقي وعدد من وسائل الإعلام المستقلة بشكل عام.

ومن الانتقادات التي وجهت للكتاب أنه غيب أسماء كثيرة تواطأت مع نظام بن علي بينما تم تضمين أسماء أخرى عرفت بتاريخها النضالي ضد القمع من بينهم أعضاء بنقابة الصحافيين تم الزج بهم في دائرة التخابر مع البوليس السياسي للنظام السابق.

وقال الصحافي والناشط بجمعية الوعي السياسي سفيان الشورابي لوكالة الأنباء الألمانية: «ما أقدم عليه الرئيس المؤقت هو حق أريد به باطل. فمن حق التونسيين التعرف على درجة تواطؤ المؤسسات الإعلامية مع الآلة القمعية لنظام الرئيس المخلوع، ولكن وفق آليات مضبوطة تنأى بنفسها عن التشهير والتشويه».

وأضاف الشورابي «هذه الخطوة تأتي في سياق تصفية المرزوقي لحساباته الشخصية مع الإعلاميين الذين يحاربونه إلى اليوم».

واستنكرت نقابة الصحافيين التونسيين ما عدته «عملية فضح الإعلاميين والمثقفين من دون غيرهم من الضالعين في تركيز الاستبداد والفساد»، معتبرة هذه «الانتقائية» محاولة أخرى لضرب حرية التعبير والصحافة وتركيع الإعلام والهيمنة عليه.

وقالت النقابة، في بيان لها، بأنها ترفض «تشويه الإعلاميين باستعمال تفاصيل حياتهم الشخصية ما يذكرنا بممارسات النظام السابق وسلوكيات أجهزته الاستخباراتية».

وبعد أكثر من عامين من اعتلائه منصب الرئاسة تختلف التقييمات بشأن أداء المرزوقي اليوم في قصر قرطاج، ومع أن الهالة التي كانت تحيط بالمنصب قبل الثورة عرفت تقلصا حادا بفعل تحجيم صلاحيته داخل النظام المؤقت للسلطة العامة وبفعل أسباب أخرى ربما ترتبط بالكاريزما، فإن المرزوقي نجح في أن يظل موضع جدل ونقاش دائم بين مؤيديه معارضيه.

ومثلت قراراته حول قطع العلاقات مع النظام السوري مثلا، ومواقفه بشأن نصب المشانق لليسار الراديكالي وتهديده للمتطاولين على قطر ودعوته للإفراج عن قادة الإخوان المسلمين في مصر من فوق منبر الأمم المتحدة، مضامين خلافية بين حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الشريك في الحكم والمعارضة.

ولكن الانتقادات بشأن خطوته الأخيرة جاءت من الحلفاء داخل الحكومة المؤقتة نفسها حيث عد وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو أن رئاسة الجمهورية لم تتبع مقومات العدالة الانتقالية في نشرها «الكتاب الأسود للصحافيين».

وقال ديلو «كان الأفضل تشكيل لجنة تكون مسؤولة عن وضع قائمة من الصحافيين الذين تعاونت فعلا مع النظام السابق تتكون على الأقل من قاضيين».

وأوضح «كل أجهزة الدولة مطالبة بالحفاظ على الأرشيف واستعماله في الوقت المناسب مع ضمان كل شروط الشفافية وتوفير الضمانات للأسماء الواردة فيه للدفاع عن نفسها»، مؤكدا أن هذا الإصدار يأتي خارج مسار العدالة الانتقالية بشكل صريح.

وفي نظر المعارضين للكتاب في القطاع الإعلامي فإن الإصدار لا يخرج عن كونه آلية للتشويه والابتزاز بينما ترى الأحزاب المعارضة أن المرزوقي يدفع بأجندة حزبية في قصر قرطاج قبل الانتخابات المقبلة في ظل الانشقاقات التي يشهدها حزبه وتأخره في استطلاعات الرأي.

وقال هيثم بن بلقاسم رئيس كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في المجلس التأسيسي لوكالة الأنباء الألمانية «كان الكتاب عملا أرشيفيا بحتا قام بتبويب محتوياته موظفو الأرشيف الرئاسي ولا علاقة للمرزوقي أو حزب المؤتمر بالموضوع. ومع ذلك من حق مؤسسة الرئاسة أن تكشف عن هذا الأرشيف».

وأضاف بلقاسم «الأمر يتعلق بوجود خلل أخلاقي بالنسبة للذين باعوا ضمائرهم لكتابة مقالات لمؤسسة الرئاسة والكتاب هو محاسبة أخلاقية». وتابع قائلا: «هناك من لم يعجبه الكتاب وهناك من أعجب به والرئيس لا يمكن أن يرضي الجميع ومن المنطقي أن تكون هناك انتقادات».

على صعيد آخر، قضت محكمة الناحية في مدينة الحمامات جنوب العاصمة تونس أمس بسجن مغني الراب الشهير علاء اليعقوبي المعروف باسم «ولد الكانز» أربعة أشهر «مع النفاذ العاجل» بتهمة أداء أغنية «مهينة» للشرطة خلال مشاركته الصيف الماضي في مهرجان الحمامات الدولي الذي تنظمه وزارة الثقافة.

وكانت المحكمة نفسها أصدرت في 30 أغسطس (آب) الماضي حكما غيابيا بسجن ولد الكانز (15 عاما) 21 شهرا بتهمة أداء أغنية «البوليسية كلاب» خلال مشاركته يوم 22 أغسطس في مهرجان الحمامات، إلا أن محاميه طعنوا في الحكم.