الأوقاف تعيد منابر المساجد الكبرى في مصر إلى «وسطية الأزهر»

اعتلاها المحلاوي والقرضاوي.. وأثار بعضهم «فتنة» في المجتمع

TT

خاضت وزارة الأوقاف في مصر معركة كبرى أمس للسيطرة على منابر المساجد الكبيرة في القاهرة والمحافظات، والتي أصبحت أرضا خصبة لدعاة التطرف والتحريض. وعادت المساجد أمس (الجمعة) إلى عمائم الأزهر الوسطية، لأول مرة منذ ثورة 25 يناير عام 2011.

واعتلى مسجد الجامع الأزهر في خطبة الجمعة أمس وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، ليعود الجامع الأزهر منبرا وسطيا بعد أن اعتلاه في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (المقيم في قطر)، وإسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة، وقيادات متشددة تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي.

وألقى الشيخ القرضاوي (87 عاما) العديد من خطب الجمعة في الجامع الأزهر، التي دعا خلالها لنصرة الرئيس المعزول والجهاد في سوريا وفلسطين، وسط غضب الأزهريين الذين عدوا ذلك وقتها تعديا عليهم وعلى أئمة وزارة الأوقاف البارعين والمفوهين، بحسب مراقبين.

وكان الجامع الأزهر (الذي يتبع وزارة الأوقاف كغيره من المساجد، وليس مشيخة الأزهر)، طوال تاريخه نقطة البداية للغضب والانتفاض. ويحظى بمكانة كبيرة لدى عامة المصريين. وتجلى الصراع على الجامع الأزهر أهم منبر وسطي في العالم الإسلامي بين القوى السياسية في مصر في ظل تنامي نفوذ القوى المتشددة بعد تنحي حسني مبارك عن السلطة.

وأدى عدد كبير من علماء الأزهر والأوقاف خطب الجمعة أمس بالمساجد الكبرى، في محاولة للسيطرة على المنابر، وبث خطب التهدئة والدفع بالوطن إلى الأمام بأسلوب وسطي بعيدا عن اللغو والتشدد.

وقالت قيادات مسؤولة في وزارة الأوقاف لـ«الشرق الأوسط» إن «الوزير أعاد تشكيل مجالس إدارات المساجد الكبرى التي كانت تكتظ بأنصار جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية، وتخرج منها مظاهرات أنصار مرسي خاصة في يوم الجمعة، مثل القائد إبراهيم (الإسكندرية)، ومصطفى محمود والحصري بالسادس من أكتوبر (الجيزة)، والرحمن الرحيم والنور (شرق القاهرة)، والخازندار (شبرا)».

وشهدت وزارة الأوقاف عملا هو الأول من نوعه منذ تنحي مبارك وعزل مرسي، حيث صعد منبر مسجد العزيز بالله بحي الزيتون (شرق القاهرة) الذي سيطر عليه الإسلام السياسي رغم تبعيته رسميا لوزارة الأوقاف، خطيب من وزارة الأوقاف هو الدكتور نور علي. كما صعد منبر مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية، الذي سيطر على منبره الشيخ أحمد المحلاوي (وهو مناصر لجماعة الإخوان والرئيس المعزول) على مدار فترة طويلة، الدكتور محمد أبو زيد الأمير الأستاذ بجامعة الأزهر.

من جانبه، قال وزير الأوقاف إن «مسجدي القائد إبراهيم بالإسكندرية والعزيز بالله جرى ضمهما للوزارة، وخطب بهما أمس أئمة من وزارة الأوقاف للمرة الأولى».

تأتي هذه الإجراءات ضمن حملة تنفذها وزارة الأوقاف لمنع تسخير المنابر للترويج لمواقف سياسية، ولمواجهة حالة انفلات دعوي عمت المساجد في مصر، وبغرض إبعاد المساجد عن الصراعات السياسية بين الأحزاب والتيارات المختلفة.

وسبق أن تعهد الرئيس المعزول بإصلاح أحوال الدعوة في المساجد بعد أن هيمن التيار السلفي المتشدد والإخوان على المنابر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتوالي اعتداءاتهم على الأئمة والدعاة الرسميين بمنعهم من الخطب في المساجد، وأثاروا الفتن في البلاد.

وقال مراقبون، وقتها، إن «تصرفات تيار الإسلام السياسي على منابر المساجد هددت وسطية منهج الأزهر، التي يحاول الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقيادات المؤسسة الدينية الرسمية في مصر التأكيد عليها داخليا وخارجيا».

لكن وزير الأوقاف قال لـ«الشرق الأوسط» إن وزارته تحرص على إبعاد الموضوعات السياسية عن منابر المساجد، مشيرا إلى أنه جرى «تشكيل لجنة بالوزارة للمساجد الكبرى لمتابعة ما يحدث ببعضها من الخروج عن دورها في الدعوة والتوجه بها إلى العمل السياسي أو الحزبي، وتحويل أي مسؤول عن هذه الأعمال للمساءلة حال ثبوت قيامه بالإساءة لاستخدام المنابر».

وأوضح الوزير أنه «ألغى جميع تصاريح الخطابة الخاصة بخطباء المكافأة، وذلك لمنع صعود غير الأزهريين على منابر المساجد الحكومية والأهلية».

في السياق نفسه، شهدت مديريات أوقاف القاهرة في الأيام الماضية، منع 527 خطيبا بالمكافأة غير أزهريين من صعود المنابر من خلال لجان مرور وتفتيش دائمة.

كما طالب وزير الأوقاف بحل فرع اتحاد العلماء المسلمين بالقاهرة، قائلا: «نستنكر بقوة تجاوز الشيخ القرضاوي في حق الوطن وحق الأزهر الشريف.. ونرى أن اتحاد علماء المسلمين، الذي يرأسه القرضاوي، قد خرج عن المسار الصحيح بما يضر بمصلحة الوطن، وينبغي حل فرعه في القاهرة».

وتقدم القرضاوي باستقالته من هيئة كبار العلماء بالأزهر التي يرأسها شيخ الأزهر، وشن القرضاوي -الذي يعد المرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين - هجوما حادا على قيادات الأزهر وشيخه في استقالته، لكن مسؤولا بمشيخة الأزهر قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الدكتور الطيب رفض التعليق على ما جاء في استقالة القرضاوي».

ويرفض القرضاوي قرار قادة الجيش والأزهر والكنيسة وسياسيين آخرين، بعزل مرسي في يوليو (تموز) الماضي، ويتهم السلطات الأمنية في البلاد باستخدام العنف المفرط في مواجهة المظاهرات المؤيدة للرئيس المعزول. كما طالب القرضاوي أكثر من مرة الجنود المصريين بعدم الانصياع لأوامر قادتهم.