معركة الاستفتاء على الدستور المصري «ترمم» مؤقتا تصدعات جبهة «30 يونيو»

تجاوزت خلافاتها «الثانوية» لتجنب العودة إلى «المربع الأول»

TT

يتجه تحالف القوى السياسية، الذي قاد عملية التغيير في مصر بعد 30 يونيو (حزيران) الماضي، إلى ترميم تصدعات في صفوفه؛ لبدء معركة الاستفتاء على دستور البلاد. ويبدو أن أطراف التحالف العريض والمتنافر ينظرون إلى انتقاد أداء الحكومة المدعومة من الجيش، والشكوك بشأن «تراجع» الحريات باعتبارها «خلافات ثانوية»، رغم تحفظ معظم الأطراف على نصوص بمشروع الدستور نفسه.

وانتهت لجنة تعديل الدستور من أعمالها نهاية الشهر الماضي، ورفعت اللجنة التي تشكلت من خمسين عضوا الأسبوع الماضي مشروع الدستور إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور، في أبرز خطوة لإنجاز خارطة المستقبل التي وضعها الجيش بالتوافق مع قوى سياسية ورموز دينية عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو (تموز) الماضي.

وقال حسام مؤنس، المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي، إن القوى السياسية الداعمة لثورة 30 يونيو لديها موقف موحد من الدستور، وستعمل رغم تحفظها على بعض مواده للدعوة إلى التصويت بـ«نعم» في الاستفتاء المقبل، «لكن هذا لن يمنعنا من نقد الحكومة التي تعبر عن 30 يونيو».

وأضاف مؤنس لـ«الشرق الأوسط» أن «طريقة الإدارة الخاطئة من شأنها أن تؤدي إلى استمرار الخلافات، ونحن سنتصدى لأي طرف يحاول جرنا إلى الماضي. الدستور عليه ملاحظات وكان يمكن أن يخرج في صورة أفضل إن كان من يديرون المرحلة الراهنة لديهم قدر أكبر من المرونة، لكن الدستور يبقى أيضا بعيدا عن الخلافات الثانوية، وهو جزء من خارطة المستقبل التي نعمل جميعا على الانتهاء منها».

وتلاحق حكومة الدكتور حازم الببلاوي انتقادات كثيرة، من أبرزها رفض قوى سياسية - من بينها التحالف الشعبي - قانون تنظيم الحق في التظاهر الذي أصدره الرئيس منصور قبل نهاية الشهر الماضي. كما أعربت قوى ثورية عن شكوكها بشأن تراجع الحريات في الوقت الراهن، لكن من شأن سقوط الدستور في الاستفتاء أن يوجه ضربة قوية لثورة 30 يونيو، ويعيد المشهد السياسي إلى المربع الأول.

وتبادلت قوى شكلت تحالف 30 يونيو الاتهامات بشأن المواقف من جماعة الإخوان المسلمين؛ التي تواجه أعنف حملة أمنية في تاريخها الحافل بالمحن. وشاع تعبير «الطابور الخامس» (وهو تعبير شاع استخدامه إبان الحرب العالمية الثانية لوصف الخائنين المتعاونين مع قوات المحور) لوصف آراء اعتبرت متساهلة بحق جماعة الإخوان، لكن على ما يبدو تراجعت لصالح اصطفاف في معركة الدستور.

وقال ياسر حسان، عضو الهيئة العليا في حزب الوفد، لـ«الشرق الأوسط» إن حزبه يتجه لدعم الدستور ودعوة المواطنين للتصويت بـ«نعم»، لافتا إلى أن الخلافات التي تشهدها الساحة السياسية حاليا يجب أن تبقى في إطار الخلافات الحزبية وبمنأى عن الوثيقة الدستورية التي تمثل القاعدة العامة.

وأشار القيادي الوفدي إلى أن حزب الوفد لديه تحفظات على مشروع الدستور، ويأتي على رأس هذه التحفظات إلغاء الغرفة الثانية في البرلمان، والتراجع عن منح الأكثرية البرلمانية حق اختيار رئيس الوزراء، وأخيرا قانون الانتخابات البرلمانية، لكن هذه التحفظات يمكن أن ننحيها جانبا في الوقت الراهن.

وأحالت السلطات القضائية ثلاثة شبان من أبرز رموز الثورة في مصر إلى المحاكمة في اتهامات بالتظاهر بالمخالفة للقانون والاعتداء على رجال شرطة، كما أوقفت قناة فضائية خاصة برنامج للإعلامي الساخر باسم يوسف، الذي عرف بنقده اللاذع للرئيس السابق مرسي، عقب إذاعة أولى حلقات الموسم الجديد التي حملت ما اعتبر سخرية من النظام السياسي الجديد في البلاد.

ورحب بيان لـ«المجلس القومي لحقوق الإنسان»، وهو منظمة شبه رسمية، أمس بمشروع الدستور الجديد، واعتبر البيان مشروع الدستور يؤسس لدولة جديدة قائمة على مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويكفل الحقوق والحريات العامة للمواطنين ويقر بحقوق المرأة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، كما يؤكد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وعلى فكرة العدالة الانتقالية، وحرية الإعلام، والإبداع والملكية الفكرية.

وأبدى المجلس القومي لحقوق الإنسان قبل أيام تحفظه على قانون التظاهر، وانتقد مشروعي قانونين آخرين كانت الحكومة تعتزم إصدارهما. وتجنب المجلس في بيانه الحديث عن مادة مثيرة للجدل تسمح بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وهي أبرز المواد الخلافية في الدستور الجديد.

وأعلن المجلس القومي لحقوق الإنسان عن تدشينه حملة «اعرف دستورك» لتوعية المواطنين بالمواد التي تضمنها مشروع الدستور، وخصوصا المواد المتعلقة بالحقوق والحريات العامة والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ودعا المجلس المعني بحقوق الإنسان إلى ضرورة تعديل المنظومة التشريعية المصرية، بما يتسق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لكفالة الحقوق والحريات العامة في مصر.

من جانبه، قال طارق الخولي، عضو المكتب السياسي في تكتل القوى الثورية: «سنجري سلسلة مشاورات مع خبراء قانونيين وقامات وطنية حول الموقف من الدستور وإن كان الاتجاه العام مع التصويت بـ(نعم)، وسنعلن قريبا في مؤتمر صحافي الموقف النهائي من الوثيقة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف من الدستور لن يكون موقفا سياسيا، ولكنه سيكون موقفا يتأسس من خلال منظور قانوني بحت ينصب على المزايا التي وردت في تلك الوثيقة التأسيسية، التي تحقق فصلا حقيقيا بين السلطات.

وانتشرت في القاهرة خلال الأيام الماضية لافتات تدعو إلى المشاركة في الاستفتاء المرجح أن يجرى مطلع الشهر المقبل. وتحمل تلك اللافتات شعار «المشاركة في الاستفتاء يعني نعم لثورتي 30 يونيو و25 يناير».