الانتخابات المقبلة في العراق تغير خارطة التحالفات السياسية

الكتل الكبيرة تتشظى والولاءات تبقى مذهبية وليست ليبرالية

شابة عراقية تشارك في الانتخابات التمهيدية للتيار الصدري استعدادا للانتخابات البرلمانية، في مدينة الصدر شرق بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

بناء على تجربة صيغة المشاركة الحكومية للقوى الأكثر فاعلية في العراق خلال ما سمي حكومتي «الوحدة الوطنية» 2006 - 2009 و«الشراكة الوطنية» 2010 - 2014 وما ترتب عليها من فشل مركب، سواء على صعيد الخدمات والأمن أو مبدأ التداول السلمي للسلطة، عبر تشبث رئيس الوزراء نوري المالكي بالسلطة، فإن كل التوقعات تشير إلى أن الخارطة السياسية في العراق سوف تتغير إلى حد كبير.

المالكي الذي يتزعم واحدا من أكبر الائتلافات في البلاد (دولة القانون) وإن كان قد تسرب منه عدد من النواب (حسين الأسدي، جواد البزوني، عزة الشابندر) لا يزال من وجهة نظر خصومه متمسكا بالولاية الثالثة، وتتلخص بالعبارة التي قالها قبل سنوات وهي «ما ننطيها» التي تحولت إلى إحدى أكثر العبارات التي يلام عليها المالكي في بلد يريد بناء تجربة ديمقراطية جديدة.

المالكي من خلال ما تسرب عن زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، وعلى عهدة زعيم المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي، خلال حديث له مع مجموعة من وسائل الإعلام من بينها «الشرق الأوسط»، تلقى شبه تعنيف من قبل «الرئيس الأميركي أوباما الذي لم يكن راضيا عن سياسات المالكي مع شركائه». ويضيف أن «المالكي بعد أن اتخذ شركاؤه داخل التحالف الوطني، وفي المقدمة منهم التيار الصدري (بزعامة مقتدى الصدر) والمجلس الأعلى الإسلامي (بزعامة عمار الحكيم)، قرارا بعدم تجديد ولايته الثالثة، بات بحاجة إلى تسويق نفسه أمام الأميركان والإيرانيين».

الجلبي الذي رشح نفسه ضمن قائمة كتلة المواطن التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي، برر ذلك في اللقاء نفسه بأن «التيار المدني والليبرالي لا يزال غير قادر على أن يفرض نفسه كقوة كبيرة موحدة، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو دخول شخصيات مدنية ضمن هذه القوائم، خصوصا أنها تريد تخطي الصبغة المذهبية عنها». وبالقياس إلى ما يجري الآن قبيل الانتخابات، حيث إن القوى السياسية الطائفية وطبقا لما أكده عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي وأحد قادة التيار الديمقراطي الدكتور رائد فهمي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن البعد الطائفي لا يزال مصدر قوة للكثير من القوى السياسية إلا أن هناك نوعا من إعادة الانتشار فيما بينها لا تغييرا يمكن تلمس نتائجه بوضوح». نقول بالقياس إلى ما يجري من تفتت بعض الكتل الكبيرة ودخولها الانتخابات بقوائم منفصلة فإن هناك محاولات للانفتاح على بعض الشخصيات دون محددات واضحة؛ فنائب كان يوصف بأنه كبير مفاوضي المالكي مثل عزة الشابندر وأحد أبرز من وجه نقدا قاسيا للتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر يعلن انسحابه من دولة القانون ويقابل الصدر.

الشابندر يوشك على إعلان كتلة جديدة، من بين الشخصيات التي تضمها نائب عن القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي قبل تشظيها وهو حسين الشعلان، ونائب سابق عن التحالف الوطني هو وائل عبد اللطيف، ما يعني أن هناك نوعا من الحراك والتداخل بين الكتل والقوائم. صحيح أن الشابندر لم يعلن انضمامه إلى التيار الصدري إلا أن هناك نوعا من التماهي بين التيارات المذهبية والمدنية. ولعل مما يلفت النظر في هذا السياق أيضا الزيارة التي قام بها أخيرا زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم إلى النائبة المستقلة الآن في البرلمان العراقي صفية السهيل (كانت قد بدأت مع القائمة العراقية بزعامة علاوي).. لفتت الأنظار سواء بشأن تحالف مستقبلي معها لخوض الانتخابات ضمن كتلة المواطن أو لمجرد إظهار حسن النية من قبل القوى المذهبية للتيار المدني أو بالعكس.

الدكتور رائد فهمي يضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «مؤشرات تغيير الخارطة الانتخابية غير محسوم حتى وإن بدا أن هناك تغييرا بهذا الاتجاه»، مبينا في الوقت نفسه أن «هناك نوعا من إعادة الانتشار؛ لأن هذه القوى تريد إعادة إنتاج نفسها، وهو ما ينبغي الحذر منه، حيث يجب عدم الإفراط في التفاؤل كثيرا». ويرى أن «ما يحدد ملامح الخارطة المقبلة هو تجربة الفشل في إطار المشاركة السياسية للفترة الماضية».

وبشأن ما باتت تعلنه بعض الكتل السياسية، بمن فيها ذات الطابع المذهبي، يقول فهمي إن «مسألة البرنامج السياسي أمر مهم؛ لأن من شأن ذلك تخطي الطائفية والعرقية، وهو ما تخشاه بعض الكتل الكبيرة؛ لأن من شأن ذلك أن يقود، في إطار تحالف جديد، تشكيل الحكومة المقبلة».

في هذا الإطار فإن هناك رهانات كثيرة سواء على صعيد تشظي الكتل أو تغيير التحالفات. فالكتل الكبيرة مثل «التحالف الوطني الشيعي الحاكم» أعلنت ليس فقط عن دخول الانتخابات كقوائم منفصلة، بل أعلنت عن أنها جميعا ومع تأكيدها على أهمية بقاء التحالف الوطني إطارا عاما، لها فإن بقاء هذا التحالف مرهون بعدم منح المالكي ولا حزبه (الدعوة) فرصة لولاية ثالثة.

أما القائمة العراقية فإن وضعها يبدو أكثر صعوبة لأن تشظيها إلى قوائم وكتل مختلفة لا يزال مرهونا بصراعات كبيرة داخل المكون السني، وهو ما يجعل الصراع يقوم بين شخوص تارة (أسامة النجيفي مقابل صالح المطلك) أو تكتلات (العراقية الوطنية بزعامة علاوي مقابل متحدون بزعامة النجيفي) في سياق تمثيل المكون السني. ومع أن هناك مشكلة كبيرة داخل التحالف الكردستاني فإن الأكراد اعتادوا أن يكونوا موحدين حيال تجربتهم مع بغداد. ولذلك فإنهم سيبقون بمثابة «بيضة القبان» التي من شأنها ترجيح كفة من يشكل الحكومة المقبلة بعد انتخابات 2014.