صدمة في جنوب أفريقيا إثر وفاة مانديلا ومخاوف من عودة التوترات

الزعيم الراحل سيدفن في مقبرة أجداده في 15 من الشهر الحالي بعد مراسم وطنية «جديرة بأبي الأمة»

مواطنون حولوا الحزن على مانديلا إلى أجواء من الاحتفال أمس في مدينة سويتو البلدة التي عاش بها الراحل (رويترز)
TT

أعلنت جنوب أفريقيا أمس أن مراسم وطنية ستقام لرئيسها الأسبق نيلسون مانديلا، الذي وافته المنية أول من أمس عن 95 عاما، في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي في ملعب كرة القدم في سويتو، وأنه سيدفن في الخامس عشر من الشهر نفسه في مقابر أجداده بقرية كونو بإقليم الكاب الشرقي.

وقال رئيس الدولة جاكوب زوما «سنقيم جنازة وطنية للرئيس السابق نيلسون مانديلا وسيدفن في الخامس عشر من الشهر الحالي في مسقط رأسه كونو في مقاطعة الكاب الشرقية»، مضيفا أن مراسم رسمية ستجرى في العاشر من ديسمبر الحالي في ملعب سوكر سيتي لكرة القدم في سويتو قرب جوهانسبورغ. وأضاف «سنعمل معا من أجل تنظيم جنازة جديرة بهذا الابن الاستثنائي لبلدنا وأبي أمتنا الفتية». وأعلن الأسبوع المقبل بأكمله «أسبوع حداد وطني». وستشهد البلاد في الثامن من الشهر الحالي «يوما وطنيا للصلوات والتأمل»، على أن يسجى جثمان مانديلا في «يونيون بيلدينغز» مقر الرئاسة في بريتوريا من الحادي عشر إلى الثالث عشر من ديسمبر الحالي.

وكشف الرئيس زوما عن هذه الترتيبات غداة إعلانه لمواطنيه في كلمة تلفزيونية مباشرة أن «حبيبنا نيلسون مانديلا، الرئيس المؤسس لأمتنا الديمقراطية، فارقنا. توفي بسلام محاطا بعائلته قرابة الساعة 20.50. إن امتنا فقدت أعظم أبنائها».

وفور إعلان وفاة مانديلا الذي يمثل في نظر العالم أجمع تجسيدا للمصالحة بين السود والبيض، تقاطر مئات الأشخاص للتجمع قرب منزله في جوهانسبورغ. ولم تكن الأجواء حزينة بل احتفالية، إذ علت أناشيد ضد الفصل العنصري وأغان تشيد بـ«ماديبا» كما هو معروف باسمه القبلي، رددها الحشد ملوحا بأعلام وهاتفا أحيانا «يحيا مانديلا».

وقالت آشلي ويليامز، التي تسكن بجوار منزل مانديلا وهرعت فور إعلان وفاته على التلفزيون «كنت أدرك أن هذا اليوم آت، لكن بوسعي القول إن حبيبنا مانديلا خاض المعركة الصحيحة، وآن له أن يرقد بسلام». وقال أحد أبطال النضال الآخرين ضد الفصل العنصري، الأسقف الأنغليكاني ديزموند توتو، الذي يعد في سن الـ82 ضمير بلاده «علمنا ماديبا على مدى 24 عاما (منذ خروجه من السجن) كيف نعيش معا ونؤمن بأنفسنا وبجميع الآخرين. التلميح إلى أن جنوب أفريقيا يمكن أن تشتعل (بعد وفاة مانديلا) كما تكهن البعض إنما فيه طعن في الشعب الجنوب أفريقي وفي إرث ماديبا».

ورغم تطمينات الزعماء والشخصيات العامة بأن وفاة مانديلا مع ما يصاحبها من أسى لن توقف تقدم جنوب أفريقيا وابتعادها عن تاريخها العنصري المرير، عبر البعض عن شعوره بعدم الارتياح لغياب رجل اشتهر بأنه صانع للسلام. وقالت شارون كويبكا (28 عاما)، التي تعمل سكرتيرة، وهي في طريقها إلى العمل في جوهانسبورغ «الأمور لن تسير بشكل جيد. أعتقد أن البلاد ستصبح أكثر عنصرية. الناس سينقلبون على بعض ويطاردون الأجانب. مانديلا الوحيد الذي كان قادرا على تجميع الكل». ونكست الأعلام مع إعلان الحداد في البلاد، حيث من المقرر أن تقام الجنازة الرسمية لمانديلا في الخامس عشر من الشهر الحالي.

وقال فريدريك دي كليرك، آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا، أمس، إن أكبر إنجازات مانديلا هو توحيد جنوب أفريقيا والسعي إلى المصالحة بين السود والبيض في عهد ما بعد سياسات الفصل العنصري. وقال دي كليرك في مقابلة مع محطة قناة «سي إن إن» الإخبارية عقب الإعلان عن وفاة مانديلا «كان موحدا عظيما ورجلا فريدا جدا جدا في هذا المجال فوق كل شيء آخر فعله. هذا التركيز على المصالحة كان أكبر ميراث تركه».

لكن بالنسبة لمواطني جنوب أفريقيا يأتي موت زعيمهم المحبوب في وقت تشهد فيه البلاد، التي نعمت بالإشادة العالمية لإنهائها الفصل العنصري، اضطرابات عمالية دامية واحتجاجات متصاعدة على ضعف الخدمات والفقر والجريمة والبطالة وفضائح الفساد التي تلاحق حكم زوما. ويرى كثيرون أن جنوب أفريقيا، وهي أكبر اقتصاد في أفريقيا لكنها واحدة من أكثر دول العالم افتقارا للمساواة، لا تزال اليوم بعيدة عن نموذج الدولة «ذات أطياف قوس قزح» التي تنعم بالسلام الاجتماعي وتتشارك في الرخاء، كما أعلن مانديلا لدى خروجه مظفرا من السجن عام 1990.

وقال جوزيف نكوسي (36 عاما)، وهو حارس أمن في جوهانسبورغ «أشعر كمن فقد أباه. فقدت من كان يرعاني. أي مواطن أسود بلا معارف يجد نفسه في وضع ضعيف». وأضاف مشيرا إلى مانديلا باسمه القبلي «الآن من دون ماديبا أشعر بأنني ليست لدي فرصة. الغني سيزداد غنى وينسانا. الفقراء لا يعنون شيئا بالنسبة لهم. انظر إلى زعمائنا السياسيين ليس من بينهم من هو مثل مانديلا».