رحيل مانديلا حداد شخصي لأوباما

الرئيس الأميركي يجل ثلاثة عظماء بينهم الزعيم الأفريقي الراحل

أوباما ينظر من نافذة الزنزانة التي سُجن فيها مانديلا في جزيرة روبن أيلاند خلال زيارته جنوب أفريقيا في يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

في خطوة نادرة لوفاة لا ترتبط مباشرة بالولايات المتحدة، أمر الرئيس باراك أوباما بتنكيس الأعلام على كل المباني العامة في البلاد وخارجها خلال أربعة أيام. وفضلا عن ذلك، أكد البيت الأبيض أن الرئيس أوباما وزوجته ميشيل سيذهبان إلى جنوب أفريقيا الأسبوع المقبل للمشاركة في إلقاء النظرة الأخيرة على «ماديبا»، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل على الفور.

وهناك ثلاثة عظماء يجلهم أوباما، أول رئيس أسود للولايات المتحدة، هم أبراهام لينكولن، ومارتن لوثر كينغ، ونيلسون مانديلا الذي تحدث عنه مطولا في كتابه «أحلام والدي».

وفي نعيه مانديلا بتأثر بالغ بعد دقائق قليلة من إعلان وفاته يوم الخميس الماضي، ربط أوباما ضمنا بينه وبين بطليه الآخرين. وقال «إنه لم يعد بيننا، أصبح في الأبدية»، مستعيدا عبارة ألقيت بعد اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن الملقب بـ«محرر العبيد» في 1865. ودعا أيضا إلى التعبير عن «امتناننا لحياة نيلسون مانديلا، الرجل الذي صنع التاريخ وحول مسار العالم الأخلاقي نحو العدالة»، وهي عبارة كررها مارتن لوثر كينغ المناضل البارز من أجل المساواة العرقية في الولايات المتحدة. وخلافا للجيل السابق من رجالات السياسة السود الأميركيين أمثال جيسي جاكسون رفيق درب مارتن لوثر كينغ، كان أوباما صغيرا جدا لخوض المعركة ضد التمييز في بلاده، إذ لم يكن قد بلغ سن الثالثة عندما أصدر الرئيس ليندون جونسون القانون التاريخي حول الحقوق المدنية في عام 1964. وصحوة ضميره السياسي في أواخر السبعينات، كما ذكر مساء الخميس، يدين بها لمانديلا الذي وضعه النظام العنصري الأبيض في السجن. وقال «إنني من ملايين الأشخاص الذين استوحوا من حياة نيلسون مانديلا. فأول خطوة في مسيرتي السياسية وأول فعل قمت به متعلق بالسياسة كان مشاركتي في مظاهرة ضد الفصل العنصري. وقد درست كلماته وكتاباته».

وروى الرئيس الأميركي أيضا «في اليوم الذي خرج فيه من السجن أعطاني فكرة أن بإمكان البشر أن يفعلوا عندما تكون آمالهم مرشدهم وليس خوفهم. وككثيرين من الناس في العالم لا أستطيع تصور حياتي كلها من دون أمثال نيلسون مانديلا».

لكن هذا المبدأ يتناقض مع السياسة الرسمية التي اعتمدتها الولايات المتحدة مع نهاية الحرب الباردة عندما توافقت واشنطن مع بريتوريا على وصف نيلسون مانديلا بـ«الإرهابي». فحين كان النظام العنصري حليفا للولايات المتحدة في وجه النفوذ السوفياتي، اعترض الرئيس الجمهوري رونالد ريغان على فرض عقوبات على جنوب أفريقيا اقترحها آنذاك السيناتور الديمقراطي تيد كيندي. لكن الكونغرس تجاوز اعتراض الرئيس، في خطوة استثنائية، وصوت على خفض المساعدة الاقتصادية لبريتوريا عام 1986.

ووعد أوباما الخميس «طالما بقيت حيا سأبذل كل ما بوسعي لأتعلم» من مانديلا الذي لم يلتقه سوى مرة واحدة على الرغم من كل الإجلال الذي يكنه للذي كان مثله أول رئيس أسود لبلاده. وجرت تلك المقابلة القصيرة في أحد فنادق واشنطن عام 2005. وكان أوباما انتخب لتوه سيناتورا عن إيلينوي (شمال).

وعندما توجه إلى جنوب أفريقيا في زيارة رسمية في أواخر يونيو (حزيران) الماضي في إطار أول جولة رئاسية كبيرة له إلى القارة الأفريقية اضطر أوباما للعدول عن لقاء «ماديبا» الذي كان مريضا جدا. لكنه زار مع زوجته وابنتيه بتأثر زنزانة روبن آيلاند قبالة مدينة الكاب حيث قبع مانديلا طوال ثمانية عشر عاما.

كما تحادث أيضا هاتفيا مع عائلة الرئيس الجنوب أفريقي الأسبق، ودعا الأجيال الشابة إلى اقتفاء أثره. وعلى الكتاب الذهبي لروبن آيلاند كتب أوباما «باسم عائلتي نقف بكل خشوع هنا، في المكان الذي واجه فيه رجال بشجاعة كبيرة الظلم ورفضوا الخضوع».