الحرب في سوريا تدخل يومها الألف.. ومجازر جديدة في النبك

الجيش الحر يتحصن في مزارع ريما والقتال في القلمون يشتد

سوري يحمل صبيا انتشل من تحت ركام منزل بعد غارة جوية شنتها القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد في مدينة حلب أمس (رويترز)
TT

دخلت الحرب في سوريا يومها الألف أمس، من دون أفق لانتهاء الأزمة التي بدأت بتظاهرات سلمية مطالبة بحريات مدنية في مارس (آذار) 2011، قبل اندلاع القتال في كافة أرجاء البلاد. وبحسب آخر تقديرات عن ضحايا الحرب في سوريا، قتل أكثر من 125 ألف سوري، من بينهم 102 الف مدني، بالاضافة الى إصابة العشرات من الآلاف وتهجير أكثر من 7 ملايين سوري داخل البلاد وخارجها.

واحتدمت المعارك أمس، إذ تمكنت القوات الحكومية السورية استعادة السيطرة على مدينة النبك في ريف دمشق الشمالي، مما يساعد النظام السوري من توفير الإمدادات لقواته المقاتلة في العاصمة السورية، عبر إعادة بسط نفوذها على أوتوستراد دمشق - حمص الدولي. وتزامنت تلك التطورات مع إعلان المعارضة السورية أن النظام، والقوات التي تقاتل إلى جانبه، «ارتكبت مجازر ذهب ضحيتها نحو 100 قتيل من المدنيين في المنطقة».

وفي حين أعلن مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق أن عدد قتلى مجازر النبك «تجاوز المائة قتيل»، أعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن «مرتزقة النظام الطائفيين ارتكبوا مجزرة مروعة ثانية بحق 34 شخصا بينهم عائلات بأكملها ونساء وأطفال في حي التفاح بمدينة النبك، إعداما بالرصاص أو ذبحا بالسكاكين ثم حرقا للجثث، بعد يوم واحد فقط من مجزرة مروعة في الحي نفسه راح ضحيتها ما لا يقل عن الخمسين شهيدا».

وأشار الائتلاف إلى أنه «تعذر على منظمة الهلال الأحمر الدخول إلى المكان» بعد أن أطلقت القوات النظامية الرصاص على أحد مواكبها أثناء التوجه إلى الحي المذكور السبت الماضي، «في محاولة من أصحاب القلوب الميتة لإخفاء معالم الجريمة». ورأى الائتلاف أن «إذكاء نار الطائفية» من قبل نظام الأسد وحلفائه الشيعة «لن يذر فردا منهم، لما يحمله النهج الذي سلكوه من ويلات عليهم قبل أي أحد آخر».

وسيطرت القوات النظامية، مساء أول من أمس، على النبك، باستثناء الحي الشرقي منها، البعيد عن طريق دمشق - حمص الدولي. وأوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن هذا الطريق «لم يعد في المرمى المباشر للمقاتلين المعارضين، بعدما أصبحت بلدتا قارة ثم دير عطية ومعظم النبك في أيدي النظام».

وترسم المعركة في النبك، خطا واضحا لسير المعركة في منطقة القلمون، حيث يتنقل القتال من الشمال باتجاه الجنوب، بمحاذاة الطريق الدولي، مما يعني أن النقطة التالية للصراع ستكون في يبرود.

وتبذل القوات النظامية وحلفاؤها جهودا كبيرا لتأمين خط الإمداد ومنع تدفق المقاتلين إلى سوريا، ومحاصرة قوات المعارضة في منطقة شاسعة تمتد من الغوطة الشرقية باتجاه جرود ووديان معلولا، التي تعد الأكبر في المنطقة، فضلا عن إبعاد قوات المعارضة عن حدود العاصمة السورية.

غير أن التقدم في القلمون، ليس مهمة سهلة بالنسبة للقوات النظامية، كما يقول معارضون في القلمون. فقد انطلقت هذه المعركة قبل نحو شهر، تمكنت فيه من استعادة السيطرة على قارة ودير عطية خلال أسبوعين، قبل أن تنطلق باتجاه النبك التي حاصرتها نحو 20 يوما، ولم تنجح في السيطرة عليها، كما تقول المعارضة، قبل ارتكاب مجازر بحق المدنيين.

وتبدو الحرب في ريف دمشق، وفق العلوم العسكرية، أشبه بحرب الدوائر القتالية. وتشير خارطة القتال في المنطقة إلى أن القوات النظامية تنطلق في معاركها من دائرتين؛ الأولى ضيقة تحيط بالعاصمة السورية باتجاه المناطق المحيطة بها جنوب العاصمة في المعضمية وداريا والقدم والحجر الأسود، وهي مناطق تحاصر فيها المعارضة العاصمة السورية، ولا يفصل بينهما إلا خطوط التماس، فيما تشن القوات الحكومية هجوما لاستعادة الغوطة الشرقية، عبر تركيز القتال في جوبر والقابون وبرزة وعين ترما.

وبموازاة ذلك، تتبع القوات النظامية استراتيجية الحصار ذي الشعاع الكبير، من المناطق التي تسيطر عليها في ريف دمشق البعيد، مما يجعل المعارضة عرضة لنيران القوات الحكومية على أطراف دمشق المباشرة، وعلى أطراف ريف دمشق البعيدة.

ووفق هذه الاستراتيجية، تشن القوات الحكومية هجوما على المعارضة جنوب دمشق من منطقة صحنايا ومن مطار دمشق الدولي، فيما توسع دائرة الحصار على الغوطة الشرقية من ناحية الشمال الشرقي، بمحاذاة مزارع وبساتين دوما، وهي أكبر مدن الغوطة وأولها ثورة على النظام. أما من جهة الشمال والشمال الغربي، فتكمل القوات النظامية تقدمها من ريف حمص وتحديدا من القصير، باتجاه ريف دمشق، بدءا من قارة، إلى دير عطية وسحل بمحاذاة طريق دمشق وحمص الدولي، ثم النبك، قبل أن تكمل جنوبا باتجاه يبرود.

وتعتبر معركة يبرود، من أصعب المعارك التي ستواجه النظام السوري، في حال قرر إطلاق المعركة فيها. ويقول القائد الميداني في المدينة أبو النور اليبرودي لـ«الشرق الأوسط» إن المدينة «محمية بالوجود العسكري المكثف لقوات المعارضة في منطقة مزارع ريما التي تفصل بيننا وبين النبك»، مشيرا إلى أن يبرود «مجهزة بخنادق نظرا لسيطرة المعارضة عليها منذ أكثر من عام، ولا يمكن اختراقها»، مشيرا إلى أن المدينة «تتضمن سوقا للسلاح، وهي أحد الخطوط الخلفية للجيش الحر في القلمون».

وتعد هذه المنطقة التجارية، استراتيجية، وتتمتع بأهمية تجارية وديموغرافية. وتضم يبرود مدينة صناعية «دمرت القوات النظامية جزءا كبيرا منها»، بحسب عضو مجلس قيادة الثورة في دمشق إسماعيل الداراني، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن المدينة «يسكنها أكثر من 12 ألف مسيحي، وتضم مقرا دينيا للمسيحيين يعد الأهم في ريف دمشق، نظرا لأنه كان يستخدم مقرا للبطريركية».

وتقع يبرود على خط جغرافي واحد مع سحل ومزارع ريما غرب طريق حمص - دمشق الدولي، وهي متصلة بالنبك الواقعة شرق الأوتوستراد. ويشير الداراني إلى أن المدينة «ارتفع عدد المدنيين فيها إلى 70 ألفا، بعد نزوح عدد كبير من السوريين باتجاهها»، لكن أهميتها الجغرافية «أهلتها لتكون القاعدة الخلفية للمعارضة». ويقول أبو النور اليبرودي إنها «تعد المنطقة الواصلة بين طرق حمص - دمشق الدولي والحدود اللبنانية في عرسال، ولا يفصلها عن لبنان إلا قرية فليطا التابعة لها».

وإذ ينفي اليبرودي تقدم القوات النظامية باتجاه يبرود، يؤكد أن «عددا كبيرا من مقاتلي الجيش الحر والمقاتلين الإسلاميين يتحصنون في منطقة مزارع ريما التي تبعد كيلومترين عن يبرود باتجاه النبك وتشهد عمليات عسكرية واشتباكات مع النظام»، فيما اقتربت القوات النظامية من جسر النبك، القريب جدا من مزارع ريما، و«كثف عليه النظام بشكل مرعب القصف خلال الأيام الثلاثة الماضية، انطلاقا من قواعده في قرية السحل»، لافتا إلى أن القوات النظامية بسيطرتها على النبك «اعتمدت مبدأ الأرض المحروقة».

ويؤكد ناشطون أن المعركة في القلمون، يشارك فيها حلفاء النظام بشكل أساسي. وذكر الائتلاف الوطني السوري أن 14 فصيلا عسكريا شيعيا على الأقل يقاتلون إلى جانب النظام السوري بدعم وتسهيل من قبل حكومة المالكي في العراق، وأن لواء «ذو الفقار» الضالع في مجزرتي النبك واحد منها؛ مطالبا «بإدراج كل التنظيمات العسكرية الطائفية التي تقاتل إلى جانب النظام ضمن لوائح الإرهاب، وعلى رأسها (أبو الفضل العباس)، و(ذو الفقار)، و(حزب الله اللبناني)، و(لواء كفيل زينب)، و(لواء القوة الحيدرية)، و(لواء عمار بن ياسر)، و(كتائب حزب الله العراق)، و(كتائب سيد الشهداء)، و(لواء الإمام الحسن المجتبى)، و(لواء الإمام الحسين)، و(فيلق بدر الجناح العسكري)، و(فيلق الوعد الصادق)، و(سرايا الطليعة الخراساني)، و(سرية أحمد كيارة)». وشدد الائتلاف على أهمية محاسبة كل من يساعد على تجنيدهم ويسهل مرورهم إلى سوريا من حكومات ومجموعات مسلحة في المنطقة.

في غضون ذلك، أعدم عناصر من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بائع مازوت في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بعد اتهامه «بسب الذات الإلهية». وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن إبراهيم قسوم أُعدم بعد يومين من اعتقاله «بطلقة في الرأس، علما بأنه رجل غير متزن عقليا».