تراجع «المؤتمر» الحاكم وتقدم المعارضة في انتخابات الهند

حزب «عامة الشعب» يضم الكثير من الأعضاء المثقفين الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة الساخطة

أرفند كريجوال زعيم حزب «آم آدمي» أو «عامة الشعب»، الذي جرى تأسيسه العام الماضي بواسطة حركة قوية نشأت لمحاربة الفساد، في طريقه لترؤس مؤتمر جماهيري بعد فوز حزبه في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

كشفت نتائج انتخابات الجمعيات التشريعية التي أجريت أخيرا بالهند، والتي يطلق عليها دائما وصف مباريات نصف النهائي حيث تمهد للانتخابات العامة المقررة في منتصف شهر مايو (أيار) من عام 2014، عن نتائج مدهشة. فقد لقي حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، الذي حكم الهند غالبية فترة الـ66 عاما منذ استقلال الهند عن بريطانيا في عام 1947، هزيمة ساحقة، بينما حقق حزب اليمين المعارض «بهاراتيا جاناتا» الفوز في أربع ولايات احتدم فيها الصراع؛ وهي: راجاستان ومادهيا براديش ودلهي، وتشاتيسغاره التي يسكنها 180 مليون نسمة.

وخسر حزب «المؤتمر» السلطة في ولايتي دلهي وراجاستان، كما فشل في انتزاع الفوز في ولايتي مادهيا براديش وتشاتيسغاره من حزب «بهاراتيا جاناتا».

وتعكس نتائج الانتخابات، التي تأتي بعد فترتي حكم لحزب «المؤتمر الوطني»، انخفاضا واضحا في شعبية حزب «المؤتمر»، مما يلقي بظلال من الشك على حنكة رئيسه المحتمل راهول غاندي في قيادة الاستراتيجية الانتخابية للحزب، الذي وصل عن طريقه والده وجدته وجده إلى منصب رئيس وزراء الهند.

أما المفاجأة الحقيقية التي كشفت عنها النتائج، فهي فوز حزب «آم آدمي» أو «عامة الشعب»، الذي جرى تأسيسه العام الماضي بواسطة حركة قوية نشأت لمحاربة الفساد واستطاعت أن تستفيد من الإحباط العام الذي يشعر به الناس تجاه الأحزاب السياسية الكبيرة. واستطاع «عامة الشعب» أن يهزم حزب «المؤتمر» الذي تأسس منذ 128 عاما وحكم دلهي على مدى خمسة عشر عاما متواصلة، ليأتي في المركز الثالث في تلك الانتخابات.

جرى تأسيسه بواسطة أرفيند كيجريوال، الذي كان يعرف بطبيعته الهادئة الصامتة وكان مثار سخرية بين الكثير من السياسيين، حتى استطاع ذلك الرجل الذي يبلغ من العمر 45 عاما تعزيز مكانته السياسية من خلال ظهور أول مدهش لحزبه الناشئ على الساحة السياسية، محققا فوزا في 28 دائرة انتخابية، موجها بذلك ضربة ساحقة لـشيلا ديكشيت، التي تتولى منصب الوزير الأول. وأحبط حزب كيجريوال مساعي ديكشيت، النائبة البرلمانية المحنكة، للفوز بفترة ولاية رابعة على التوالي.

ويعد «عامة الشعب» أول حزب في الهند، كبرى الديمقراطيات في العالم، يأتي من بين ظهراني المناطق الحضرية في الهند. ويضم «آم آدمي» الكثير من الأعضاء المثقفين الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة الساخطة على الكثير من الأوضاع في البلاد. وفي طريقه إلى ذلك الصعود على الساحة السياسية، أثار حزب «عامة الشعب» إعجاب الجماهير من خلال الاستخدام المبتكر للأساليب السياسية، مثل نموذج الإنفاق الفردي وطريقة جمع التبرعات من العامة التي تتميز بالشفافية والوضوح وكذلك العاملين المتطوعين الذين يطلبون إجازات من وظائفهم وأعمالهم للعمل في خدمة الحزب. لقد دشن ذلك الحزب عهدا جديدا في الحياة السياسية الهندية، التي طالما تلهث فيها الأحزاب للحصول على حقائب الأموال البعيدة عن عيون الرقباء.

وبعد فوز حزبه بالانتخابات، تحدث كيجريوال لمراسلة «الشرق الأوسط» عبر الهاتف قائلا: «هذه هي المرة الأولى التي تجرى فيها الانتخابات على أساس من الصدق والأمانة. وتظهر الاستجابة الكبيرة لحزب (عامة الشعب) أن الجماهير قد ضاقت ذرعا بالسياسات الفاسدة التي ينتهجها حزبا (بهاراتيا جاناتا) و(المؤتمر) ومن على شاكلتهما. وإذا لم تغير تلك الأحزاب من سياساتها، فسوف يقتلعهم الشعب من جذورهم». وهو بذلك يفكر في الانتخابات العامة التي ستجرى في 2014 والتي سيرشح فيها حزبه عددا من أعضائه للمنافسة على مقاعد البرلمان.

ويجبر النجاح الكبير الذي حققه «عامة الشعب» الأحزاب الأخرى على إعادة النظر في استراتيجياتهم، حيث ينبغي لـ«بهاراتيا جاناتا» الآن أن يتعامل، ليس فقط مع حزب «المؤتمر»، بل أيضا مع حزب «عامة الشعب» الواعد الذي ما زال يشق طريقه بين المناطق الحضرية. ولقد استطاع «عامة الشعب» أن ينفذ إلى ناخبي الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية التي طالما صوتت لصالح «بهاراتيا جاناتا».

وقد أقر رمز حزب «المؤتمر الوطني» راهول غاندي بأن حزب «عامة الشعب» استطاع أن يختلط بالناس جيدا، مضيفا أنه ينبغي لـ«المؤتمر» أن يتعلم من كيجريوال ومن الحزب الجديد.

ويضيف راهول غاندي، المرشح الأول عن حزب «المؤتمر» لمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات العامة: «لقد بعث لنا الشعب برسالة واضحة، وقد وعيناها جيدا، ليس فقط بعقولنا، لكن أيضا بقلوبنا. وسوف نتعلم منه ونعمل جيدا بطريقة أفضل مما تتخيلون».

وقد رسمت نتائج الانتخابات علامة استفهام كبيرة حول قدرة راهول غاندي على التأثير في الناخبين.

ورغم ذلك، بدا كثير من زعماء حزب «المؤتمر» مترددين في تحميل راهول غاندي نتائج الانتخابات الضعيفة.

يقول عضو حزب «المؤتمر» شاشي تارور، وزير سابق وعضو في البرلمان، إن حزبه يأخذ نتائج الانتخابات على محمل الجد، لكنه يلقى بمسؤولية الهزائم على «عوامل محلية»، مضيفا أنه ينبغي لهم ألا ينظروا إلى تلك النتائج على أنها جزء من المعركة السياسية الأوسع التي سيجري خوضها خلال الانتخابات العامة، يقول تارور: «لا نقبل أن تكون انتخابات الجمعيات التشريعية هي مباراة نصف النهائي، لأن الانتخابات العامة ستكون المنافسة فيها مختلفة تماما».

وخلال فترة أقل من خمسة أشهر تبقت على ذهاب ما يقرب من 800 مليون هندي إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس وزرائهم القادم، اختار «بهاراتيا جاناتا» ناريندر مودي مرشحا لمنصب رئيس الوزراء. وقد واجه مودي انتقادات واسعة بسبب فشله في إيقاف أعمال الشغب الطائفية التي اندلعت في عام 2002 بمسقط رأسه ولاية غوجارات، التي كان حاكما لها حينئذ، والتي راح ضحيتها 1.000، غالبيتهم من المسلمين.