اللاجئون السوريون تحت رحمة العاصفة الروسية «إلكسا».. والأمم المتحدة تحذر من «كارثة إنسانية»

نحو ثلاثة ملايين لاجئ يواجهون أحوالا جوية سيئة للغاية في سوريا ودول الجوار

نازح سوري يحمل طفله لتدفئته قرب النار في أحد مخيمات النازحين في لبنان (صورة خاصة بـ«الشرق الأوسط»)
TT

أمضى ملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار ليلتهم الأولى تحت الثلوج والأحوال المناخية السيئة التي حملتها معها العاصفة الثلجية «إلكسا» التي تضرب سوريا والدول المحيطة بها آتية من روسيا. وفيما سجلت حالات وفيات متفرقة، بينها ثلاثة أطفال في غرود عرسال في البقاع اللبناني، وطفل قضى في ضواحي مدينة حمص التي تشهد معارك عنيفة بين النظام ومعارضيه، حذرت الأمم المتحدة من «كارثة إنسانية» قد تؤدي إلى عشرات الوفيات نتيجة سكن الكثير من اللاجئين في تجمعات عشوائية، خصوصا عند الحدود مع لبنان، التي تتميز معظمها بأنها مناطق جبلية مرتفعة.

ويعيش نحو ثلاثة ملايين سوري خارج بلادهم، حيث ينتشر معظمهم في الدول المجاورة كلبنان الذي يستضيف نحو مليون لاجئ، وتركيا والأردن والعراق. وذكر التقرير الفصلي الذي أعده المركز السوري لبحوث الدراسات، إن اللاجئين السوريين هم أسرع مجموعة لاجئين نموا في العالم، وسيصبح عددهم أكبر مجموعة سكانية لاجئة معاصرة بحلول نهاية عام 2013 إذا ما استمرت وتيرة اللجوء على ما هي عليه الآن. وبين التقرير أن عدد سكان سوريا تراجع بنسبة 8 في المائة، وغادر ثلثهم أماكن سكنهم الطبيعية.

وأبدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة قلقها على آلاف اللاجئين السوريين الذين يعيشون في خيام هشة مستحدثة في مناطق لبنانية مختلفة ويواجهون عاصفة قاسية مع درجات حرارة متدنية جدا. وأفادت تقارير وشهادات أن هؤلاء يرتجفون بردا في غياب وسائل التدفئة الكافية وتجتاح المياه كثيرا من خيامهم. وتقول ليزا أبو خالد من المفوضية هناك قلق إزاء مصير آلاف الأشخاص الذين يعيشون في أكثر من مائتي مخيم غير رسمي في شرق البلاد وشمالها.

وفي سوريا، يقول مواطن ستيني إن ما ينقص السوريين بعد كوارثهم «كان عاصفة ثلجية روسية». ويضيف هازئا وهو يطوي ربطة الخبز تحت إبطه ليدس كفيه في جيوبه في طريقه إلى البيت: «السلاح الروسي لم يكن كافيا للقضاء علينا فأرسلوا ألينا إلكسا خانم».

ومنذ ليل الثلاثاء/ الأربعاء بدأ الناشطون ببث صورا للثلوج في ريف حلب ومدينة حلب والرقة التي لا تعرف الثلوج عادة، كما أرسل ناشطون من حلب نداء لجمع المال والتبرعات لتوفير وقود لمولدات الكهرباء في مشفى دار التوليد لإنقاذ الأطفال في المشفى وقالوا: «الكهرباء مقطوعة منذ أكثر من شهر والمشفى بأمس الحاجة لتشغيل المولدة الكهربائية لإجراء العمليات ولتدفئة المشفى».

وفي وسط البلاد أعلن عن مقتل طفل لم يتجاوز عمره العامين أمس بسبب البرد الشديد في مدينة الرستن في ريف حمص، وظهرت في عدد من مقاطع الفيديو الثلوج تغطي شوارع الرستن، التي غابت عنها حركة الحياة بشكل شبه كامل، ما عدا قلة قليلة من الرجال والشباب قال أحدهم إنه خرج ليتمشى تحت الثلج كوسيلة وحيدة للتدفئة، فالكهرباء منقطعة عن الرستن منذ أكثر من عام ونصف، كما لا يوجد إمكانية لجلب الحطب بسبب القصف المتواصل. وقال رجل آخر الذي خرج باحثا عن قطع حطب، إن «غالبية السكان يلتحفون الحرامات في المنازل ولا يتحركون أبدا جراء البرد الشديد».

وفي حمص المحاصرة تبدو الأمور أسوأ بكثير، فثمة معاناة كبيرة أضيفت لسلسلة مصاعب تكابدها العائلات المحاصرة هناك ليس أولها الجوع، وليس آخرها الموت بسبب شح الدواء، وجاء البرد والثلج ليفاقم معاناتهم، ويقول ناشط حمصي: «حمص المحاصرة تعيش في العصر الجليدي.. وعندما يذوب الثلج لم نستغرب اكتشاف أن كثيرا من العجائز والأطفال قد قضوا تجمدا، فمنذ أكثر من عام والكهرباء مقطوعة عن أحياء حمص القديمة المحاصرة والمولدات الأربعة لم تعد تعمل بسبب شح البنزين والمازوت، أما الحطب فهو ما نبحث عنه بين الأنقاض مع ما نعثر عليه من مؤونة المنازل المدمرة كالبرغل والأرز المتسوس».

وكان ناشطون قد أطلقوا عدة حملات لمساعدة السوريين في المناطق المحاصرة والنازحين لمواجهة العاصفة الثلجية إليكسا عبر تعميم منشورات ونصائح تساعد في الوقاية من البرد الشديد منها نصائح بلف الأقدام بورق الجرائد كعازل تحت الجوارب في حال عدم توفر أحذية أو ألبسة شتوية سميكة، كما أطلقت حملات أخرى لجمع تبرعات وأغطية ومواد إغاثية، آخرها حملة «شو ناطر؟» ويعتمد مبدأ الحملة التي أطلقها ناشطون في دمشق على حض الناس على المبادرة الفردية في مساعدة بعضهم البعض وبشكل فردي ودون انتظار جمعيات أو جهات إغاثية، كأن يحمل كل شخص غطاء أو ملابس شتوية من منزله ويعطيها لأي شخص قابع في الشارع عند إشارة المرور أو في الحديقة العامة. الحملة التي أطلقها فريق «دوبارة» لفظة شامية تعني التدبير البسيط، أكدت على ضرورة مبادرة كل شخص لتغطية منطقة سكنه بالحلول المناسبة، مثلا تأمين سكن مؤقت خلال العاصفة للنازحين ومنح الأولوية للنساء والأطفال، الاستفادة من أقبية الأبنية وتجهيزها كملاجئ للنازحين. أو استضافتهم في المنازل خلال ساعات البرد الشديد إلى أن تمر العاصفة، وفريق «دوبارة» أكد أنه يعمل على تدبير المساعدات كما يسعى إلى تجهيز عدد من الملاجئ داخل العاصمة.

الحكومة السورية من جانبها وخلال اجتماعها الأسبوعي يوم أول من أمس الثلاثاء قالت إنها استعدت لمواجهة العاصفة عبر تأمين «كميات كبيرة» من حاجات السوريين الغذائية.

* لبنان: أكبر تجمع .. وأقسى معاناة

* لا ينفك من تطأ أقدامه مخيمات اللجوء السورية المنتشرة ليس بعيدا عن الطرق العامة، امتدادا من البقاع الغربي إلى الأوسط وبعلبك فالشمال والهرمل والذين يفوق عددهم عشرات الآلاف، عن الإصغاء لمن يطالبه بتأمين المساعدات والحطب والمازوت ووسائل التدفئة، بعد أن ضربت العاصفة المناطق الجبلية المرتفعة.

وقال ناشطون إن ثلاثة أطفال من النازحين السوريين في بلدة عرسال اللبنانية ماتوا من البرد يوم أمس. والثلج يتساقط في حين أن هناك عائلات ليس لديها حتى خيمة تؤويها، ويشار إلى أنه يوجد في عرسال نحو ثمانين ألف نازح، حيث تدفق الآلاف النازحين من مدن النبك وقارة ويبرود خلال الأسابيع الماضية مع احتدام المعارك في منطقة القلمون.

لاجئون من نساء وأطفال وشباب، يتوزعون على أراض استأجروها مقابل إيجار سنوي يتجاوز 500 ألف ليرة (نحو 330 دولار) عن كل خيمة لا تتجاوز مساحتها المربعة ستة أمتار للعائلة الكبيرة وأربعة أمتار للعائلة الصغيرة، يدفعونها للمسؤول عن المخيم المعروف باسم «الشاويش». يقيم هؤلاء في خيم أنشأوها بأنفسهم أو بمساعدة هيئات محلية على قطع أرض مستأجرة في بلدات الدلهمية، والتل الأبيض، والطيبة، ومجدلون، وبريتال، وحزين، وسرعين، ورياق، والحلانية، وسعد نايل وتعلبايا والمرج. وغالبا ما تسكن في الخيمة الواحدة عائلتان أو ثلاثة من الأقارب والأسرة الواحدة، ليتجاوز عدد سكان الغرفة 15 شخصا. وزادت العاصفة الثلجية التي اجتاحت المنطقة منذ أمس الأربعاء «الطين بلة» وفاقمت من معاناتهم.

ترف الغانم، أحد النازحين حديثا من مدينة الرقة، أب لتسعة أطفال، لا يتوقف عن المطالبة بمساعدة فورية وسريعة. يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «مساعدة الأمم المتحدة وحدها لا تكفي، رغم أنها قدمت لنا بطانيات ومواد غذائية مقابل قسائم، إضافة إلى مبلغ 150 دولارا ثمنا للمحروقات ومواد تدفئة، لكنها لا تكفينا ونعيش وضعا مأساويا، ذلك أن البرد يحيط بنا من كل مكان ووضعنا سيء ونعاني من تسرب المياه من جراء ذوبان الثلوج من سطح الخيمة إلى داخلها». ويضيف: «انقطعنا من الخبز والحطب والمازوت وأطفالي يعانون البرد، ومشينا أكثر من كيلومتر لنحصل على ربطة خبز، بعد أن فقدت كميات كبيرة نتيجة التهافت على شرائها تحسبا من مخاطر واشتداد العاصفة».

ويشكو عياد خضر العواد، اللاجئ من بلدة الكسرة في محافظة دير الزور، إلى مخيم سهل الطيبة عدم تقديم مساعدات إليه من قبل مفوضية شؤون اللاجئين بحجة أن «عائلته صغيرة»، على حد تعبيره. ويقول إن طفلتيه «بحاجة إلى حليب وحفاظات، وإحداهن تدعى فاطمة وتبلغ من العمر سنتين، وقد أعياها المرض ولا معيل أو معين لنا». ويشير إلى أنه «منذ ثلاثة أسابيع قدم إلينا شاب وصبية وطلبا منا تسجيل أسمائنا مقابل دفع مبلغ خمسة آلاف ليرة لبنانية مقابل قسيمة خضراء نحصل عليها على أمل تقديم وقود تدفئة»، موضحا أنهما بعد أن «سجلا أكثر من مائتي عائلة في المخيم ذهبا ولم يعودا».

ولا يزال صالح محمد المحيميد من بلدة التبنة في محافظة دير الزور يعاني من جراء احتراق خيمته خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بمحتوياتها كافة. لم يمض شهران على تشييد خيمته الجديدة من دون أن يعاد تزويده بالمساعدات الأساسية. تأويه الخيمة مع زوجته تحت الثلج وبناته الثلاثة، وما ينقصه في الوقت الحالي تأمين المحروقات لتجاوز العاصفة، مبديا خشيته من أن «تتداعى خيمته الجديدة لأنها غير مهيأة للعاصفة».

ولا تختلف معاناة إبراهيم فواز العلي من قلعة المغير في محافظة حماه، عن سواه من اللاجئين السوريين المتروكين تحت رحمة الطبيعة. يسكن في خيمة مع خمسة أولاد، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش مشردين دون تدفئة واستدنت لشراء مدفأة تعمل على الحطب بـ270 ألف ليرة لبنانية منذ شهرين ولم أستطع تأمين ثمنها حتى الآن، أجمع بعض الكرتون وبقايا الأشجار الصغيرة والنايلون أيام الصحو لأجعل منها وسيلة للتدفئة». ويتابع: «أسأل الله ألا تشتد علينا العاصفة كي لا نتعرض لما هو أشد وأعظم».

ويخشى يحيى ماميش، بدوره من تداعي خيمته فوق رأسه وعائلته المؤلفة من زوجته وثلاثة أطفال إذا اشتدت العاصفة، ويطالب، شأنه شأن باقي النازحين السوريين، بالمساعدة لأنه يعيش حالة مزرية جدا.

وفي محاولة مدنية للتخفيف قدر الإمكان من المعاناة التي يعيشونها في ظل غياب المساعدات الكافية لهم، أطلق إعلاميون وناشطون في المجتمع المدني حملات لإغاثة اللاجئين السوريين على مواجهة العاصفة وتأمين أكبر كمية ممكنة من المساعدات العينية والألبسة. وبدا لافتا تجاوب اللبنانيين ولا سيما الشباب منهم مع هذه الحملات التي حملت إحداها عنوان «كلسات وجاكيت».

وفي الأردن الذي لم تصله العاصفة بكامل قوتها بعد، أعدت إدارة شؤون مخيمات اللاجئين السوريين خطة طوارئ لتهيئة الظروف المناسبة لمخيم الزعتري بمحافظة المفرق شمال شرقي عمان جراء الأحوال الجوية السائدة في البلاد والتي تتأثر بمنخفض جوي عميق مصحوب بالثلوج والبرد القارس. وقال مدير الإدارة العميد وضاح الحمود لـ«الشرق الأوسط» إن لدينا حاليا ثلاثة آلاف خيمة تأوي نحو 15 ألف نسمة من أصل 112 ألف لاجئ، مشيرا إلى أن الإدارة تقوم حاليا باستبدال هذه الخيام ببيوت جاهزة بتبرع من دول مجلس التعاون الخليجي. وقال إنه «خلال شهر من الآن سنكون قد استبدلنا الخيام بهذه البيوت التي تصل بشكل يومي بمعدل 100 بيت جاهزة». وأشار إلى أنه تم وضع كاميرات لمراقبة أحياء المخيم، بحيث نراقب أي طارئ أو حريق والتوجه إليه بسرعة.

ويطالب لاجئون سوريون في مخيم الزعتري إدارة المخيم والمنظمات الدولية بمضاعفة جهودها خلال فصل الشتاء في جو يؤثر على المملكة، معتبرين أن التدفئة لا تتناسب مع البرد القارس الذي تشهده منطقة المخيم.