قيادات القوى المدنية المصرية في «الخمسين» تنفي تعرضها لأي ضغوط

واجهوا اتهامات بتقديم تنازلات غير مقبولة مع تجدد الجدل بشأن مدنية الدولة

TT

تواجه لجنة تعديل الدستور المصري (لجنة الخمسين) مأزقا محرجا بسبب مقطع مصور لعضو بها قال فيه إنه جرى «التلاعب» بنص «مدنية الدولة» في ديباجة المسودة النهائية خلال جلسات التصويت النهائي التي جرت مطلع الشهر الحالي. ورغم نفي أعضاء باللجنة وجود تلاعب، يرى مراقبون أن الجدل الدائر حاليا بشأن الدستور المقرر الاستفتاء عليه منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل يعكس تنازلات قدمتها القوى المدنية لحسم الصراع مع قوى الإسلام السياسي المتشددة.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أمس مقطع من حوار تلفزيوني لعضو اللجنة للدكتور محمد أبو الغار قال فيه، إن «أعضاء اللجنة اكتشفوا تغييرا في نص ديباجة الدستور». وأضاف أبو الغار، وهو رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أن «قيادات القوى المدنية مررت هذا التلاعب لتجنب تعطيل مسار خارطة المستقبل.. لكن هذه التصريحات أثارت حفيظة قوى شابة داخل الأحزاب المدنية وخارجها، واعتبرت موقف قيادات القوى المدنية داخل لجنة تعديل الدستور بمثابة تنازل غير مقبول».

وجاء في النص النهائي لديباجة مشروع الدستور «نحن - الآن - نكتب دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية»، لكن الصفحة الرسمية للجنة الخمسين لا تزال تحتفظ بالنص الأصلي للفقرة ونصها: «نحن - الآن - نكتب دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكمها مدني». وقال أبو الغار لـ«الشرق الأوسط»، أمس إن «هذا المقطع يعود لحوار أجري معي منذ أسبوع، لكنه انتشر أمس لا أدري لماذا؟.. لكنني التقيت في وقت لاحق عمرو موسى وأوضح لي الأمر، وعدنا إلى التسجيلات، ووجدته قد قال بالفعل حكومتها مدنية»، لافتا إلى أن التغيير الذي حدث لا يؤثر كثيرا على جوهر النص أو الدستور.

وتعد الديباجة جزءا لا يتجزأ من الدستور بحسب المادة 227، التي تقول: «يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجا مترابطا، وكلا لا يتجزأ وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة».

وأطيح بالرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، منتصف العام الحالي، عقب مظاهرات حاشدة خرجت في 30 يونيو (حزيران)، شاركت فيها جبهة واسعة من قوى سياسية متنافرة. توافقت تلك القوى مع قادة الجيش على تعديل دستور وضعته جمعية تأسيسية هيمن عليها الإسلاميون. وأصدر الرئيس عدلي منصور قرارا السبت الماضي بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على الدستور يومي 14 و15 يناير المقبل. وأعلنت أحزاب وقوى سياسية دعمها للدستور الجديد رغم تحفظها على مواد به، وقالت، إنه يمثل مكسبا على صعيد الحريات، لكنهم شددوا على أن رفض الدستور يصب في مصلحة جماعة الإخوان التي تشكك في حجم القوى الشعبية المساندة لثورة 30 يونيو.

من جانبه، يرى ناصر أمين، العضو الاحتياطي في لجنة تعديل الدستور، أن روح الدستور وتوجهه العام محكوم بنصوص الدستور في مجملها. وقال أمين لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يوجد شك في أن الدستور في مجمل نصوصه يؤسس لدولة مدنية، وبالتالي لا توجد حاجة للنص على ذلك صراحة». لكن الجدل بشأن توجه الدستور يخفي على ما يبدو رغبة في تمريره، في إطار الصراع المحتدم في الشارع المصري بين الدولة وأنصار جماعة الإخوان. وقال عبد الفتاح إبراهيم رئيس اتحاد عمال مصر، إن «العمال سوف يصوتون بنعم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية رغم أنه يهدر حق العامل، لأن جميعهم (العمال) وطنيون حتى النخاع».

وتعترض قوى ثورية على نص يتيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وقال محمد عبد العزيز عضو لجنة الخمسين إن «النص يضع قيودا واضحة وغير مسبوقة»، مشيرا إلى أن الصيغة المتوافق عليها أفضل ما أمكن تحقيقه، ما عزز وجود ضغوط على أعضاء اللجنة، بحسب مراقبين.

من جانبها، قالت إسراء عبد الفتاح القيادية الشابة في حزب الدستور الليبرالي لـ«الشرق الأوسط»، إنها «حرصت على سؤال عدد من قيادات لجنة الخمسين حول حقيقة ما جرى بشأن نص مدنية الدولة»، وتابعت: «عمرو موسى والدكتور عبد الجليل مصطفى وعمرو صلاح وآخرون أكدوا أن ما حدث هو مجرد سوء فهم وقع فيه بعض الأعضاء، وأن التوافق كان على النص الوارد في المشروع المقدم للرئيس عدلي منصور».

وأضافت: «لا أرى أن القوى المدنية قدمت تنازلات حتى فيما يتعلق بالنص المتعلق بالمحاكمات العسكرية، وهو نص لا يرضيني، ويجب أن نواصل النضال من أجل تعديله، ما جرى أن القوى المدنية كانت تنظر إلى أولويات المرحلة الانتقالية». وقال أبو الغار لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لم نخضع لأي ضغط، والنص الخاص بالمحاكمات العسكرية رفضته كما رفضه آخرون في التصويت النهائي لكنه مر بالأغلبية المطلوبة». وبينما لا يزال الجدل دائرا في أوساط القوى الداعمة لثورة 30 يونيو، أرجأ تحالف إسلامي تقوده جماعة الإخوان المسلمين من إعلان موقفها من المشاركة في الاستفتاء على الدستور.

لكن أحزابا فيما يسمى بـ«تحالف دعم الشرعية» أعلنت منفردة موقفها خلال الأيام الماضية. وقال حزب الوسط أمس إنه قرر مقاطعة الاستفتاء بشكل مبدئي، وأنه ينتظر التنسيق مع باقي أحزاب التحالف.