لاجئون سوريون يشكون «عنصرية» تلاحقهم في لبنان

أهالي بلدة جنوبية يحتجون على تأجير مدرسة لإيواء 70 عائلة نازحة

أسرة سورية تجلس بجانب خيمتها في معسكر للاجئين ببلدة عرسال الحدودية في البقاع الشرقي (رويترز)
TT

تشكو جمعيات أهلية لبنانية ودولية من تصاعد النزعة العدائية حيال اللاجئين السوريين، خصوصا مع ارتفاع أعداد الوافدين إلى لبنان وتخطيهم خلال الأسابيع الأخيرة عتبة الـ800 ألف لاجئ، معظمهم من الأطفال والنساء. وفي حين تبحث الحكومة اللبنانية بالتنسيق مع وكالات الإغاثة الدولية سبل تحسين وضع اللاجئين الذين يعيشون ظروفا إنسانية صعبة، لا سيما أولئك القاطنين في الخيام العشوائية غير المجهزة والمناطق الكردية، ترتفع أصوات اللبنانيين وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات كثيرة لا تخلو من حساسيات.

وبعد أن كانت الدعوات لإقفال الحدود مع سوريا تقتصر مع بدء تدفق النازحين على عدد من المسؤولين اللبنانيين، وتحديدا المنضوين في إطار تكتل التغيير والإصلاح برئاسة النائب ميشال عون، يبدو لافتا في الفترة الأخيرة صدور دعوات مماثلة عن جهات عدة، رسمية وأهلية وشعبية، بالتزامن مع الإعلان عن أن عدد اللاجئين السوريين بات يتخطى ثلث عدد اللبنانيين.

وآخر المظاهر الرافضة للجوء السوري إلى لبنان تمثل في اعتصام نفذه أهالي بلدة لبعا وجوارها في قضاء جزين، جنوب لبنان، بتغطية دينية وسياسية، احتجاجا على تأجير مدرسة في لبعا لإيواء 70 عائلة سورية. وعلى الرغم من أن الأهالي وخشية من وصم تحركهم بالعنصري، تذرعوا بأن المبنى غير مؤهل لاستقبال اللاجئين، فإن ناشطين يؤكدون أن الحال عكس ذلك تماما، خصوصا مع ارتفاع الصرخة من وجود عدد كبير من السوريين في المنطقة.

وأسهمت الاعتداءات الفردية والجماعية وبعض الأحداث الأمنية من رفع خشية اللبنانيين من النازحين السوريين، في وقت لا يفصل فيه كثير من اللبنانيين بين موقفهم السياسي ووجوب النظر إلى قضية اللاجئين من منظار اجتماعي.

وفي هذا السياق، تقول الدكتورة في علم الاجتماع منى فياض، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ظاهرة العنصرية تجاه اللاجئ السوري هي نتيجة الحالة السياسية المنقسمة في لبنان بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له، وبالتالي فإن النازحين السوريين المؤيدين للثورة لن يكون مرحبا به في المناطق ذات الانتماء، وقد تظهر هنا بعض معالم العنصرية السياسية. وتجدر الإشارة إلى أن السوري اليوم يسمح له بمزاولة العمل والتعلم والعيش كأي مواطن لبناني آخر موجود على الأراضي اللبنانية، ويعني ذلك أن هذا النازح معترف به كإنسان والعنصرية غير موجودة».

ولا تقتصر المظاهر العنصرية على أهالي لبعا فحسب، إذ بادر عدد كبير من المجالس البلدية إلى فرض قيود على حركة اللاجئين السوريين ووجودهم في البلدات والمدن. وفي مواقف لاقت امتعاضا شديدا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، اقترحت رشا الزين، مراسلة قناة الـ«إن بي إن» التابعة لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، في تعليق على صفحتها على «فيس بوك» الأسبوع الماضي، توزيع مانع الحمل على اللاجئات السوريات بعد انتهاء العاصفة أليكسا، وذلك إثر زيارتها لمخيم النازحين في عرسال، في سياق انتقادها لتزايد حالات الحمل في هذه المخيمات.

ويعاني النازحون السوريون من تداعيات «التمييز أو السلوك العنصري تجاههم». سعاد، لاجئة سورية قدمت من دمشق إلى لبنان منذ شهور بسبب الاشتباكات، تطلب من سائق سيارة الأجرة بلهجة غاضبة وبلهجة قوية توصيلها إلى منطقة سليم سلام في العاصمة بيروت، وتصعد محذرة الرجل العجوز من أنه في حال غدر بها وأنزلها بعيدا فإنها لن تحاسبه بالأجرة. وبعد أن يقول لها السائق إن الطريق مقفل وإنه سيسلك شارعا فرعيا للوصول، تبدأ سعاد في التهجم «لأنني سورية تستهتر بحقوقي وتريد استغلالي. أنتم تكرهوننا وتكرهون وجودنا».

تهدأ سعاد قليلا لتروي قصتها «لقد جئت إلى لبنان واستأجرت غرفة صغيرة بقيمة 300 دولار، فأنا ليست لي عائلة. توفيت والدتي منذ سنة بعد اندلاع الأحداث السورية، وعشت معاناة كبيرة وحدي، فقد أمضيت ليالي دون طعام ولا ماء، ولا أستطيع العمل بسبب فقدان الأمن والأمان في بلدي والفلتان الأمني الذي ولدته الحرب في الشوارع». وتضيف غاضبة «بعد أقل من شهرين رفع صاحب الغرفة الإيجار وطالبني بدفع فاتورة الكهرباء والمياه المرتفعة على الرغم من أنني لا أعرف الضوء، فالكهرباء لا تزورني سوى ثلاث ساعات في اليوم».

يحاول السائق تهدئتها إلا أنها تقاطعه لإكمال قصتها «لم أجد أمامي سوى العمل كخادمة في المطاعم. أحصل مبلغا لا يكفي لسد إيجار الغرفة، هذا عدا عن حاجتي للطعام والشراب. وبسبب حالتي السيئة قرر صاحب المسكن طردي من الغرفة ليستفيد منها ويؤجرها لثلاثة سوريين يكسب منهم مالا أكثر، ولم يرأف بحالي وبكوني امرأة وحيدة لا حول لها ولا قوة».

أما الشاب السوري أمجد، النازح من منطقة حلب إلى لبنان عن طريق عرسال، فيروي لـ«الشرق الأوسط» في الحي الذي يسكنه «أقيم لدى أقربائي في منطقة يدعم أغلب قاطنيها النظام السوري، فأخفيت هويتي وتكتمت بالتصريح عن انتماءاتي الداعمة لـ(الجيش السوري الحر)، ووجدت مسايرة الوضع السياسي الذي يحيط بمكان سكني هي الحل الأنسب لحماية نفسي». ويضيف منفعلا «أعاني من مشاكل جمة، فأنا مراقب طيلة الوقت بسبب جنسيتي السورية، ولا أغادر المنزل إلا في حالات اضطرارية. يتهجم علي بعض شبان الحي في كل مرة ويحاولون معرفة انتماءاتي السياسية فيسمعونني كلمات مزعجة عن المعارضة السورية وكل من يدعمها، وتكفي رؤيتي لأعلام (حزب الله الإرهابي) التي تحاصر زوايا المنطقة لأفقد صوابي».