مصادر فرنسية رسمية: زيارة هولاند إلى السعودية لتمتين العلاقات الاستراتيجية

قالت لـ «الشرق الأوسط» إن البلدين «متفاهمان تماما» بشأن الملفات الأساسية مثل الحرب في سوريا والنووي الإيراني

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أثناء حضوره مؤتمرا صحافيا على هامش القمة الأوروبية (أ.ب)
TT

وصفت مصادر فرنسية رسمية الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى المملكة السعودية يومي 29 و30 الحالي بـ«المهمة»، لأنها تأتي في لحظة «فاصلة» بالنسبة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط والعالم العربي بشكل عام.

وقالت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن الهدف من الزيارة «ليس إبرام اتفاقيات» بل «تمتين العلاقة الاستراتيجية» القائمة بين باريس والرياض و«إقامة علاقات شخصية» بين الرئيس الفرنسي والقيادة السعودية.

ويرافق هولاند في زيارته الثانية للسعودية أربعة وزراء أساسيين (الخارجية والدفاع والصناعة والتجارة الخارجية)، فضلا عن وفد من كبار رجال الأعمال الفرنسيين ومن الشركات المدنية والدفاعية. ويلتقي هولاند في اليوم الأول العاهل السعودي، فيما يلتقي في اليوم الثاني ولي العهد.

وترى باريس أن علاقاتها مع الرياض «تجتاز شهر عسل»، وأنها «مؤهلة لأن تتطور أكثر فأكثر بفضل التقارب الكبير في المواقف بين الطرفين» بشأن الأزمات المحتدمة في المنطقة، في إشارة إلى الملفات السورية والإيرانية ومصر واليمن وأمن الخليج ولبنان والملف الفلسطيني – الإسرائيلي، فضلا عن المصالح المشتركة في مختلف القطاعات.

ففي الملف الإيراني، تعتبر باريس أن موقفها «المتشدد» من صيغة الاتفاق الأولى في جنيف التي رفضتها لأنها اعتبرتها «غير كافية ولا توفر كل الضمانات المطلوبة» لاقى «استحسان» القيادة السعودية التي «تشجع» باريس على البقاء على خطها السياسي. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن الأهداف الفرنسية والسعودية «واحدة»، بمعنى أنها تسعى لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية «لتلافي نسف استقرار المنطقة وإطلاق سباق التسلح النووي وضرب المعاهدة الدولية لمنع انتشاره». وتؤكد باريس أن الاتفاق «المرحلي» الذي وافقت عليه باريس لاحقا «يجمد» البرنامج النووي الإيراني، لا بل «يرجعه إلى الوراء»، وهو يتناول كل الأنشطة النووي الإيرانية التي وضعت تحت الرقابة الدولية. وشددت المصادر الفرنسية على حرص باريس على أن يوفر الاتفاق النهائي الذي سيتم التفاوض بشأنه بين مجموعة البلدان الستة (الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) وإيران «كل الضمانات التي تكفل عدم تحول إيران إلى قوة نووية عسكرية في المنطقة، مع تمكينها من الاستفادة مما يوفره الاستخدام السلمي» للطاقة النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية.

أما في موضوع الدور الإيراني في المنطقة، فإن باريس لا تجد حرجا من الاعتراف به «لكن شرط أن يكون إيجابيا وأن يكون بهدف تمتين الاستقرار»، أي «بعكس ما هو عليه اليوم في اليمن وسوريا ولبنان ومناطق أخرى في المنطقة».

ويتقارب الموقفان الفرنسي والسعودي من الحرب الدائرة في سوريا لجهة ضرورة خروج الرئيس السوري من المشهد السياسي مع نهاية المرحلة الانتقالية، وقيام سلطة تتولى الشؤون التنفيذية ودعم المعارضة والجيش السوري الحر ووقف العنف. وكشفت المصادر الفرنسية أن «مجموعة لندن» التي تضم الدول الأساسية الداعمة للمعارضة السورية (11 دولة) ستعقد قريبا جدا اجتماعا لتنسيق المواقف قبل موعد افتتاح مؤتمر «جنيف 2» في مدينة مونترو السويسرية في الثاني والعشرين من الشهر المقبل. وسيكون للمجموعة أن تتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن مواضيع أساسية مثل الأطراف المشاركة «من المعارضة والبلدان الأخرى وبينها إيران» ودور المجتمع المدني.

وفي ما يخص الموقف الروسي الأخير الذي عبر عنه نائب وزير الخارجية بوغدانوف، حيث دعا الرئيس السوري إلى الكف عن التلويح بإمكانية ترشحه لولاية جديدة، فقد رأت باريس في ذلك «تحذيرا جديا للأسد لإفهامه أن عليه أن ينظر بعين أخرى» لما سيحصل في جنيف. ورأت المصادر الفرنسية أن الطرف الروسي «يمكن أن يتخلى عن ورقة الأسد»، لكنه لن يفعل ذلك «إلا ضمن الشروط التي يريدونها»، مؤكدة أن الطرف الروسي «لم يعد حتى الآن بشيء»، وأنه «لن يتحرك ويطرح ورقته للمساومة إلا في الوقت المناسب».

وفي المفهوم الروسي، وفق المصادر الفرنسية، فإن توافر الشروط يعني «الاتفاق على صيغة الحكم» اللاحقة، وعلى تشكيل السلطة الانتقالية «بالتشارك مع حزب البعث»، والعثور على شخصية بعثية أو علوية أو عسكرية «يمكن الاطمئنان لها»، فضلا عن توفير الضمانات بشأن المصالح الروسية في سوريا والمنطقة. وإذا توافرت هذه الشروط التي تحتاج كلها لمناقشات مريرة يمكن أن يتخلى الروس عندها عن الأسد «بمعنى ردعه عن الترشح» للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وعلى أي حال، ورغم تأكيد المصادر الفرنسية أن المطلوب تنحي الأسد حال الانتهاء من تشكيل السلطة الانتقالية، فإنه أصبح من المتعارف عليه وبسبب التأخر في الدعوة لـ«جنيف 2» والحاجة لأسابيع وأشهر من المساومات الصعبة، أن المرجح سيكون بقاء الأسد حتى نهاية ولايته. والثابت برأي باريس أنه «لا أحد يمكن أن يقبل ببقاء الرئيس الحالي في السلطة لأن معناه استمرار الحرب».

وترى باريس أن هناك «حاجة ماسة» في معسكر الدول الداعمة للمعارضة السورية لأن يوضح الطرف الأميركي موقفه بعد التذبذب الذي يطبعه والذي ظهر مؤخرا بشأن وقف المساعدات والتجهيزات غير القاتلة التي كانت تعطى لقيادة الأركان السورية والجيش الحر وفتح باب الحوار مع الجبهة الإسلامية. وقالت المصادر الفرنسية إنها لمست «تضاربا» بين ما يقوله الأميركيون داخل الاجتماعات المغلقة وما يقولونه خارجها، نافية أن تكون لديها النية لفتح حوار مع الجبهة الإسلامية عن وقف المساعدات التي ترسلها للجيش الحر.

والى جانب هذين الملفين الأساسيين، سيتناول الرئيس الفرنسي مع القيادة السعودية الوضع في لبنان وأمن الخليج واليمن وملف المفاوضات الفلسطينية – السورية، إضافة إلى العلاقات الثنائية التي يصفها الطرف الفرنسي بأنها «استراتيجية ومتميزة».