تأجيل استئناف الحوار الوطني التونسي إلى الاثنين.. وعقبات أمام نجاحه

الداخلية تكشف مخططا لنسف مقر «اتحاد الشغل».. ورسالة تهديد بالقتل لأمينه العام

بائع تونسي يعرض أعلاما وقبعات في ساحة محمد البوعزيزي بسيدي بوزيد بمناسبة احتفالات انطلاق الثورة في تونس (أ.ف.ب)
TT

تقرر تأجيل استئناف الحوار الوطني في تونس إلى بعد غد الاثنين، بعد أن كان مقررا أن تعود جلساته للانعقاد أمس. وتجري منذ التوصل مساء السبت الماضي إلى اختيار مهدي جمعة وزير الصناعة الحالي في حكومة علي العريض لترؤس الحكومة الجديدة مشاورات متعددة لاستئناف هذا الحوار المعلق منذ بداية الشهر الماضي.

وفي هذا الصدد، أجرى رؤساء المنظمات الراعية للحوار (نقابة العمال، واتحاد الأعراف، وعمادة المحامين، ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان) في اليومين الأخيرين اتصالات مكثفة، حيث التقوا أمس الجمعة كلا من راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة الإسلامية القائد للائتلاف الحاكم في تونس، ومصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي)، وكانوا قد التقوا صباح أول من أمس الخميس رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي، والباجي قائد السبسي رئيس حزب حركة نداء تونس (ليبرالي).

وقال مصدر قريب من رباعي المنظمات الوطنية لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك تقدما كبيرا لتحضر كل الأطراف السياسية جلسات الحوار المقبلة»، مضيفا أنه «يجري العمل على تذليل ما تبقى من عقبات». كما علمت «الشرق الأوسط» من مصادر أخرى مطلعة تشارك في الحوار أن هذا التأجيل في استئناف الحوار جاء بالخصوص لـ«فسح المجال أمام بعض الأحزاب حتى تعيد النظر في مواقفها بخصوص المشاركة في الحوار».

ولئن كان أحمد نجيب الشابي، القيادي في الحزب الجمهوري المعارض (وسط اليسار)، قد أعلن بداية الأسبوع عن مقاطعة حزبه للحوار، وهو ما رأت فيه بعض الجهات موقفا قد يتسبب للحزب في الإحراج في صورة قبول بقية الأحزاب المعارضة بالعودة لطاولة الحوار، فإن حزب حركة نداء تونس عبر عن استعداده للمشاركة في عملية استئناف الحوار، وكذا بالنسبة لحزب المسار الاجتماعي الديمقراطي (يساري). في حين أعلنت الجبهة الشعبية (تجمع لأحزاب يسارية وقومية عربية) يوم الخميس الماضي على لسان حمة الهمامي الناطق الرسمي باسمها عن «تعليق مشاركتها في هذا الحوار في انتظار التشاور مع شركاء الجبهة من داخل جبهة الإنقاذ المعارضة ومن خارجها». ومن المنتظر أن تكون الجبهة قد عقدت أمس اجتماعا لتحديد موقفها النهائي من العودة للمشاركة في أولى جلسات الحوار الاثنين المقبل.

وتأتي هذه المواقف من المشاركة في عملية استئناف الحوار من عدمها، على خلفية الطريقة التي تمت بها عملية اختيار مهدي جمعة رئيسا جديدا للحكومة، حيث اعتبرت أحزاب المعارضة أن العملية لم تتم بالتوافق مثلما تنص على ذلك خارطة الطريق التي طرحها الرباعي الراعي للحوار على الأحزاب المشاركة في هذا الحوار، علما بأن ثمانية أحزاب من المعارضة لم تشارك في عملية التصويت على اختيار جمعة رئيسا للحكومة.

كما علمت «الشرق الأوسط» من نفس المصدر القريب من المنظمات الراعية للحوار أن لقاء الرباعي بمصطفى بن جعفر وراشد الغنوشي تناول بالأساس موضوع «تقدم المسار التأسيسي خاصة آجال الانتهاء من صياغة الدستور والمصادقة عليه، وتجاوز إشكال تكوين الهيئة المستقلة العليا للانتخابات». وتجدر الإشارة إلى أن حركة النهضة عبرت أكثر من مرة عن تمسكها بوجوب «تلازم المسارين الحكومي والتأسيسي»، وربطت ذلك بالاستقالة الفعلية لحكومة علي العريض. وهي تدفع باتجاه أن تتزامن عملية ممارسة الحكومة الجديدة لمهامها فعليا مع عملية المصادقة على الدستور الجديد وتكوين لجنة الانتخابات والإعلان عن تاريخ الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، علما بأنه يتوجب على الحكومة الجديدة لتسلم مهامها رسميا نيل ثقة المجلس الوطني التأسيسي الذي تحتفظ فيه النهضة بالأغلبية.

وترى بعض الأوساط المراقبة أن هذه المسألة من أهم العقبات التي سيصطدم بها الحوار الوطني عند استئنافه، وستكون محل أخذ ورد كبيرين، وقد تؤثر على روزنامة باقي بنود خارطة طريق الرباعي، خاصة من حيث الترتيبات العملية المتعلقة بتكليف رئيس الحكومة الجديد من قبل رئيس الجمهورية، ونيل ثقة المجلس التأسيسي وفقا لما هو منصوص عليه في القانون المنظم للسلطات الجاري به العمل في تونس منذ أواخر سنة 2011.

العقبة الأخرى تتعلق بتشكيلة الحكومة المرتقبة، حيث ينتظر أن تكون هذه المسألة بدورها محل تجاذبات كبرى بين أحزاب المعارضة والائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة. ولئن كان هناك شبه إجماع على وجوب أن تكون الحكومة المقبلة مصغرة ويتراوح عدد أعضائها بين 15 و20 وزيرا على أقصى تقدير، فإن المعارضة ترى وجوب ألا تضم أي عضو من الحكومة الحالية. وتتحدث بعض الجهات عن استثناء وحيد يتصل بوزير الداخلية لطفي بن جدو الذي قد لا ترفضه المعارضة، في حين ترى أطراف من الائتلاف الحاكم أن الكثير من الوزراء الحاليين تتوافر فيهم صفة الاستقلالية، وأنهم مؤهلون لتقلد مناصب في الحكومة الجديدة، وهو الموقف الذي عبر عنه عماد الدايمي، الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أحد أطراف الائتلاف الحاكم.

في غضون ذلك، أظهر آخر استطلاع للرأي أنجزته إحدى المؤسسات التونسية المختصة أن 48 في المائة من التونسيين غير راضين عن الطريقة التي تمت بها عملية اختيار مهدي جمعة رئيسا للحكومة التونسية الجديدة، على أن نحو 70 في المائة من المستجوبين متفائلون بنجاحه في مهامه. أما بخصوص الانتخابات التشريعية المقبلة فقد أظهر استطلاع الرأي أن حركتي نداء تونس والنهضة تتصدران نوايا التصويت مع تقدم لنداء تونس على النهضة بـ11 نقطة. في حين جاء الباجي قائد السبسي في المرتبة الأولى من حيث نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية بـ34 فاصل 5، (علما بأنه كان حصل في استطلاع شهر أكتوبر/ تشرين الأول، الماضي، الذي أجرته نفس هذه المؤسسة، على نسبة 45 فاصل 3 في المائة) في حين جاء الرئيس الحالي محمد المنصف المرزوقي في المرتبة الثانية بـ7 فاصل 1 في المائة (محافظا على نفس النسبة تقريبا)، وحمة الهمامي في المرتبة الثالثة بـ6 فاصل 9 في المائة (متأخرا بنحو 3 نقاط عن الاستطلاع السابق).

على المستوى الأمني كشفت صحيفة «الشروق» اليومية التونسية في عددها الصادر أمس أن وزارة الداخلية «أحبطت مخططا لتفجير مقر الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العمالية) عن طريق انتحاري كان يعتزم أن يفجر نفسه».

وأضافت الصحيفة استنادا إلى مصدر مطلع لم تبين الجهة التي ينتمي إليها أن «مدير عام إدارة المخابرات التابعة لوزارة الداخلية نجح في إحباط مخطط لتفجير مقر الاتحاد العام التونسي للشغل بالعاصمة». وقالت الصحيفة إن «معلومات استخباراتية وردت، تفيد بأن هناك شابا في الثلاثين من عمره كان يعتزم تفجير مقر منظمة الشغيلة»، مضيفة أنه «تمت مراقبة ساحة محمد علي (وسط العاصمة حيث يقع مقر اتحاد الشغل) من قبل الإرهابيين قبل يوم تنفيذ العملية»، مؤكدة أنه «وقع اعتقال منفذ ومخطط الجريمة».

كما بينت الصحيفة من جهة أخرى أن الإدارة العامة للمصالح المختصة التابعة لوزارة الداخلية التونسية «نجحت في إفشال عمليات تفجيرية بكل من ولايات سوسة والمنستير (الوسط الشرقي لتونس) وقبلي (الجنوب الغربي) وجندوبة (الشمال الغربي)»، وأنه «تمت الإطاحة بمجموعة من الخلايا الإرهابية كانت تخطط لضرب مؤسسات الدولة في هذه الفترة»، مضيفة أن «قوات الأمن ألقت القبض أيضا على 10 سلفيين متطرفين ينتمون إلى مجموعات إرهابية، وهم متهمون في قضايا أمنية خطيرة»، حسب أقوال الصحيفة.

من جهة أخرى، نشرت صحيفة «الشعب» الأسبوعية لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل مقتطفا من رسالة تهديد بالقتل موجهة إلى حسين العباسي، أمين عام نقابة العمال، قالت إنها وصلت إلى مكتبه يوم الاثنين الماضي عبر البريد. وجاء في مقال بالصحيفة أن «الرسالة ليست الأولى التي تصله (حسين العباسي)، مرة مهددة إياه بالقتل، ومرة بالسحل، وأخرى بالحرق والتفجير». واعتبرت الصحيفة أن هذه الرسائل «ممارسة من عدة ممارسات أخرى غايتها ترهيب قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وقواعده». وأشارت الصحيفة إلى وصول رسالة التهديد الأخيرة إلى مكتب العباسي «مباشرة بعد يومين من تتويج جلسات الحوار الوطني وإعلان أولى نتائجه عن التوافق حول مهدي جمعة رئيسا للحكومة» وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التونسية تؤمن منذ أشهر حراسة أمنية للمقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل وسط العاصمة وبعض مقراته في عدد من المحافظات الأخرى، كما توفر الجهات الأمنية حراسة شخصية دائمة لحسين العباسي أمين عام اتحاد الشغل، وهو إجراء شمل أيضا العديد من الشخصيات السياسية التونسية.